الوصايا العشر للإصلاح
المشكلة هى عدة دوائر داخلية، تصل إلى الأزمة عندما تصبح فتحة دائرة العمق وهى الأصغر ذات انسداد لا يمكن النفاذ بداخلها.
وما بين الدائرة والأخرى مسافة تمثل مرحلة زمنية لتصبح كل المسافات داخل الدائرة الكبيرة مراحل تاريخية لأزمنة المشكلة، حتى تصل أعمق وأصغر الدوائر إلى مرحلة الانسداد عندها تصبح أزمة، وهنا تتغير معطيات أدوات الحل، لأن هناك فرقًا بين حل المشكلة وحل الأزمة.
هكذا أصبحت الحالة المصرية فى كل دوائرها الزمنية فى حالة انسداد شبه كلى فى كل المجالات، تلك الحالة القائمة هى وليدة ستين عامًا، ومن الخطأ فى الوقت الحالى التعاطى معها بالأدوات التقليدية المتهالكة التى هى وليدة حالة الانسداد الحاضر.
فالحل غير التقليدى يتمحور فى العشر العشر التالية:
1- مجلس النواب المصرى، أخطأت إدارة الدولة المصرية خطأ جسيمًا فى عملية تكوين مجلس النواب الحالي، فكان يلزم وطبقًا لاستقراء حالة مصر حاضرًا ومستقبلًا تلك القراءة المتسعة التى تتناول الشأنين الإقليمى والدولى، أن يتم اختيار عنصر بشرى لعضوية مجلس النواب ذات صفات وسمات تتناسب وتتماشى مع متطلبات الحالة المصرية، تلك الصفات والسمات المقصود بها «رجل دولة» لديه كل معطيات العمل السياسى بحيث يكون المجلس «كوكتيل» من التخصصات والخبرات التى تنصهر بتكوينها داخل الحالة المصرية، وتكون قادرة على النفاذ من حالة الانسداد إلى حالة الانفتاح، ومن ثم التفكيك الكلى للأزمة ودوائر المشكلة المتلاحقة والمتراكمة، ومن هنا أقترح على القيادة السياسية سرعة حل مجلس النواب والدعوة إلى انتخابات مجلس جديد، تعمل الدولة على اختيار عناصره طبقًا لمتطلبات الحالة المصرية، وهنا تكمن مشكلة الدولة المصرية التى لم يلتفت لها أحد «أنا أؤيد تمامًا طريقة التكوين لأن الشعب غير قادر على الفرز والتمييز فى عملية الانتخاب فى الوقت الحالى».
2 - الرقمنة «الإدارة الإلكترونية»، هناك فجوة عميقة بين عولمة الحالة العالمية داخل بوتقة الإدارة الرقمية، وحالة الدولة المصرية المنفصلة تمامًا عن تلك الحالة والبعيدة كل البعد عن مخرجات التعاطى معها، رغم امتلاكها العنصر البشرى لقيام تلك المنظومة المهمة، وهذا ما أدى إلى فشل منظومة الاستثمار التى تعمل من خلال الإدارة الرقمية فى كل بلاد العالم ومعها ضعف المنظومة المصرفية «البنوك» التى تأخرت كثيرًا للخلف فى التعاملات المصرفية المختلفة بالإضافة إلى ذلك بيروقراطية مؤسسات الدولة المتشبعة بالفساد، والتى لن يفك طلاسمها إلا الرقمنة الإدارية عبر منظومة عمل متناسقة داخل استراتيجية عمل مترابطة ومتجانسة.
3 - الفساد والإرهاب، مهادنة النظام السياسى للدولة لمصادر الفساد ومنابع الإرهاب خطر جسيم يلاحق استقرار الدولة ووجودها، فالحل هو الاجتثاث والنسف الكلى لهما عن طريق تحديد أبعادهما ومصادرهما وأنواعهما، ووضعهم تحت مقصلة القانون العسكرى، غير ذلك مصر ستظل فى خطر دائم.
4- التعليم، الدولة تتعمد النسيان والتخبط فى حل مشكلة التعليم، لأن المنهج تحت إدارة وقيادة الجماعات الراديكالية منذ نظام حكم السادات، والتى على ما يبدو أن هناك اتفاقًا غير معلن بينها وبين النظام الحالى على إدارتها لبعض الملفات منها التعليم، مقابل الهدنة والصمت والمساندة وعدم إحداث أى بلبلة ضد النظام، وهنا الخطر الآخر الذى يهدد وجود مصر. لأن ذلك المنهج قنبلة موقوتة ينتج مئات الآلاف من الإرهابيين والفاسدين سنويًا تحت سمع وبصر الدولة، والحل هو نسف المنهج الحالى وكتابة منهج مبسط تكون مرجعتيه هوية الأجداد الفراعنة، مع صنع معلم متكامل ذات حصانة أدبية وقضائية ومكانة هى الأعلى اجتماعيًا، وأقترح قيام القيادة السياسية بالدعوة إلى بناء 10 آلاف مدرسة نموذجية فى كل أنحاء مصر تتضمن فصلًا مثاليًا ومسرحًا وملعبًا ومعملًا.
