في عام 2022.. بريطانيا تواجه 3 حكومات والأزمات الاقتصادية تحاصرها
كان عام 2022 استثنائيًا في بريطانيا ولكن بشكل سلبي لم يسبق له مثيل منذ تداعيات الحرب العالمية الثانية، فعلى الرغم من انتصار التحالف البريطاني في هذه الحرب إلا أن الثمن كان غاليًا، فلم تقتصر على وفاة 150 ألف جندي وتدمير الكثير من الترسانات العسكرية وانهيار الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، فكانت هناك أزمات اقتصادية وسياسية كبرى، نجحت المملكة المتحدة في تجاوزها مع مرور الوقت، ولكن يبدو أن أزمات 2022 ستلقي بظلالها السيئة على بريطانيا لعدة سنوات أخرى، وسط ارتفاع قياسي لمعدلات التضخم يعد الأعلى منذ أكثر من 40 عامًا.
أزمة الوقود وارتفاع التضخم
مع بداية عام 2022، وظهرت أزمة الوقود في بريطانيا لتستكمل ما بدأ في عام 2021، ولكن بدأت الأزمة في التفاقم مع ارتفاع أسعار فواتير الطاقة وارتفاع تكلفة المعيشة بنسبة تجاوزت 200%، وعدم قدرة حكومة بوريس جونسون في هذا الوقت على التعامل مع الأزمة والتي تفاقمت أكثر مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية ووقف إمدادات الغاز الروسية وفشل الحكومة البريطانية في احتواء الأزمة الاقتصادية.
وفي شهر مايو، حذرت صحيفة "إكسبريس" البريطانية، من أن أزمتي الطاقة وفيروس كورونا تهددان بريطانيا بالدخول في ركود اقتصادي، مشيرة إلى أزمة الطاقة تثير قلقاً كبيراً في البلاد من حدوث ركود مع استمرار التضخم في الارتفاع ليصل إلى 9 في المائة الشهر الماضي.
وأوضحت الصحيفة - في تحليل نقلته عن برنامج "ماني بوكس لايف" المذاع على راديو (بي بي سي 4)، ويقدمه، آدم شو - أن مستوى التضخم هذا لم تشهده بريطانيا منذ عام 1982، كما توقع بنك إنجلترا أن يتجاوز التضخم 10 في المائة في تلك المرحلة.
فضيحة بارتي جيت
وفي خضم الأزمة الاقتصادية، دخلت بريطانيا أزمة سياسية معقدة، بسبب فضيحة بارتي جيت التي تورط فيها رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون، بعدما ثبت انتهاكه قواعد إغلاق فيروس كورونا الصارمة وإقامة الحفلات في داونينج ستريت في وقت كان يحظر على أي بريطاني حتى الخروج من المنزل إلا للضرورة القسوى، وهي الأزمة التي دفعت جونسون لتقديم استقالته.
وفي البداية رفض جونسون تقديم استقالته وأصر على الاستمرار في منصبه إلا أن الاستقالات الجماعية المفاجئة من حكومته دفعت لتقديم استقالته، وأكدت صحيفة "تليجراف" البريطانية، أن استقالة بوريس جونسون من منصبه كرئيس للوزراء وفّرت الكثير على مجلس العموم البريطاني، وتركت الفرصة لحزب المحافظين لعقد انتخابات لاختيار خليفة جونسون في رئاسة الحزب.
وأضافت الجارديان، أن جونسون تعرض لضغوط كبرى من أجل الرحيل عن داونينج ستريت بعد استقالة أكثر من 50 وزيرا وموظفا كبيرا بمن في ذلك 6 أعضاء رئيسيين في مجلس الوزراء، وحدث الانقلاب الأكبر عندما طالبه المستشار الجديد ناظم الزهاوي بالرحيل واستقالت وزيرة التعليم ميشيل دونيلان بعد 35 ساعة فقط من تعيينها في منصبها، وأشارت إلى أن خروج جونسون من داونينج ستريت بهذه الطريقة أشعل معركة كبرى بين مرشحي حزب المحافظين لخلافته، حتى تولت ليز تراس المنصب بعد تغلبها على ريشي سوناك في تصويت المحافظين.
أزمة ليز تراس
وفي شهر سبتمبر تولت ليز تراس منصبها، ولكن يوم 21 أكتوبر وبعد سلسلة من الأزمات الكبرى وانهيار أسواق المال البريطانية تقدمت باستقالتها لتدخل التاريخ البريطاني بولايتها التي لم تدم سوى 44 يومًا فقط، حيث باتت أقصر رؤساء الوزراء بقاء في المنصب في تاريخ بريطانيا.
