على جمعة: «لا إله إلا الله» هى حقيقة وجودنا فى العالمين
قال الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية السابق، وشيخ الطريقة الصديقية الشاذلية، إن لا إله إلا الله "كلمة سواء بيننا وبين العالمين ينبهنا الله سبحانه وتعالى إلى مبناها ويأمرنا بمعناها ويكرر علينا المرة تلو الأخرى ويبين لنا أن هذه الكلمة هي حقيقة وجودنا في العالمين، يقول تعالى ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ ومَا فِي الأَرْضِ وإن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ ويُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ واللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ آية تُلَخِّص طريق المسلم في حياته وهو في جميع أوضاعه وأحوله بكلمات يسيرات لما صدرت عن ربنا سبحانه وتعالى في هذه البلاغة العالية كانت دستوراً للمسلمين ومنهاجاً للعابدين وطريقاً للسالكين وبياناً للمتقين أن تعلن في نفسك أن الله سبحانه وتعالى يملك .. يخلق .. يرزق .. يحيي ويميت .. يُوجد .. يفني .. ما في السموات وما في الأرض ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ ومَا فِي الأَرْضِ﴾ آية بليغة ويصوغها ربنا سبحانه وتعالى بصيغة القصر فيقدم الجار والمجرور لم يقل ما في السموات وما في الأرض هو لله بل قال ﴿ لِلَّهِ ﴾ أي لله فقط, عادة العرب أنها إذا قدمت الظرف أي الجار دل ذلك على مزيد الاختصاص فكأنه وبعبارة بليغة قال لله فقط, وكلمة فقط أتينا بها من هذا الأسلوب البليغ ﴿ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ ﴾ ويعبر سبحانه وتعالى بلفظة "ما" لأن كل شيء من إنس وجن وحيوان ونبات وجماد من الأكوان كلها ومن المخلوقات كلها هي لله ؛ فلا يكون في ملكه إلا ما أراد ﴿ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ ﴾ فدخل في (ما): العقلاء وغير العقلاء، والأحياء والأموات ، والمتحركون والساكنون، والعالمون والجاهلون.
وأوضح "جمعة" عبر صفحته الرسمية قائلا: ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ ومَا فِي الأَرْضِ﴾ جمع السماوات لعظمها فكل سماء كما أخبر به رسول الله ﷺ كحلقة في فلاة بالنسبة للسماء التي فوقها إلي سبع سماوات في السماء، سبحانه وتعالى يعدد لنا شأن السماء التي يعجز الإنسان حينما ينظر إليها ويعلم مكانه من الكون، فهذه الأرض التي نعيش فيها كحبة رمل أو هي أصغر فيتضاءل الإنسان حينما يعلم أن كل ذلك إنما هو لله، وهذه الآية كانت تغني عن إثبات الملك لله لأنها قد جعلت كل ما في السموات والأرض هو لله ولكنه قال ﴿ولِلَّهِ مُلْكُ السَّمَواتِ والأَرْضِ ومَا بَيْنَهُمَا﴾ فعندما يقول مرة أنه له سبحانه وتعالى ما في السماوات ويذكر مرة أن له ملك السماوات، حتى لا يأتي أحد الجاهلين ويظن أن الظرف خارج عن ملك الله فهو يقول﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ﴾ ما في السموات والأرض لكن في هذه المرة يجعل السماء كلها بطباقها ، والأرض كلها بأحوالها؛ وهي الظرف الذي يحيط والذي يشتمل على ما في السموات وما في الأرض يجعل الظرف أيضاً لله، فانظر إلي أن كل كلمة في القرآن لها معنى؛ وأن هذا المعنى يكمل المعاني الأخرى، وأن بهذا الإكمال يتصور المسلم حق ربه جل وعلا فيخاف ويعلم كيف يستفيد من تلك المعرفة في الطريق إليه وتعلم الأدب معه سبحانه وتعالى ﴿و َلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾، ﴿ولِلَّهِ مُلْكُ السَّمَواتِ والأَرْضِ ومَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾ ويتساءل مرة أخري ينبه على طريق واسطته المصطفي ﷺ ينبه العالمين ويحيي قلوب العابدين الذاكرين ويقول ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فما الذي نستفيده من أن السموات والأرض ملك لله, وأن الأرض ملك لله، وأن ما في السموات وما في الأرض هو لله، وأن ما بينهما ملك لله؟ ألَّا تخاف غيره، أول ما نستفيد أن تخرج السوى –كل ما سوى الله تعالى- من قلبك ؛ فلا تلتفت إلا إلى الله لأن له ملك السماوات والأرض وما فيهن، فما الذي تخاف من دون الله؟ ومن الذي تخافه من دون الله ؟ ولِمَ تخاف من دون الله؟.