الغيطانى.. المصرى حتى النخاع
كان رحيله فى شهر أحبه وعشقه وكثيراً ما تحدث عما حدث فيه، كان حدثاً عظيماً بالنسبة له ولمصر كلها، الأديب الكبير الأستاذ جمال الغيطاني الذي تواكب ذكراه هذه الأيام فقد انتقل إلى ربه فى شهر أكتوبر عام ٢٠١٥ عن عمر يناهز السبعين عاماً... هذا الشهر الذي مر به حدث من أهم الأحداث التي مرت به، وهو حرب أكتوبر المجيدة، كان الغيطاني أحد رجالها، وكثيراً ما تراه يحكي أحداثها التي عاشها بعشق خالص لمصر نادراً ما ترى مثله.
كان الغيطاني يعمل وقتها محرراً عسكرياً فى جريدة الأخبار فى هذا الوقت الذي انطلقت فيه نسور الجو تهاجم أوكار العدو وتبيد مراكزه ومواقعه والجنود على الأرض لا تسعهم الفرحة لقيام الحرب وكان من بينهم الأستاذ الغيطاني الذي عبر القناة مع أفواج الجنود العابرة والتي كان لها شرف تحقيق النصر. هؤلاء الجنود الذين شكك بهم العدو وسخر منهم كثير من الناس بأنهم لن يستطيعوا العبور ولا تحقيق النصر على أسطورة الجيش الذي لا يقهر، لكن الغيطاني رصد التحول الكبير الذي مر أمام عينيه منذ حرب يونيو ٦٧ مروراً بحرب الاستنزاف ثم حرب أكتوبر المجيدة... كل هذا كان عليه شاهداً ما جعله يرصده وينقله لنا نقل العاشق المحب المصري حتى النخاع.
فى كتابه الذي أصدرته دار أخبار اليوم والذي سماه ( على خط النار ... يوميات حرب أكتوبر) رصد ونقل لنا الغيطاني ما شاهده وعايشه فى تلك السنوات الصعبة، كيف استطاع الفلاح والعامل والمهندس والطبيب المصري التحول إلى مقاتل يبذل روحه في سبيل تحقيق النصر واستعادة الأرض المصرية، ولم لا وقد التحق المراسل العسكري جمال الغيطاني بتدريبات المجموعة ٣٩ قتال بقيادة الأسطورة إبراهيم الرفاعي وبعدما اجتاز التدريبات استطاع أن يكون مع الجنود التي عبرت فى الرعيل الأول ورأى بعينه صورة العلم المصري لأول مرة على الضفة الشرقية من القناة.
وحينما سئل عن المشهد الذي لا ينساه في حياته قال :"مشهد العلم المصري على الضفة الشرقية من القناة فلم يرفع في احتفال وإنما رفع فى حرب مجيدة"
هذا هو جمال الغيطاني العاشق المحب لمصر، الذي ولد فى صعيدها لكنه نشأ في القاهرة القديمة... لم يرو ما شاهده فى الجبهة بروح المراسل وإنما بروح الأديب المحب، ولذلك لم ينتهِ لديه حب مصر عند هذا الحد وإنما استمر فى مشروعه الثقافي بعد ذلك الذي استلهم فيه التراث المصري ليخلق عالماً فريداً روائياً فريداً يعد من انضج التجارب الروائية، تأثر فيه بشدة بأستاذه الأديب الكبير نجيب محفوظ، فكان حينما تقرأ عشرات الروايات متحدثاً عن مصر وتراه يمضي فى حارات وربوع مصر التي نشأ فيها تشعر بأنه لم يكن يتحدث عن مدينة إنما يتحدث عن معشوقه أحبها وذاب فيها عشقاً. رحم الله الأديب الكبير الأستاذ جمال الغيطاني