رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القادة الدينيون بمنتدى أبو ظبي ينادون باسم الإنسانية لإيقاف الحروب

د. خليفة الظاهري
د. خليفة الظاهري

أشاد المشاركون في الملتقى التاسع لـ «منتدى أبوظبي للسلم» الذي اختتم أعماله مساء اليوم في العاصمة الإماراتية أبوظبي، تحت شعار «عولمة الحرب وعالميّة السلام: المقتضيات والشراكات»، بنموذج دولة الإمارات العربية المتحدة في التسامح والتعايش، فعلى أرض هذه الدولة المباركة تتعايش عشرات الأديان والثقافات والأعراق المختلفة، ومئات الجنسيات في أمن وأمان ومودّة واحترام.

وعبر المشاركون في البيان الختامي الذي ألقاه الدكتور خليفة الظاهري، المدير التنفيذي لمنتدى تعزيز السلم بأبوظبي،  للملتقى عن صادق شكرهم وجزيل ثنائهم لدولة الإمارات العربية المتحدة على رعايتها الكريمة، ودعمها المتواصل للمنتدى، ورفعوا عبارات امتنانهم إلى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، والشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله وإلى حكام الإمارات، كما توجهون بعظيم الامتنان إلى الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، على رعايته لأعمال المنتدى، داعين الله لهم جميعًا بالتوفيق والسداد والعون، وأن يحفظ دولة الإمارات قيادة وشعبًا ويديم عليها سابغ نعمه وأفضاله.

وذكر البيان أنه استلهاماً للرؤية الرشيدة لدولة الإمارات العربية المتحدة، والتي عبّر عنها   رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد حفظه الله في خطابه في شهر يوليو الماضي قائلًا: «ستظل سياسة دولة الإمارات داعمة للسلام والاستقرار في منطقتنا والعالم.. وعوناً للشقيق والصديق.. وداعية إلى الحكمة والتعاون من أجل خير البشرية وتقدّمها».

ووجه القادة الدينيون والعلماء والمثقفون نداء حارًا باسم الإنسانية لإيقاف الحروب أو التهديد بها في النزاعات العالمية وبخاصة إيقاف الحرب الدائرة بين جمهورية روسيا الاتحادية وجمهورية أوكرانيا وإيقاف الاقتتال بين البلدين صونًا لدماء الشعبين ومحافظة على السلم العالمي واستجابة لتمنيات العالم ودعواته واللجوء إلى الحوار والوسائل السلمية لحل المشاكل والإشكالات بين البلدين الجارين والاحتكام إلى العقل والحكمة والمصلحة.

وشهد الملتقى الذي استضافته أبوظبي على مدار ثلاثة أيام مناقشات معمقة للبحث في التحديات الكبرى التي تواجه البشرية في الوقت الراهن، مثل تحديات الأمن والصحة والغذاء والبيئة، حيث دعا في البيان الختامي إلى المزيد من التفكير والعمل المشترك لوضع خارطة طريق، وتقديم مبادرات علميّة وعمليّة للخروج بـ «خطة أبوظبي التنفيذية للسلم العالمي»، وأوصي أن تخصص القيادات الدينيّة والنخب الأكاديميّة أقرب فرصة قادمة للكلام أو الكتابة بعد هذا المؤتمر سواء كانت تلك الفرصة خطبة للجمعة، أو عظة للسبت أو الأحد، أو مقالًا صحفيًا، أو برنامجا تلفزيونيا، أو غيرها من المناسبات، للكلام والكتابة عن السلم وجهود السلم وإيصال رسالة السلام إلى مجتمعاتنا في مختلف القارات وبجميع اللغات.

كما دعا البيان إلى أن يتم التواصل مع شركات الإنتاج السينمائي لإنتاج أفلام حول السلم والتعايش السعيد للوصول بجهود السلام إلى شرائح واسعة من المجتمعات حول العالم، وقدم اقتراحا للقيام بسلسلة من الندوات والورش الأكاديمية مع الجامعات المرموقة حول العالم لتعميق البحث العلمي في مفاهيم السلام والتعايش بين البشر.

وأوصى الملتقى التاسع لمنتدى أبوظبي للسلم بتعزيز الشراكات والتعاون، وتنسيق الجهود بين الهيئات والمنظمات العاملة في صناعة السلم والتسامح والعيش المشترك حول العالم، داعيًا إلى التعريف وتسليط الضوء على النماذج الإيجابية، والقصص الملهمة، والمبادرات الناجحة في مجالات السلم والمصالحات وميادين البيئة والأمن الغذائي والصحة على مستوى العالم.

