صور «جيمس ويب» تطرح تساؤلات بشأن قياس علماء الفلك لزمن الكون
مازالت أعمق صور للكون والتي التقطها تليسكون جيمس ويب، تثير الجدل والنقاش، ما بين مصدق ومعتقد بأنها صور “مفبركة” زائفة، وإن كانت أسئلة من نوعية، من أين جئنا، ومتي نشأ الكون وموقع الإنسان وكوكبه الأرض منه، أسئلة ملغزة ومحيرة طرحها الإنسان منذ فجر التاريخ، بل منذ أن رفع وجهه يتطلع إلى السماء.
وفي كتابه “مولد الزمان .. كيف قاس العلماء عمر الكون؟”، بترجمة دكتور مصطفي إبراهيم فهمي والصادر عن مشروع مكتبة الإسرة، يذهب مؤلفه جون جريبن، إلى أنه: “قبل عشرينيات القرن العشرين، لم يكن أحد يعرف كيف تعمل النجوم، وكانت هناك فكرة مازالت باقية تتلكأ، تقول بأن الشمس ربما تولد الحرارة بالانكماش، وذلك على الرغم من مشكلة قياس الزمان، وعلى الرغم من وجود أدلة من دراسات النشاط الإشعاعي على أن نوى الذرات تحوي مستودعا للطاقة لم يكن معروفا لـ ”كلفن" وسابقيه.
وكان هذا ببساطة لأنه لم يكن هناك أحد قد خرج بعد بتفسير عن كيف أن الطاقة النووية يمكن أن تنطلق باطراد في الداخل من النجوم، أما الشخص الذي أشار علي الفلكيين بالطريق الصحيح، وابتكر علم الفيزياء الفلكية فهو “آرثر إدنجتون” عالم الفلك والفيزيائي البريطاني. أما إنجازه الباقي فهو تطبيقه لقوانين الفيزياء علي الظروف التي تعمل مفعولها داخل النجوم، مفسرا مظهرها العام بلغة من القوانين المعروفة التي تبين العلاقة بين الحرارة، الضغط، والكثافة وما إلي ذلك في داخل النجوم.
الشمس مستودع من الحرارة يكفي لـ 15 بليون سنة
استغرق “آرثر إدنجتون” استنباط كل التفاصيل زمنا من عقود من السنين، إلا أن إدنجتون أعلن ارائه بوضوح في هذا الموضوع في حديث ألقاه عام 1920، خلال الاجتماع السنوي للجمعية البريطانية لتقدم العلم، الذي عقد في ذلك العام في كارديف، قال “آرثر إدنجتون”: فلنتبين أي وضع تركنا فيه النجم يعتمد علي مستودع هائل للطاقة بوسائل غير معروفة لنا. وهذا المستودع لا يمكن أن يكون إلا الطاقة الذرية، والتي كما هو معروف، توجد بوفرة في كل المادة، ونحن نحلم أحيانا أن الإنسان سوف يتعلم يوما كيف يطلق هذه الطاقة ويستعملها لخدمته. وهذا مستودع لا يكاد ينفد، لو أمكننا فحسب أن نجعله في متناولنا. وهناك في الشمس من الطاقة ما يكفي للإبقاء علي نتاجها من الحرارة لخمسة بليون عام.
ويوضح مؤلف كتاب “مولد الزمان” جون جريبن: النجم كالشمس يسلك حقا، بطرائق كثيرة مثل كرة من الغاز، ويخضع لنفس القوانين التي تنطبق علي الهواء الذي نتنفسه. ويصدق هذا حتي وإن كانت الكثافة عند قلب الشمس تصل إلي عدة أمثال لكثافة الرصاص ــ إلا أن متوسط كثافة الشمس هو فحسب ومثل نصف لكثافة الماء.
والسبب في أن المادة وهي بهذا القدر المتطرف من الكثافة تسلك كغاز هو أن الحرارة بالغة الارتفاع بحيث تنتزع الالكترونات عن الذرات تاركة وراءها نوي عارية، وسنجد في الهواء الذي نتنفسه، أن الذرات الفردية أو الجزيئات تحلق فيما حولها في فراغ خاوي، مرتدة إحداها عن الأخري وهي تفعل ذلك.
