«حرفتك مستقبلك».. مبادرة أهالي سيدي بشر بالإسكندرية لتعليم المهن مجانًا
«جدعنة الإسكندرانية» ليست عبارة تطلق على أبناء عروس البحر فحسب بل عمل تجسد على أرض الواقع، بإحدى المناطق الشعبية الأصيلة، والتي تشارك أهلها بمبادرة اقل ما يقال عنها إنها ملحمة إنسانية في التكاتف والتضافر وحب الخير.
تحت شعار« حرفتك مستقبلك» انطلقت في إحدى الشوارع الشهيرة بمنطقة سيدي بشر شرق الإسكندرية، المبادرة المجانية التي تعد الأولى من نوعها، فهدفها يرسم مستقبلًا للشباب، بتعليمهم حرف ومهن مختلفة تساعدهم على الحياه وبدء مشروعات صغيرة.
المشاركة في حلول مشكلة البطالة، وتعليم الشباب والسيدات من جميع الفئات، حرفة ومهنة هو الهدف الذي يسعى له جميع المشاركين بالمبادرة المجانية كما ذكر محمود صبحي مؤسس ورئيس مبادرة «حرفتك مستقبلك» بالإسكندرية، مشيرًا إلى أنها بدأت بحلم وتحول بالإرادة وتكاتف أهل المنطقة إلى حقيقة.
وأضاف لـ«الدستور» أن الفكرة طرأت إلى ذهنه بسبب ما يراه من لجوء الشباب الصغير إلى العمل كسائقي توكتوك، والعزوف عن تعلم المهن والحرف والمهن الأصيلة، وأصبح الشباب لا يملكون صنعة، ومن لم يكمل دراسته أصبح يبحث عن المكسب السهل أو الجلوس على المقاهي بدون عمل، مشيرًا إلى أن حتى أصحاب المؤهلات العليا تساعدهم الحرف بأن يكن لديهم مهارة أخرى يتقنوها.
وتابع أنه بدأ بنفسه حيث أنه صاحب محل للحلاقة، ويعرف في منطقته لعمله الدائم بالمجتمع المدني، لذا أعلن من خلال صفحته عبر موقع التواصل الاجتماعي وبين جيرانه واصدقائه أنه سوف يقوم بتعليم الشباب مهنة الحلاقة مجانًا ويحدد فترة تدريب حتى يصبح الشاب متمرس في المهنة.
الفكرة التي أطلقها «محمود» لاقت صدى كبير بين ابناء المنطقة من أصحاب المهن الأخرى ليعلنوا انضمامهم إلى المبادرة بتعليم الشباب كل حسب مهنته، لتتشارك مهن كثيرة منها النجارة والالوميتال، والسباكة، وصناعة الالبان، والخياطة، والهاند ميد وإصلاح الهواتف المحمولة وغيرها من الحرف.
وأشار إلى أنه مع تجميع أول مجموعة استقروا على تأجير قاعة تدريس تستوعب عدد الشباب لبدء التدريب، ليكون لصاحب المكان رأي آخر وهو المشاركة في المبادرة بالقاعات مجانًا، مما يدل على أصالة هذا الشعب وحبه لعمل الخير ومساعدة الغير وخاصة الشباب الذين هم المستقبل.
وأوضح أن الشباب كان لهم تساؤلات كثيرة في البداية بسبب أن هناك أماكن تنفذ تلك التدريبات بتكاليف مرتفعة: «الشباب مكنوش مصدقين أننا هنعلمهم مجانًا، وياترى هنعلمهم كويس ولة لاء، لكن محدش طلع من التدريب إلا وشايف هو أزاي اتغير واتعلم واشتغل كمان»، لافتًا إلى أن المبادرة بخلاف التعليم تساعد في إلحاق الشباب بالعمل في مصانع ومحلات وورش، وهناك من أثبت جدارة كبيرة، منهم من سافر للخارج وعمل بمهنة الحلاقة الذي تعلمها في المبادرة.
ورش المنطقة ومحلاتها المختلفة خصصت وقت من يوم العمل لاستقبال المتدربين في مجالات عديدة منها الخياطة والتطريز والالوميتال، والنجارة وغيرها، وبداخل محل «عم محمود» للحلاقة يتجمع الشباب يوميًا، فكل يوم يستقبل العديد من الرسائل ممن يريد تعلم المهنة، فضلا عن تواصل عدد من الورش ومصانع التطريز معه تدعو السيدات الاتي تعلمن المهنة بالالتحاق بالعمل.
