وتتبدل الأحوال فى لحظة
من العجيب أن يقع الإنسان في براثن اليأس مع كونه مؤمنًا بأن لهذا الكون إلهًا مدبرًا حكيمًا، خبيرًا ببواطن الأمور وظواهرها، فالأمر ليس إلا أن يقول "كن" فتتبدل الأحوال وتنقلب الثوابت وتتغير المشاهد.
جاءت في خاطري هذه الكلمات وأنا أقرأ ما كتب قديمًا عن قصة "أهل الكهف" لتوفيق الحكيم، والتي كنت قد تحدثت عنها سابقًا وعما قاله عنها الإمام الأكبر الشيخ الدكتور مصطفى عبدالرازق، شيخ الأزهر الأسبق.
لكن الذي لم أذكره أن تلك الرواية ظهرت ولم يظهر صاحبها، بل كان مثل أبطالها من أهل الكهف هو الآخر، فلم يكن معروفًا على الساحة الأدبية شخص يدعى توفيق الحكيم، كان لا يزال يعمل وكيلًا للنيابة في محافظة البحيرة في ثلاثينيات القرن الماضي، فما إن صدرت روايته حتى أحدثت دويًا لم يكن يتوقعه صاحبها نفسه، فكتب عنها الشيخ مصطفى عبدالرازق في جريدة "السياسة"، وكتب عنها المازني في صحيفة "البلاغ" حينما قال ساخرًا معجبًا: إن مؤلف أهل الكهف هو نفسه من أهل الكهف، لأنه لم يكن قد ظهر بعد بشخصه في المجتمع الأدبي.
ولم تخلُ مقالات عباس العقاد وطه حسين، وهما من كبار الأدباء وقتها من كلام عن تلك الرواية، بل إن كلامهما عنها كان القول الفصل الذي فتح أبواب الشهرة لتوفيق الحكيم، ووضعته في مكانه الصحيح باعتباره فاتحًا لباب جديد في الأدب العربي.
إنني أتذكر كيف أن الحكيم قد تغيرت حياته تمامًا حينما أراد الله له ذلك، على الرغم من أن والده كان حريصًا كل الحرص أن يوجه طريقه إلى الجد والالتزام، مما جعله يدرس القانون ويساعده على السفر للحصول على الدكتوراه من باريس، لعله يلتحق بسلك القضاء، فإذا بالحكيم يقترب من مناخ الفنون، وعاد إلى وطنه يعمل بالنيابة إرضاءً لوالده الذي خاب أمله في حصول ابنه على دكتوراه القانون.. لذلك وصفه طه حسين بأنه كان يؤدي واجبات وظيفته ليخلص من أداء هذا الواجب وليعفي من التقصير، لكنه يمنحها أيسر ما عنده، محتفظًا بخير ما عنده لهذا الفن الذي استأثر به.
هكذا الدنيا... تتبدل الأحوال وتتبدل المقاييس في لحظة إن أراد الله ذلك.. فلا تيأس وكن عبدًا مدركًا أن الأمر كله بيده وما عليك إلا الجد والأمل فيما عند الله.