ونوى الذرات أصغر كثيرا من الذرات بحيث أنها وهي داخل الشمس يمكنها أن تحلق حرة فيما حولها، مرتدة إحداها عن الأخري وهي تئز خلال الفراغ ما بين النوي، حتي وهي عند تلك الكثافات المرتفعة (كما تئز الإلكترونات المنتزعة فيما حولها بين النوي، ليكونا معا ما يسمي بالبلازما).
دعنا نتذكر أن حجم النواة بالنسبة لحجم الذرة يماثل حجم حبة رمل في قاعة حفلات موسيقية، ويمكن أن نضع الكثير من حبات الرمل، في قاعة موسيقي بدون أن تلمس إحداها الأخرى.
ويتابع “جربين” أدرك إدنجتون أن ما يمكن أن يحدث لكرة غاز في الفضاء هو فقط ثلاثة أمور. عندما تتقلص كرة الغاز هذه بفعل وزنها فإنها ستسخن في منتصفها، لأن الطاقة الجذبوية التي يطلقها الانكماش تجعل الذرات والجزيئات والغاز تتحرك حركة أسرع ــ وذلك كما كما فسر الأمر بالضبط كلفن وهلمهولتز ــ وإذا كانت كرة الغاز صغيرة نسبيا فإنها لا تصبح ساخنة جدا، ولا تنتزع الإلكترونات عن الذرات، وترسو كرة الغاز في وضع مستقر، مدعومة بضقط الذرات التي ترتد إحداها عن الأخري، ولكنها لا تشع أي طاقة تخرج للفضاء، ــ فيما يشبه كوكب المشتري ــ وإذا كانت كرة الغاز كبيرة جدا، تكون الحرارة المتولدة عن تقلصها جد هائلة حتي أنها تجعل مركز النجوم بالغ السخونة بحيث أن الإشعاع الذي ينطلق يفجر الطبقات الخارجية من الغاز بعيدا في انفجار ضخم واحدو علي أنه سيحدث عند نقطة ما في منتصف مدي الأحجام، عند مدي محدود نوعا في المنتصف ــ أن تصبح كرة الغاز ساخنة في منتصفها بما يكفي لأن تنتزع الإلكترونات عن نوى الذرات لتتفاعل النوى إحداها مع الأخرى، بما يطلق طاقة كافية لأن يسطع النجم، ولكنها ليست طاقة كبيرة بما يفجره بددا، بل إن "إدنجتون" حتى وهو لا يعرف بالضبط كيف تحافظ النجوم علي ناتجها من الطاقة، استطاع أن يستخدم القوانين الأساسية لتخبرنا بمقدار الحرارة التي تصل لها كرة الغاز عندما تتقلص بتأثير وزنها وأن يحسب أن النجم لا يستطيع أن يأخذ في التوهج إلا إذا كانت كتلته تصل إلي حوالي عشر كتلة شمسنا، وأنه لا يمكن أن يبقي نفسه متماسكا إزاء عصفة الطاقة للخارج إذا كان وزنه يزيد كثيرا عن مائة مثل لكتلة شمسنا.
13 بليون عام عمر الكون
يخلص جون جريبن، إلي أنه وفي العام 1999 ظهرت أدلة عديدة جديدة تؤكد معا أن عمر الكون يزيد قليلا عن ثلاثة عشرة بليون عام، ولكنها أدلة تعطي منظورا يختلف فقط اختلافا هينا بالنسبة للصورة الكبيرة لعلم الكونيات. وكانت القصة التي نالت أكبر اهتمام في وسائل الإعلام هي الأدلة التي أكتشفت من دراسات السوبر نوفات البعيدة جدا، والتي تطرح أن تمدد الكون يتسارع بالفعل، ولا يتباطأ، مع زيادة عمر الكون. ويمكن التعبير عن هذه الظاهرة رياضيا بلغة من ثابت أينشتاين، أما بلغة الفيزياء فيكون في الإمكان فهمها بلغة من طاقة الفراغ (energy of the vacuum)، وهي طاقة يحوزها الفضاء الخاوي. وأحد تأثيرات هذه الطاقة أنها تجعل الفضاء مرنا، حتي ليتمدد.