أنا مش طالع تانى يا سيدى
كلمة قالها عمدة القراء الشيخ مصطفى إسماعيل لسائق سيارته حينما وصل به إلى فيلته بحى رشدي في مدينة الإسكندرية قادمين من مدينة دمياط، بعد أن قرأ القرآن في افتتاح أحد مساجد المدينة بحضور رئيس الجمهورية آنذاك الرئيس الراحل محمد أنور السادات.
كان ذلك في السادس والعشرين من شهر ديسمبر من عام ١٩٧٨.. كان الشيخ وقتها قد أتم عامه الثالث والسبعين، بعد أن ملأ الدنيا بصوته العذب قارئًا لكتاب الله.. كثيرة تلك الأوسمة والألقاب التى نالها الشيخ، فقد حصل على وسام الاستحقاق ووسام الفنون من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ووسام الامتياز من الرئيس الراحل حسني مبارك، لكن يظل الوسام الأعظم الذي حصل عليه هو حمله لكتاب الله وقراءته وترتيله وإشباع آذان الناس بآيات القرآن العظيم فى مختلف أرجاء المعمورة.
وكنت قد تحدثت قبل ذلك عن لحظة ربانية فارقة في حياة الشيخ، حيث كان القدر ينتظره عند بيته في قرية ميت غزال بمحافظة الغربية، حينما جاءه مأمور المركز مصطحبًا عمدة القرية وعددًا من كبار أهل البلد باحثين عن الشيخ، ليخبروه بأن ملك البلاد فاروق الأول قد استمع لتلاوته التي ألقاها منذ ساعات فى مسجد الإمام الحسين في الراديو وأعجب به كثيرًا.. وأنه أصبح من الآن القارئ الرسمي للقصر الملكي!
هكذا كان الشيخ رحمه الله ما يسمعه من أحد إلا و ينتبه لتلك اللمحات العظيمة في تلاوة القرآن، حتى أن أهل الفن كانوا يندهشون لما يأتي به من أساليب جديدة في التلاوة والمقامات لا يستطيعها غيره، فقد كان الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب يقول عنه: إنه يفاجئنا بمسارات موسيقية وقفلات غير متوقعة وله قدرة غير طبيعية على الصعود بصوته إلى جواب الجواب بشكل لم نعرفه في أى صوت حتى الآن.. أما عن أم كلثوم فكانت تقول عنه: إنه أعظم صوت على الإطلاق.
وعند عودته من حفل افتتاح المسجد في دمياط بصحبة الرئيس السادات والذي كان يحبه ويصطحبه دائمًا في رحلاته، قال لسائقه في مفترق الطريق من دمياط إلى القاهرة: اذهب بنا إلى الإسكندرية، وهناك وعند وصوله طلب منه أن يغطى السيارة، مما أثار اندهاش السائق، حيث إنه كان يرفض ذلك مرارًا، فلما رأى الشيخ اندهاش السائق قال له: "يا سيدى أنا مش طالع تانى".
وبالفعل لم يخرج الشيخ بسيارته بعدها، فقد استُدعى للقاء ربه فى اليوم التالى.. رحم الله عمدة القراء الشيخ مصطفى إسماعيل.