أكد «عم محمود» أن التلاحم الذي صار بين أبناء المنطقة، أضيف إليه تلاحم ومحبة أكبر، فشاركت الكنيسة الإنجيلية بقاعة داخلها للتدريب، كما شاركت الجمعيات التابعة للمساجد بقاعات أيضًا، واصبح يتم الإعلان من خلال الكنيسة والمسجد عن الدورات المجانية ويتشارك فيها الجميع ، كما تم زيارة دار الأيتام، وبدأنا في تعليمهم الرسم، وتصفيف شعر الأطفال أولاد وفتيات، وتعليمهم عمل اشياء بسيطة، وكان له أثر كبير عليهم.
وقال هاني صبري مدرس ثانوي فني صناعي، وصاحب تدريب النجارة وصناعة الأثاث بالمبادرة، إن المبادرة يحيطها روح الحماس الذي نستمده من الشباب المقبل على تعليم مهنة وحرفة تساعده في أن يصبح له ورشة أو مصنع في المستقبل إذا سعى وراء حلمه.
وأضاف لـ«الدستور» أن المبادرة تفيد الشباب، وهم يفيدون غيرهم من خلال مشاركتهم في تدريب آخر او العمل في ورشة يكسب منها رزقه، والحفاظ على المهن والحرف التي بعضها قارب على الاندثار، مشيرًا إلى أن من خلال الشباب تم تكوين العديد من الأفكار الجديدة وإعادة تدوير الأخشاب.
واوضح أنه يبدأ مع الشباب بالتعليم النظري داخل قاعة التعليم ثم يتم تقسيم المجموعة على عدة أيام للتدريب العملي بالورشة الخاصة به لكي يحصل الشاب على الخبرة العملية، مشيرًا إلى أن جميع المشاركين من المدربين في المبادرة كسروا قاعدة سر المهنة، وأفادوا المتدربين بكل خبراتهم فى مجالاتهم، فهؤلاء الشباب هم من نستطيع أن ننافس بهم في سوق العمل.
واستكمل نادر زكي، بكالوريوس ملاحة بحرية، الحديث بأنه أراد أن يتعلم حرفة جديدة، ووقع اختياره على مهنة الحلاقة، فتوجه لإحدى اماكن التدريب والذي حصل منها على كورس بتكلفة 2500 جنيه؛ دون أن يستفاد منه أي شيئ، مشيرًا إلى أن احد اصدقائه سافر لدولة اجنبية وعمل بمهنة الحلاقة أخبره على المبادرة والتي تعطي دورة تدريبية في الحلاقة مجانًا.
وأضاف لـ«الدستور» أنه في البداية لم يكن متحمس أنه سيستفاد من تدريب مجاني، ولكن بعد الإلتحاق بالتدريب مع منسق المبادرة وجد شيئ مختلف وهو الجزء العملي والتدريب الذي استمر لشهرين، مشيرًا إلى أنه أراد أن يلتحق بسوق العمل بمهنة الحلاقة، حيث تم توظيف عدة شباب في محلات بعد التدريب، ليضمه عم محمود صبري مؤسس المبادرة للعمل معه في المحل ليصبح ملم بكل تفاصيل المهنة خلال فترة قصيرة.
وأوضح «نادر» أن هدف عم محمود من المبادرة هو القضاء على البطالة، وأن يكون للشاب مهنة وحرفة بديلة عن قيادة التوكتوك الذي أصبح وسيلة الشباب لكسب الرزق، فأصبحت المبادرة تضم العديد من الحرف والمهن التي يمكن بها بدء مشروع صغير.
وأشار إلى أنه قبل تعلمه مهنة الحلاقة كان لديه محل للهواتف المحمولة ولديه شهادة معتمدة في إصلاح الهواتف، لذا سيشارك في التدريب في المبادرة بمهنة الحلاقة، وإصلاح الموبايلات أيضًا لإفادة الشباب والتسهيل عليهم بسبب ارتفاع اسعار دورات تدريب صيانة الموبايل، لذا كما تعلم حرفة مجانًا سوف يُعلم هو أيضًا بالمجان ليكون له مشاركة إيجابية في المجتمع.