كما شدد الملتقى في البيان الختامي على أن تسهم القيادات الدينية والفاعلين المجتمعين في التوعية والحث على تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، والدعوة إلى تعزيز وتفعيل دور الشباب والنساء في بناء السلم المحلي والعالمي وفي الإسهام في رسم السياسات وبناء الشراكات لتعزيز استقرار المجتمعات وحفظ السلم فيها.

وأوصى الملتقى بإدراج قيم السلم والتسامح في مناهج التربية والتعليم على المستوى العالمي، والتعاون مع المؤسسات الدوليّة ذات الاختصاص، وكذلك لدعوة إلى إلى تعزيز الشراكات بين المنظّمات العاملة في مجال السلم والمؤسسات الإعلامية العالميّة، ودعا إلى تعاون متعدد التخصصات لإعطاء العناية اللازمة للتعامل مع التحديات النفسية والروحيّة التي تسببها النزاعات والحروب، مشددًا على اعتماد الحوار كوسيلة وحيدة لحل النزاعات والصراعات في العالم. والاستناد الى قوّة المنطق لا إلى منطق القوّة.

وقد شارك في أعمال الملتقى، بإشراف من معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح والتعايش، وبرئاسة الشيخ عبد الله بن بيه رئيس منتدى أبوظبي للسلم، رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، مئات المشاركين ما بين وزراء وممثلي منظّمات أممية، ومسؤولي منظمات إسلاميّة، وسفراءَ وممثلي هيئات حكومية ومراكزَ ومنظماتٍ دوليّة، ومفتين، وعلماء، وقضاةٍ، وقياداتٍ دينيةٍ، ومفكرينَ، وشخصياتٍ أكاديميّة، ونواب برلمانيين، وغيرِهم. كما حظي الملتقى بمتابعة الآلاف لجلساته وأعماله عبر المنصات الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي.

كما شارك في الجلسة الافتتاحية الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، رئيس هيئة علماء المسلمين، ومعالي حسين إبراهيم طه- أمين عام منظمة التعاون الإسلامي، وسعادة السفير رشاد حسين، السفير المتجول للحريات الدينيّة في وزارة الخارجية الأمريكية، وغيرهم.

وتركز موضوع ملتقى هذا العام على السعي إلى تعميق البحث في التحديات الكبرى التي تواجه البشرية في الوقت الراهن، تحديات الأمن والصحة والغذاء والبيئة، متناولاً بشكل خاص إمكانات وتحديات التعاون والشراكة من أجل بناء عالم أفضل لجميع البشر، كما كان الملتقى فرصة لتبادل الآراء والخبرات بين الفاعلين في حقل السلم والتسامح، ولسبر آفاق التعاون لنشر قيم السلم والتعايش والتضامن حول العالم.

وشهد الملتقى في أيامه الثلاثة من خلال جلساته وورشه المتعددة، مناقشة موضوعات من أبرزها:التحديات الأمنية الجديدة في ظل التطورات الحاصلة في النظام الدولي، والتحديات الوجوديّة للسلم العالمي على مستوى الغذاء والصحة والبيئة، ودور القيادات الدينيّة في تحقيق السلم العالميّ، أهمية الشراكات والتحالفات في حفظ السلم العالميّ، عولمة الحروب وتحديات الأمن الروحي والنفسي.

وأقيم على هامش الملتقى معرض للمنظّمات العاملة في حقل السلم والتعايش، شاركت فيه نخبة من المنظمات والهيئات من مناطق مختلفة من العالم.

وخلص المشاركون في الملتقى التاسع لمنتدى أبوظبي للسلم 2022، بعد تبادل وجهات النظر في القضايا المدروسة، مستحضرين خصوصية الظرفية العالمية، التي تلوح في أفقها مآلات المجتمع الإنسانيّ مفتوحة على احتمالات مرهوبة ومرغوبة، إلى التئام مؤتمر هذا العام في وضع دوليّ مضطرب يزيد من مستوى التحديّات التي تواجه البشرية. 

وأكدت الأزمات الراهنة والتوترات الحاصلة أن السلم كلّ لا يتجزأ، وأن أي إخلال به ستنعكس آثاره على البشرية في كل مكان، بينت الحروب الدائرة في أجزاء من العالم أن شياطين الحروب ما تزال كامنة في النفوس، ولذا فإن من مسؤولية القيادات الدينيّة كما رجال السياسة معالجة هذه الأفكار في النفوس والأذهان قبل أن تخرج إلى العيان.

فيما نبهت النزاعات الحاصلة على أهمية الحوار لحل المشكلات البشرية ليكون اللسان بدل السنان، والكلام بدل الحسام، أداة لفصل الخصومات وفض النزاعات، وأضيفت إلى ذلك  الآثار السلبية للجائحة الصحية إلى العوامل المختلفة المسببة لعدم الاستقرار العالميّ لينعكس أثرها ارتفاعا في أسعار الطاقة، وأسعار الغذاء على المستوى العالمي، فزادت بذلك معاناة الدول الفقيرة، وتضاعف خطر المجاعة في كثير من دول العالم.

