حسن مدن : "ترميم الذاكرة" كتبت تحت ضغط الشعور بالحنين
حسن مدن: الافتتان بالرواية لا يعني أن زمن الشعر انتهى (حوار)
الكاتب والمفكر البحريني حسن مدن واحد من أهم وأبرز المفكرين العرب الذين اختاروا أن يكونوا بالقرب من الشارع العربي راهنه وماضيه يشير إلى مدى اشتباكه وتتبعه لحركة التغييرات الثقافية والسياسية والاجتماعية بالمنطقة العربية، وعبر كتاباته المتعددة سواء الأكاديمية أو الصحفية فهو يكشف عن واقع الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية في المنطقة العربية، ويقدم رؤيته حول حالة العزلة التي فرضها الاستعمار الإنجليزي على منطقة الخليج العربي، ويكشف حالة الاشتباك مبكرا بأ فكار القومية العربية، و لا يخفي تأثره بأفكار اليسار ، ويرى أن المثقف يجب أن يكون في مسافة مع السياسية والثقافية والدينية كل هذا تجده في الحوار التالي مع المفكر والأكاديمي حسن مدن.
حدثنا عن بدايات تكوّن الاتجاهات الفكرية في الثقافة في البحرين ومنطقة الخليج عامة؟
قدمت كتاب مؤخرا تحت عنوان "حداثة ظهرها إلى الجدار" أناقش فيه فيه التحولات الثقافية في الخليج والجزيرة العربية عامة ، وفيما يتصل بمرحلة النصف الثاني من القرن العشرين أخذت "البحرين" أنموذجاً للدراسة، وصنفت المثقفين فيها إلى ثلاثة أجيال، ذلك رغم قصر الفترة التاريخية التي يجري الحديث حولها لكنها شهدت تحولات في ميول واتجاهات للمثقفين.
وضفت الجيل الأول بالجيل الإصلاحي ذي النزوع الإسلامي، والذي لم يكن بعيدا عن المناخ السائد في المنطقة العربية، والذي كانت مجلة "المنار" المصرية أحد أهم منابره. هذا الجيل يرى أن هناك حاجة إلى التجديد والتغيير، ولكن من المنطلقات الإسلامية نفسها، والإسلام نفسه قادر على أن يحمل المنطلقات والأفكار الضرورية للتجديد والتحديث، وكان هذا الجيل يرى أن البحرين ليس منفصلة عن العالم العربي، ولذلك تأثر هذا الجيل بما كان ينشر بالصحافة خاصة في بلدان المركز " مصر"، "سوريا"، "لبنان".
أما الجيل الثاني فقد أسميته "الجيل القومي ذا النزوع العروبي"، وهو وثيق الصلة بنهضة الفكر القومي في العالم العربي، خاصة مع مجيء الحكم الناصري ونظراء هذا النوع من الحكم في سوريا والعراق وغيرها من بلدان المركز، وركزّ هذا الجيل على الفكرة القومية العربية ، منطلقاً من أهمية الوحدة العربية في مواجهة التحديات الخارجية ممثلة في الاستعمار البريطاني الذي كان يحكم القيضة على منطقة الخليج.
أما الجيل الثالث فهو الجيل الثوري ذو النزوع اليساري، وهذا تجلى بشكل واضح في البحرين مع المثقفين المتأثرين بالأفكار الماركسية واليسارية بشكل عام، يمكن اعتبار تأسيس أسرة الأدباء التي هي بمثابة اتحاد الكتاب في البلدان العربية الأخرى، علامة من علامات هذا الجيل، الذي كان لظهوره علاقة بالتحولات الاجتماعية التي حدث في المنطقة، ومنها نشوء صناعة النفط ، وتكوّن طبقة عاملة حديثة بالقياس إلى ماكان عليه أوضاع الطبقة الكادحة قبل ذلك التي تعمل بالزراعة وصيد اللؤلؤ، ما يعني نشوء طبقة اجتماعية أقرب إلى الحداثة والجديد والتقدم.
