مسرح بيتر بروك
تعرفنا على المخرج المسرحى الإنجليزى العظيم بيتر بروك من خلال الناقد الكبير الراحل فاروق عبدالقادر، الذى ترجم له كتابين مهمين، الأول هو «المساحة الفارغة» الذى صدر عن دار الهلال سنة ١٩٨٦، والثانى «النقطة المتحولة» الصادر عن عالم المعرفة سنة ١٩٩١.
سطر واحد من الكتاب الأول يوضح فلسفة الرجل الذى رحل مطلع الشهر الماضى عن سبعة وتسعين عامًا، قال فيه: «يمكننى أن آخذ أى مساحة فارغة وأطلق عليها اسم خشبة، يمشى شخص ما فى تلك المساحة الفارغة. بينما يشاهده شخص آخر، وهذا يكفى لبدء الفعل المسرحى»، فى مقدمة الكتاب الثانى كتب عبدالقادر: «انطلق بروك من البديهة البسيطة، وهى أن المسرح يجب أن يكون مسرحًا، بمعنى أن يقدم مسرحية لا محاضرة أو قصة أو حشدًا من الأفكار أو منشورًا دعائيًا، وحين اعتمد هذه الحقيقة لم يعد يحمل تقديسًا زائفًا لنص بعينه أو تراث بعينه، وكان هذا يعنى طرح الأسئلة الأساس مثل، لماذا المسرح على الإطلاق؟ ما هدفه؟ هل هو مفارقة تاريخية؟ هل هو أثر بال متخلف يجب أن يحال إلى الاستيداع؟ هل لخشبة المسرح مكان حقيقى فى حياتنا؟ أى وظيفة يمكن أن يؤديها المسرح؟ وماذا يمكنها أن تكتشف؟ ما خصائصها وما سماتها العامة؟»، أخرج أول مسرحية له وهو فى السابعة عشر من عمره، كان يحلم بالسينما، فى العشرين تخرج فى جامعة أكسفورد، واحترف العمل المسرحى، بعد عامين، أصبح محل اهتمام عشاق المسرح فى بريطانيا، خصوصًا فى ستراتفورد مسقط رأس شكسبير.
فى الثلاثين من عمره توالت نجاحاته فى مسارح برودواى، كان مهتمًا بالمسرح الطليعى وأخرج مسرحيات لجان كوكتو، وجان بول سارتر، وجان أنوى، وآرثر ميلر، وجان جانيه، وبيتر فايس، لكنه فى الوقت نفسه لم يتوقف عن اهتمامه الشديد بمسرح وليام شكسبير، لأنه كان يراه ملهمًا ومنبعًا متجددًا للأفكار، قال فى حديث لـ«فرانس بريس» إن «الأمر الوحيد الذى كان يهمنى طوال حياتى، والذى أعمل من أجله فى مجال المسرح، هو ما يعيش مباشرة فى الحاضر»، عشقه للسينما ظل يعيش معه، فقد كانت مع الأوبرا ضمن إنتاجه الفنى، أخرج سنة ١٩٥٣ فيلمًا عن الملك لير لشكسبير، قام ببطولته أورسون ويلز، وفى عام ١٩٦٠ أخرج فيلمًا عن رواية «موديراتو كانتابيل» للفرنسية مارجريت دورا، قام ببطولته جان بول بولموندو وجان مورو، وفى عام ١٩٦٧ أخرج فيلمًا عن مسرحية «مارا صاد» لبيتر فايس، ومن الحكايات التى لا يعرفها كثيرون والتى قرأت عنها مؤخرًا، أن مشروعًا بينه وبين مخرجنا الكبير شادى عبدالسلام لم يتم، نشرت جريدة «الأهرام» فى الرابع من يوليو سنة ١٩٧٦ «أن شادى عبدالسلام سيطير مع عبدالله غيث وشفيق نورالدين إلى باريس بدعوة من المخرج العالمى بيتر بروك، ليجرى اختبار تصوير له تمهيدًا لاشتراكه كممثل فى فيلم (لقاء مع رجال مهمين) الذى يبدأ إنتاجه فى أكتوبر ٧٦ بين فرنسا ومصر ويوغوسلافيا ودولة آسيوية لم يتفق عليها بعد، كان بروك قد اختار من مصر عبدالله غيث وشفيق نورالدين ليمثلا فى الفيلم الذى يلعب بطولته وجه جديد من يوغوسلافيا عمره ٢٤ سنة، أيضًا سيتفق شادى فى باريس على الخطوات النهائية لإعداد أول فيلم مصرى فرنسى مشترك وهو (أخناتون) الذى كان سعدالدين وهبة قد بحث تفاصيله أثناء زيارته الأخيرة لباريس الشهر الماضى ضمن الاتفاقية الثقافية الجديدة بين البلدين».
كثيرون اعتبروا مسرحيته المذهلة «إيه ميدسامر نايتس دريم» عام ١٩٧٠ هى نقطة التحول العظيمة فى مسيرته، وهى التى دفعت الممثلة هيلين ميرين إلى التخلى عن مسيرتها الجماهيرية المبكرة للانضمام إلى فرقته الوليدة فى باريس، «كان قد اشترى مسرح البوف دى نورد فى شمال باريس، حيث أسس المركز الدولى للبحوث المسرحية»، اهتم بالثقافات الإفريقية والفارسية والآسيوية، وقدم أعمالًا تجريبية بشروط هذه الثقافات وليس بشروطه، وكان يقول: «لم أؤمن يومًا بوجود حقيقة واحدة مفردة، لا حقيقتى أنا ولا حقائق الآخرين، وإننى أعتقد أن كل المدارس والنظريات يمكن أن تكون مجدية فى مكان ما وزمان بعينه، لكننى اكتشفت أيضًا أن الإنسان لا يمكن أن يعيش من دون توحد حار ومطلق بوجهة من وجهات النظر، ثم يمضى الزمن فنتغير نحن ويتغير العالم، ومن ثم تتبدل الأهداف وتتحول وجهات النظر».