وتطرح هذه التحديات الخطرة التي تواجه البشرية تطرح تساؤلات ملحة من قبيل: كيف ندرأ خطر الحروب والنزاعات المسلحة؟ وكيف يمكن لسفينة البشرية أن تتفادى الاصطدام بجبل الجليد وترسو على مرفأ الأمان؟ ما الدور الذي يجب أن تقوم به القيادات الدينيّة والروحيّة للإسهام في مواجهة هذه الأزمات وفي معالجة هذه التحديات؟ وكيف نصل إلى حلول مبتكرة فيما يخص الغذاء والدواء وخصوصا توفيرها للدول النامية في ظلّ التحديات الاقتصادية والتغيرات المناخية؟ وكيف نبلغ رسالة السلام ونعزز جهوده ليشمل شرائح واسعة من العالم ويشارك الجمهور العريض في أعماله الخيّرة؟ 

وذكر البيان الختامي أن عولمة الحرب فيما بات يشهده العالم من تفشٍّ لحروب مستعرة في بقع مختلفة من العالم، كما تتجلى في انتشار وانعكاس آثار هذه الحروب وتداعياتها على باقي دول العالم، وأن عالميّة السلام هي دعوة لمقابلة عولمة الحرب برد فعل مضاد بحيث نزيل العرض ونداوي المرض بجهود فض النزاعات وإقامة المصالحات.

كما أكد على أن دعوة السلم دعوة لازمة وضرورة ملحة، لكن هذه الضرورة تتأكد عندما تشتعل الحروب وتراق الدماء وتستخدم القوة العنيفة بحيث يصبح التهديد عالميّا؛ ولذا فإن عولمة الحرب لا يمكن مقابلتها إلا بعالميّة السلام وأن حماية السلام بالحرب هو مثل تكليف الذئب برعي الغنم، فهذه الحروب والأزمات لا تولد إلا الخسائر في المنتظم الإنساني أجمع، ولقد أظهرت جائحة كورونا أهمية التعاون الدولي والشراكات متعددة الأطراف في مواجهة التحديات ذات الطابع المعولم، والتي لا يمكن لبلد بمفرده أو منطقة لوحدها معالجتها أو التعامل معها.

وأكد البيان الختامي للملتقى على أنه لاشك أن درجة التشابك بين مصائر الشعوب وأوضاعها في سياق العولمة المعاصرة فرضت الشعور الواعي بحقيقة الانتماء للبشرية كعائلة كبرى، وللأرض كوطن أشمل، من خلال تجسيد روح ركاب السفينة الذين يؤمنون بالمسؤولية المشتركة، وبالحرية المسؤولة المرشّدة، وبواجب التّضامن والتعاون، وإن من وسائل عالميّة السلام أن نعمل بعقلية الإطفائيين فنسعى إلى إطفاء الحريق قبل السؤال عن من أشعله أو الحكم عليه أو وصفه أو وصمه بأيّ جرم، فالمهم أولاً هو إطفاء الحريق وإيقاف القتل والقتال قبل الحكم على الأعمال والأفعال، وأن المنظومة القيميّة المشتركة بين الأديان تشكّل منطلقا قويا وطاقة فريدة للإسهام في تحقيق الخير العام، فالأديان تدعو إلى الرحمة والمحبة والعفو والصفح والغفران والإصلاح بين الناس.

كما أكد على أن القيادات الدينيّة تخاطب العقول والقلوب وطموحُها أن يؤثر هذا الخطاب في الساحة، وتتلقاه آذان واعية، وقلوب مصغية، ليتحول إلى إدراك يجعل الحكمة أساسا، والتواضع منطلقا، والمصلحة هدفا، والترويج لقيم الحياة مبدأ، والقيم النبيلة قواعد للنظام العام.

وإننا في خضم هذه التحديات القاتمة والأزمات الخانقة، ما نزال نرجو ألا تخبو شعلة الأمل، وأن تؤدي الأزمات الحالية إلى رد فعل معاكس من شأنه خلق معاهدات جديدة، ليس فقط للحد من التسلح، بل لنزع الأسلحة النووية من خلال مواثيق دولية تحمي حقوق الدول وتصون مصالحها دون الحاجة إلى دخول الحروب واختلاق النزاعات.

وختاما، فإن المؤتمرين يعتبرون جميع المشاركين في جهود السلم والتسامح حول العالم رسل سلام، وسفراء فوق العادة لنشر رسالة السلم والوئام، تعلّق البشرية جمعاء على جهودهم وأعمالهم آمالاً عظيمة.