كان لديك ثمة اعتراض على مفهوم ثقافة النفط "البترودولار"؟
ليس لدي أي اعتراض على هذا أبداً، لكن كنت أناقش فكرة الناقد الراحل الدكتور جابر عصفور حول العلاقة بين الحداثة والتحديث عبر المقال الذي حمل عنوان "إسلام النفط " وقد أشرت إلى ان النموذج الإسلامي الذي يدور عنه الحديث لم ينشأ مع ظهور النفط، بل نشأ قبل ذلك بكثير، فعندما نتحدث مثلا عن الحركة الوهابية بوصفها نسخة من الإسلام الذي ساد في المنطقة آنذاك فإنها ظهرت قبل النفط بكثير، أما ثقافة إسلام النفط التي نشير إليها فتدور حول نمط من الثقافة المحافظة التي أتت من بعض بلدان الخليج إلى مصر وسواها من البلدان العربية، النفط ظاهرة ليست ظاهرة خليجية فقط، فكما هو موجود في الخليج فإنه موجود في بعض بلدان المغرب كالجزائر وليبيا وكذاك في العراق، وبالتالي فإن اعتبار أن ثقافة النفط مقترنة بالخليج وحده غير دقيقة، كون النفط أشمل من ذلك وآثارها ليست فقط على دول الخليج ، وفكرة التأثر بالأفكار المحافظة الآتية من الخليج صحيح، ولكن هذا سبب ضمن أسباب عديدة أدت الى التراجع في مختلف بلدان الوطن العربي.
أشرت إلى أن الاستعمار البريطاني كان سببا رئيسا في عزلة بلدان الخليج العربي عن المنطقة العربية
هذا صحيح، وهذا موضوع إشكالي بمعنى هل لعب الاستعمار دوراً إيجابياً في تاريخ هذه المنطقة؟ هناك من يقول لولا الاستعمار ما كان تحقق انفتاحنا على الخارج ، وهناك رأي آخر يحمل الاستعمار مسؤولية ما عانت منه المنطقة من تخلف، والحقيقة أن الإنجليز فرضوا عزلة هذه المنطقة عن محيطها العربي، حتى ان الدوريات الثقافية التي كانت تصدر في مصر، كان المتنورون الأوائل من أبناء الخليج يحصلون عليها عبر الهند ، حيث لم تكن تصل بلدانهم بشكل مباشر، ولهذا خصصت في كتابي "اثة ظهرها إلى الجدار" دور الهند كناقل للثقافة الحديثة إلى بلداننا، واعني بالثقافة الحديثة " الثقافة العربية" التي تأتي من دول المركز.
هل كتبت "ترميم الذاكرة " استعادة الحنين للوطن؟
فكرة كتاب "ترميم الذاكرة " قائمة على سؤال كيف نرى الوطن بعد طول غياب ؟ فقد كنت بعيدا عن البحرين نحو ثلاثة عقود، خرجت من البحرين شابا وعدت كهلا. خرجت من البحرين شابا دون ال 20 من عمري وعدت في ال45 من عمري ، وبعد هذه الغيبة الطويلة كانت مناسبة لاستعادة الصور، والوطن كما كان ، والمحطات الطويلة التي مررت بها سنوات الغربة.
عادة ما تكتب السيرة في وقت متأخر من العمر، ولكن ماحدث أنني كتبت "ترميم الذاكرة" تحت الضغط الشعور بالحنين إلى زمن ماضٍ لم أعثر على الكثير من معالمه حين عدت إلى الوطن، وقد صنّف الناشر الكتاب بالسيرة في طبعته الأولي، وفي الطبعة الثانية من الكتاب تدخلت في هذا التوصيف ليصبح "ما يشبه السيرة " إشارة إلى أن هناك الكثير الذي لم يكتب بعد.
