«ما أشد غرور الرجال.. يدافعون عن قضية خاسرة».. تفاصيل حوار لطه حسين
في حواره مع مجلة "المصور" قال طه حسين: "الرجال يدافعون عن قضية خاسرة وإنهم لمغلوبون"، والذي حاورته خلاله الفنانة راقية إبراهيم، ونشر مطلع العام 1947.
وبداية تسأله راقية إبراهيم حول رأيه في منح المرأة حق التصويت في الانتخابات، وبدوره يجيب طه حسين: ولماذا نؤثر الرجل بهذا الحق دون المرأة؟ الانتخاب يمنح للرجل متى بلغ الحادية والعشرين من عمره، دون أن يشترط أن يكون مثقفاً.
وتسأل راقية إبراهيم: يقولون أن أجمل ما في حياة المرأة هو إعجابها بمركز زوجها، فإذا شاركته مجده ومكانته في المجتمع فقدت إعجابها به، وغدت حياتها خلوا من مصدر الزهو والابتهاج، فما رأيكم في هذا؟.
ـ طه حسين: ما أشد غرور الرجل، يريد أن يكون دائمًا موضع الإعجاب، ويخشى أشد ما يخشى أن يفقد تفوقه، ومن ذا الذي زعم أن الرجل يفقد حظه من إعجاب زوجته، إذًا هي تفوقت وامتازت؟ أليس يعجب الرجال بقادة الرأي وأفذاذ الفلاسفة والشعراء المبرزين في الفن. دون أن يحط ذلك من قدر المعجبين أو ينقص من رجولتهم؟ ثم أن هناك سؤلا يحسن بنا أن نوجهه إلي أولئك الذين يختصون بدرس علم النفس: "أي أنواع الإعجاب جدير بأن نحبه ونحرص عليه؟ إعجاب الند بالند، أو إعجاب العبد بالسيد؟.
ـ كل ما توصف به المرأة من النقص لا يأتي من طبيعتها.
راقية إبراهيم: هل تؤمنون بأن المرأة قادرة علي أن تتساوي بالرجل، فتصبح مشرعة تسن القوانين، وقائدة تقود الجيوش، وفيلسوفة تسوس الرأي؟
ـ طه حسين: لا شك في ذلك إذا هي أعطيت حقها من الحرية بالقدر الذي يستمتع به الرجل، ولا ينبغي أن ننسي أن كل ما توصف به المرأة من النقص لا يأتي من طبيعتها، وإنما يأتي من الحياة الاجتماعية التي فرضها الرجل عليها منذ قرون وقرون. ونحن نذكر العصور التي كان الرق فيها مباحا، فقد كان يحرم علي الرجال الأرقاء ــ في تلك العصور ــ أن يساهموا في المسئوليات العامة وفي الحرب، وكان الرجال الأرقاء أقل مكانة في السياسة والاجتماع من المرأة الحرة.. وقد عرفت بعض المجتمعات الرومانية والعربية، طائفة من الرقيق ــ الرجال والنساء ــ كانوا يعلمون سادتهم الفلسفة والأدب والفن، ولا يباح لهم ــ مع ذلك ــ أن يتصرفوا في أنفسهم، فضلا عن أن يتصرفوا في المسائل العامة .. فأمر المرأة الآن كأمر الرقيق فيما مضي. أطلق لها حريتها، وسو بينها وبين الرجل، وأنتظر، تر الأعاجيب.
ــ راقية إبراهيم: هل تقرون ما يشيعونه من أن مساواة المرأة بالرجل، تجعل طبيعتها تقسو وتخشن وتسترجل؟
طه حسين: من زعم لك أن المرأة ستخشن وتقسو إذا هي ظفرت بحريتها كاملة؟ ولم نقدر أن عناية المرأة بالأمور العامة، تفسد طيبعتها؟، وهل أفسدت عناية الرجل بهذه الأمور طبيعته؟ أنها تعللات يتكلفها الرجال ليمتازوا، ولكن تكلفهم لن يغني عنهم شيئا .. فقد ظفرت المرأة بحقوقها في أكثر أقطار الأرض.
وقد قرأت أنها ظفرت وستظفر بها في سوريا، وكان يقال أن مصر هي قائدة البلاد العربية، ولكنها ستصبح مقودة، في هذا الموضوع علي الأقل.. والشئ الذي لا فيه شك، هو أن الرجال يدافعون عن قضية خاسرة، وإنهم لمغلوبون بإذن الله اليوم أو غدًا.. والرجل العاقل الحكيم، هو الذي يؤمن بقول الشاعر: إذا لم يكن إلا الأسنة مركب، فلا رأي للمضطر إلا ركوبها . والأسنة هنا هي الحرية الشاملة للرجال والنساء جميعا، والمضطر هو الرجل، فليتكل علي الله وليردد الحق إلى أهله.