بدأها توفيق الحكيم.. كواليس معركة فيلكس فارس وإسماعيل أدهم الأدبية
بلغت المعارك الأدبية والثقافية ذروتها في ستينيات القرن الماضي، وكثير من هذه المعارك رسخ في الأذهان، وكثير منها انتهت حياته في المقالات والكتب ولم يتم تجديده، ومن ضمن هذه المعارك كانت هناك معركة بين الأديب والكاتب اللبناني فيلكس فارس والكاتب المصري إسماعيل أدهم، وهي من أضخم المعارك التي دارت حول الثقافة العربية وهل هي شرقية أم غربية؟ بدأها توفيق الحكيم بمقال في الأهرام عنوانه "هل يوجد اليوم شرق؟" ورد عليه فيلكس فارس بما كان قد أورده من قبل في مناظرة مع إسماعيل أدهم أحمد.
وترجع بداية المعركة بين فيلكس وأدهم لسنة 1938، واتسع نطاقها وشمل كل ما يتصل بفنون الثقافة والعلم والموسيقى وظهر الاختلاف واضحا بين مفاهيم الكاتبين، أحدهما مسيحي عربي يؤمن بثقافة العرب ويدافع عن كيان الأمة العربية أن تنمحي في الصورة الغربية، والآخر مصري تركي مسلم يؤمن بمفاهيم الغرب وآراء المستشرقين المتعصبين في العرب وفي عقلنا وتراثنا ويزدري كل مقدراتنا ويحتقر مقومات تفكيرنا، بينما يقف فيلكس فارس موقف الإيمان البصير بتراثنا وكياننا العربي ومدافعا عن هذا التراث بحرارة قوامها العلم والرأي النقي المتسامح غير المتعصب.
وتعد هذه المناظرة خلاصة النظريتين اللتين تصارعتا في عالمنا العربي خلال هذه الفترة، والتي بدأها توفيق الحكيم بمقال في الأهرام يوم 13 مايو 1938 بعنوان "وهل يوجد اليوم شرق؟ فقال: "إذا لم يكن لنا قدرة على خلق حضارة شرقية فلنفعل ما فعلت تركيا وننخرط بكل بساطة في سلك الأمم الأوروبية".
بينما رد عليه فيلكس فارس في مقال بمجلة "الرسالة" 6 يونيه 1938: إن الأستاذ توفيق الحكيم لا يجهل أننا إذا عجزنا عن خلق الحضارة الشرقية وعن إحيائها بتعبير أصح، فإن انخراطنا في سلك الأمم الأوروبية لا يوصلنا إلى الهدف الذي تتجه إليه الأمة التركية ولما تصل إليه، فإن بين الفطرة التركية والفطرة العربية من الفروق ما لا يصح معه أن يتخذ العرب الترك قدوة لذلك لا أحسبني مخطئا إذا ذهبت إلى أن الأستاذ الحكيم لم يخير العرب بين حضارتين إلا ليثبت لهم أن في أعماق قلوبهم شرقا لا حياة لهم إلا بالاتجاه إليه واستجلائه وراء ظلمات الأحقاب.
وذكر أنه كان قد ناظر إسماعيل أدهم حول موضوع "أمن الخير لمصر أن تأخذ الحضارة العربية؟" وهذا هو تفصيل رأيه:
أولا: "التفريق بين الثقافة والعلم" إن العلم مشاع لكل الأمم ولكل الأفراد فهم يتفقون فيه على ما بينهم من اختلاف بعيد في نظرات الحياة، وفي حين أن الثقافة مستقرة في الشعور فهي "دماع في قلب" لا قانون لها لأنها راسخة في الفطرة، والفطرة في الفرد، كما هي في الأمم ميزة خاصة في الذوق، واستعداد خاص لفهم الحياة والتمتع بها، فإذا كان العقل رائدا لبلوغ الحاجة فليست الفطرة إلا القوة الممتعة للإنسان بتلك الحاجة بعد الظفر بها،.
وكما أن لكل فرد ثقافته التي تتجلى فطرته فيها، هكذا لكل أمة ثقافتها المستقرة في فطرتها، فلا ريب إذًا في أن سعادة الفرد والمجموع وشقاء كل منهما يتوقفان على ملاءمة الحياة أو عدم ملاءمتها لما فطرا عليه، وسواء أكان المرء مخيرًا أم مسيرا في إرادته وأعماله فإنه على الحالين غير مخير في ذوقه في الحياة وفي لذته وألمه منها، فكل فرد خالفت طريقة حياته ما استقر من الحوافز في فطرته يفقد الشعور التام بتلك الحياة ويتعرض للسقوط في المعترك، وهكذا الأمم إذا خدعت نفسها وسارت في حياتها على ما يؤلم فطرتها فإنها تفقد قوة الارتقاء بذاتها فتميت شخصيتها دون أن تتدفق إلى الانبعاث في شخصية تستعيرها من سواها.