المستوى الثقافي والفكري في البحرين هل ثمة تغييرات جذرية حدثت؟
في "ترميم الذاكرة" كنت معنياً أكثر بسيرة المكان حيث اختلفت صورة البحرين كثيرا في عيني بعد العودة وكان ذلك بمثابة صدمة لي، كأنني رأيت مكاناً آخر غير الذي كنت أعرفه من قبل.
أما عن التغييرات الثقافية والفكرية فانا كنت موجود في منطقة الخليج خاصة ال10 سنوات السابقة لعودتي للبحرين، حيث عشت وعملت واتخرطت في حياتها الثقافية، لذلك لم أكن بعيداً عن تحولات المشهد الثقافي في المنطقة كلها، بما فيها البحرين.
هل التغييرات كانت إيجابية؟
لا يصح اختصار الأمر هكذا، فثمة وجوه سلبية وأخرى ايجابية. أنا انتمي لجيل شغوف بالحداثة والأفكار الجديدة ، وفي السنوات الأخيرة نحن إزاء ما شهده العالم العربي من عودة إلى المحافظة والحذر تجاه كل ما هو جديد من الأفكار، وهذا أمر ليس مقتصراً على البحرين وحدها، فهو يشمل المنطقة بشكل عام .
بصفتك الناقد والمتابع للمشهد الإبداعي هل ترى أن ما يجري في المشهد الثقافي العربي يأخذنا إلى تسييد جنس الرواية على باق الأجناس الإبداعية الأخرى؟
غالبا الجوائز التي تمنح من قبل عدد من المؤسسات الثقافية كجائزة سلطان العويس وجائزة الشيخ زايد وغيرها ليست فقط محصورة بالرواية، فهي تمنح أيضاً للشعر والترجمة والدراسات النقدية وغيرها من المجالات.
موضوع الرواية منفصل عن الحديث عن الجوائز، حيث يدور الحديث عن صعود جنس الرواية على حساب الشعر، لكني أرى أن زمن الشعر لم ينتهِ، والافتتان بالرواية لايعني بالضرورة ان كل ما ينتج من أعمال روائية هي جيدة، علينا أن نتحرى الدقة لأن هناك أعمالاً شعرية وقصصية مهمة جداً ما زالت تصدر.
كيف ترى المسافة بين المثقف والسلطة وهل مازال المثقف العربي يلعب دور الوسيط بين المثقف والسلطة في بلداننا أم تم تهميش دوره؟
بما أننا في ملتقى متعلق بـ"جابر عصفور الإنجاز والتنوير"، وبصدد مناقشة وعلاقة المثقف بالسلطة، فيمكن أتخاذ الناقد الراحل جابر أنموذجاً، هو يذكرنا بصورة من الصور بطه حسين الذي كان وزيرا للتعليم في زمنه، فالمثقف الذي يحافظ على استقلاليته، يستطيع أن يلعب دورأً خارج الإطار الوظيفي ويكون في نفس الوقت عاملا في مؤسسات الدولة، ويوظف موقعه هذا في خدمة الثقافة.
وما قدمه جابر عصفور وطه حسين عبر موقعه في السلطة يشير إلى ان المثقف يستطيع أن يلعب دورا ايجابياً من هذا الموقع إن توفرت فيه بعض الشروط، فطه حسين وجابر عصفور كانا قامتين ثقافيتن هامتين أدركا هذه الأهمية وتعاملا مع هذا الأمر بمرونة . وليس كل من يتعامل من المثقفين مع السلطة وأجهز تها بكفاءة ووعي وبعد نظر يصبح طه حسين وجابر عصفور .المثقف هو ضمير ورؤية ، لذلك قد تتطابق رؤيته مع ما تذهب إليه السلطة، أي سلطة سواء سياسية أو دينية ، وعليه لا يمكن ان يكون بوقا لأي من هذه السلطات، وإنما يكون منسجماً مع رؤيته الفكرية والثقافية المستقلة والمنحازة لقيم الثقافة في المقام الأول.