وغداة جلسة صاخبة في أروقة مجلس العموم تيقنت خلالها أن سهام النقد لسياساتها لم تأتها من قبل حزب العمال المعارض فحسب، بل إن الرأي العام داخل أوساط حزبها "المحافظين"، بات ينظر لبقائها في منصبها على أنه سوف يلحق الضرر بفرص استمرار الحزب في السلطة إذا ما أجريت انتخابات جديدة، وذلك بحسب وكالة الأنباء الألمانية.
ويرى محللون أن نواب حزب المحافظين واجهوا خيارين، أحلاهما مر، فاختاروا الأقل ضررًا بدفعهم تراس إلى الاستقالة، لتكون رابع رئيس للوزراء يسقط في عهدهم، بعد ديفيد كاميرون وتيريزا ماي وبوريس جونسون.
وأكدت صحيفة "الجارديان" البريطانية، أن الميزانية المصغرة التي أعلنت عنها حكومة تراس تسببت في انهيار أسواق المال فلم تكن خاطئة بحسب بل كانت كارثية، ولم يعد من الممكن استمرارها في منصبها بعد هذه الأزمة.
ريشي سوناك رئيس وزراء بالتزكية
في 25 أكتوبر وبعد 4 أيام فقط من استقالة ليز تراس، فاز ريشي سوناك وزير المالية السابق، بمنصب رئيس الوزراء بعدما فشلت وزيرة الخارجية السابقة بيني موردونت في حشد الأصوات اللازمة من نواب مجلس العموم للترشح.
وبحسب شبكة "سي إن إن" الأمريكية، فإن وزير المالية السابق قام بمجازفة عالية المخاطر، بعد أن قاد هجومًا ساعد في إنهاء رئاسة بوريس جونسون للوزراء، وطرح نفسه كبديل له، لكنه خسر في النهاية أمام ليز تراس، ومعترفا بالهزيمة، تراجع إلى المقاعد الخلفية البرلمانية.
وأضافت أنه في إشارة إلى مدى عدم القدرة على التنبؤ بالسياسة البريطانية، عاد سوناك منتصرًا من البرية السياسية ليحل محل تراس، التي انهارت فترة حكمها القصيرة بعد 6 أسابيع فقط.
وأشارت إلى أن سوناك كان الوحيد الذي نجح في جمع 100 ترشيح من نواب حزب المحافظين، وهو الحد الأدنى من أجل الترشح لمسابقة القيادة، ليفوز بالمنصب بالتزكية ويصبح أول رئيس وزراء لبريطانيا من جنسية غير انجليزية وأصغر رئيس وزراء منذ 200 عام حيث يبلغ من العمر 42 عامًا فقط.
احتجاجات وإضرابات
ولم تكن نهاية العام أكثر تفاؤلاً من بدايته في بريطانيا، حيث انهت العام باحتاجاجات وإضرابات بسبب الأزمات الاقتصادية التي فشلت الحكومات الثلاثة المتعاقبة في حلها.
ففي شهر ديسمبر انتشترت الاحتجاجات بسبب الارتفاع القياسي لأسعار الطاقة وفشل الحكومة في حل أزمة ارتفاع تكلفة المعيشة التي تعاني منها بريطانيا منذ أكثر من عام.
وقالت سلطت صحيفة "الجارديان" البريطانية، إن الاحتجاجات أدت لمواجهات بين قوات الأمن والمتظاهرين، حيث يريد المحتجون التعبير عن غضبهم من الارتفاع الصاروخي لفواتير الكهرباء، حتى أن البعض أسسوا حملات للامتناع عن سداد الفواتير.
وقال المنظمون إن الاحتجاجات نُظمت في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك في المتحف البريطاني ومقر سكوتيش باور كجزء من يوم وطني للعمل بشأن نقص الوقود.
وتابعت الصحيفة أن الأمر قد يتطور في الأيام القادمة لما هو أسوأ حيث حاول البعض في جلاسكو وتحديدًا في بهو شركة "سكوتش باور" باسكتلندا الاعتصام، كما دخلت الاحتجاجات مرحلة أكثر تطورًا بعد أن اقتحم المحتجون القاعة الكبرى للمتحف البريطانية والذي لديه أكبر ساحة عامة داخلية في أوروبا حيث سلطوا الضوء أيضًا على روابط رعاية مكان بلومزبري مع شركة بريتيش بتروليوم.