علي جمعة: الفقهاء وضعوا 5 قواعد تمثل كينونة عقل المسلم
قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية، وشيخ الطريقة الصديقية الشاذلية، إن من الواجبات التي يجب أن يقوم بها المسلم أن يعلم من هو، وما الذي تركه لنا سيد الخلق أجمعين ﷺ، وذلك يظهر عندما نقرأ كلام أهل العلم على مر العصور الذين اشتغلوا بتحرير الإيمان، واشتغلوا بدعوة الناس إلى الله، واشتغلوا بفهم شرع الله عن الله، وبفهم مراد الله من كتاب الله وسنة رسول الله ﷺ ، حتى كوَّنوا لنا العقل المسلم المستنير الذى يرى ما أمامه ويعرف واجبه ويدعو إلى الله على بصيرة لأنه من أتباع الحبيب المصطفى النبي المجتبى ﷺ، من مراجعات الفكر التى يتضح بها ما المسلم، وإلى ما يدعو الناس إليه، ويتضح بها موقف المسلم من العالمين وكيف أن الناس جميعاً فى عصرنا خاصة يحتاجون إلى الإسلام والمسلمين، واعلموا أن فيكم قوة وأن قوتكم إنما هى بالله، فلا حول ولا قوة إلا بالله، أن فيكم علوا ولكنه ليس علواً فى الأرض ولا استكبارا ؛ إنما هو العزة بالله وبما أراد الله من الناس أجمعين.
وتابع "جمعة" عبر صفحته الرسمية على “فيس بوك” قائلا: إعلموا أيها المسلمون أنكم على الحق المبين، وأن الناس يحتاجونكم وأنهم في ورطة لا يخرجهم منها إلا أنتم ولا تخرجونهم إلا بعد أن تطيعوا ربكم، عندما بين لكم {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 109] لا ينصرك الله إلا إذا أطعته فى نفسك أولاً، وحررت معنى العفو والصفح وقمت به فى العالمين بقلب مفتوح ونفس متعالية بالله غير متكبرة، ونفس عزيزة بالله ولكنها لا تفسد في الأرض، ولا تبغى علواً ولا استعلاء، مراجعة لتجديد الإيمان، لأن الإيمان كما أنه مرتبط بالقلب مرتبط أيضاً بالعقل، وكما أنه مرتبط بالسلوك هو مرتبط بالعقيدة، وكما أنه مرتبط بالدنيا هو مرتبط بالآخرة، كلاً لا يتجزأ .
وأضاف "جمعة" قائلا: فقهاؤنا وضعوا قواعد خمسة, هذه القواعد تمثل كينونة عقل المسلم:
■ القاعدة الأولى : (الأمور بمقاصدها) يقول ﷺ : ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمرئ ما نوى ) فجعل سلوكك كله فى يومك وغدك وأمسك مرتبطاً بالله، إنما الأعمال -أى كل الأعمال- بالنيات، والنية هى إخلاص القصد لله رب العالمين, أخذ الفقهاء الحديث فصيروه قاعدة (الأمور بمقاصدها)، يعنى أننا فى إحجامنا وإقدامنا وفى عملنا وتركنا، إنما نحجم لله ونقدم لله. ويقول الإمام السيوطي أن هذه القاعدة تدخل في سبعين بابا من أبواب الفقه.
■ القاعدة الثانية : (الضرر يزال) أي لا تضر نفسك ولا توقع الأذية بغيرك, هذا هو المسلم عمله كله لله وهو يصلح ولا يفسد، وهو يعمر ولا يخرب، وهو يدعو إلى الخير، المسلم يسعي لإزالة الفساد وأنه مأمور من قبل الله سبحانه وتعالي بعدم الفساد في الأرض {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [البقرة: 60] والنبي ﷺ يؤصل هذه القاعدة والعلماء يأخذونها من قوله ﷺ (لا ضرر ولا ضِرار) ومعني هذا الحديث الشريف الصحيح أن الإنسان لا يضر نفسه وأنه لا يوقع الضرر بغيره، فإذا قد أزال الضرر عن نفسه وأزال الضرر عن غيره بل ولم يبدأ هذا الضرر لا في نفسه ولا في غيره ؛ فإنه مأمور أن يزيل الضرر إذا حدث علي سبيل الخطأ أو حدث علي سبيل الأمر العارض في حياة المسلمين (كل ابن آدم خطاء) يحدث منه الضرر بنفسه أو يحدث منه الضرر بغيره لكنه مأمور بأن يزيل هذا الضرر فوراً ، هذا هو المسلم لا يوقع ضرر فى العالمين لا بنفسه ولا بغيره ولا بكونه ولا بعالمه، هو داعية خير "الضرر يزال".
■ القاعدة الثالثة : (اليقين لا يزال بالشك) قاعدة كبيرة تذهب الوسواس الذي يصيب كثيراً من الناس في مسألة الوضوء والصلاة ،وهي تعني أن اليقين الذي تأكدنا منه لا يزال بمحض شك وهاجس ورد عند الإنسان وهذا من الآداب النفسية القوية التي ينبغي للمسلم أن يتخلق بها.
■ القاعدة الرابعة: (العادة محكمة) ؛ يقول تعالى : {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] المسلم لا ينفصل عن كونه، ولا ينفصل عن مجتمعه ؛ فعرف الناس معتبر والفقيه دائماً يضع عينيه علي عرف الناس حتي لا يقول كلاماً خارجاً عن العرف يعكر المصلحة ويقضي علي تعاملات الناس وهناك حديث عن ابن مسعود رضى الله عنه : (ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن).
■ القاعدة الخامسة: (المشقة تجلب التيسير) يقول تعالي {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } [الشرح: 6] ويقول تعالى : {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } [الحج: 78] دائماً المشقة تجلب التيسير، فإذا كان هناك صيام وسفر فإن هناك رخصة بالإفطار ، وإذا كان هناك تكليف دائم مثل الوضوء فهناك جواز المسح علي الخفين وهكذا ، فشريعة الإسلام مبنية على التيسير.