5 - الإعلام، مثله مثل كل المجالات يعيش داخل دائرة الانسداد وأصبح عاملًا سلبيًا ضد أمن الدولة واستقراره، لأنه أصبح فى قبضة أمنية أدت إلى إزاحة كل الأصوات التى تمتلك أدوات التعاطى الثقافى والسياسى مع الأحداث، لتبصر وتنير الطريق أمام النظام السياسى وأصبح من يتواجد صوت بوق، فقد يحدث ضجيجًا فى آذان الشعب ويستنفر الشعب ضد القيادة السياسية. فيلزم سرعة إعادة هيكلة المنظومة الإعلامية لتؤدى دورها لخدمة الوطن.
6- وزارة التنمية المحلية، هى معقل ومنبع ومصدر «مستنقع بيروقراطية الفساد» ووجودها يمثل «المجرى التى تتغذى منه كل مؤسسات الدولة فسادًا» وعائقًا كبيرًا أمام أى عمل تنموى وكان يلزم منذ بداية حكم النظام الحالى أن يتخذ قراراته الأولية بحل تلك الوزارة وإعادة هيكلتها بشكل عصرى يتماشى مع احتياجات الحالة المصرية.
7 - القرار السياسى لنظام الحكم، منذ قيام نظام الحكم الحالى لم يبارح مكانه الذى يقبع فيه من ذلك المكان الذى يطلق عليه مرحلة «الإعداد والتحضير» تلك المرحلة ما زال النظام يعيش بداخلها بفكر ما بعد ثورة 30 يونيو، وصراعه مع نظام جماعة الإخوان، مع أن النظام يترك كل أفراد وأتباع الجماعة وهم بعشرات بل بمئات الآلاف داخل مؤسسات ومفاصل الدولة ينشرون الفتن ويبثون روح اليأس ويدعون لهدم الوطن، ورغم ذلك يبارك النظام تواجدهم، هنا المعضلة المحيرة للمواطن المصرى، والحل يكمن فى أن يقوم رأس النظام بتغيير شامل وكامل فى كل تركيبة هياكل نظام الحكم بالاعتماد على متخصصين ورجال دولة يسحبون مصر من هاجس مرحلة الإعداد والتحضير إلى مرحلة البدء والانطلاق.
8- الاقتصاد، إلى الآن ما زال نظام الحكم يفتقر إلى سياسة الإنتاج ويعتمد على سياسة الاستدانة والتعاطى التقليدى مع الملف الاقتصادي، مما خلق حالة من الاختناق، فمنذ البداية كان يلزم أن تكون إدارة الملف الاقتصادى من القاع للقمة وليس العكس، أى يلزم البناء من قاع المجتمع بحيث يكون هناك حالة خلق وتوليد لاقتصاد موازٍ يعيش عليه المواطن بعيدًا عن السياسة الاقتصادية التقليدية، لأن المشكلة بدأت منذ أن قام نظام مبارك بنزع الأراضى من الفلاح فى عام 1996 والذى نص على انتهاء عقود الإيجار بين المالك والمستأجر، هذا الفلاح الذى قدر بـ2 مليون أسرة كان يمثل 10% من سكان مصر و60% من الاقتصاد الموازى لأن منزله ومزرعته كانا يمثلان المصنع المتكامل الذى ينتج أمنًا غذائيًا للوطن.
9- الثقافة والفن، لم يتحرك النظام الحالى قيد أنملة فى اتجاه نفض تراكمات عصرى السادات ومبارك، واللذين دمرا موروثات التكوين الثقافى والفنى المصرى، فما زالت المسارح ودور السينما والمنصات والمؤسسات الثقافية شبه مغلقة، مما أدى إلى تكوين بديل كارثى ما بين طرب المهرجانات، وفن البلطجة وتواجد رجال الدين فى الحياة الثقافية المصرية، وعلى النظام الحالى تبنى استراتيجية تعمل على إحياء دور مصر الفنى والثقافى.
10- الزيادة السكانية، ترتعش وتهتز أيدى القيادة السياسية أمام تلك المشكلة لأنها لا تملك القدرة أمام المعطيات الأيديولوجية لمواجهتها رغم أنها تمثل أم الكوارث والمصائب على مصر ومنها كل مخرجات مشاكل مصر، «2.5» مليون طفل سنويًا، عدد سكان دولة، تولد سنويًا، والأهم والأخطر أن ذلك العدد هو توليد لمشاكل التطرف والجهل والمرض والفقر لأن تلك المواليد معظمها من الطبقات التى تعيش فى القاع، والحل الذى لا بد من اتخاذه من أمس وليس اليوم تشريع يجرم التعاطى بكل أنواع الدعم مع أفراد الأسرة فيما بعد الطفلين، غير ذلك فلن تحل مشاكل مصر مع وجود تلك القنبلة الموقوتة.
كتبت مقالى هذا مثلما كتبت من قبل عشرات المئات من المقالات، كلها تهدف إلى اقتراحات بناءة للإصلاح والتغيير، وأتمنى من القيادة السياسية والحكومة الالتفاف إلى كل ما يكتب ولا يعتبرونه دون معرفة وإدراك لحل مشاكل مصر.