والده أحمد تيمور صاحب موسوعة الأمثال الشعبية
هكذا تأثر محمود تيمور بمكتبة والده وعالم شخصيات أسرته في كتابة القصة
محمود تيمور باشا، والذي تحل اليوم ذكرى ميلاده، يعد مؤسس فن القصة القصيرة في الأدب العربي. ينتمي محمود تيمور إلى عائلة مصرية عريقة في الثقافة والأدب والمعروفة باسم العائلة “التيمورية”. فوالده أحمد تيمور باشا العلامة المحقق، وشقيقته عائشة التيمورية، والتي كانت شاعرة ومن أعلام عصرها، وشقيقه محمد تيمور أحد أهم رواد المسرح الحديث.
لعبت العائلة التيمورية دورا هاما في خدمة الثقافة العربية، ويبدأ مؤرخوا العائلة التيمورية دائما من عميدها إسماعيل تيمور باشا، الذي كان رئيسا للديوان الخديوي في عهد الخديوي إسماعيل.
ويذكر الروائي خيري شلبي أن مركز هذه العائلة وقربها من الديوان الخديوي، سهل ودفع العائلة إلى إرسال أبناءها إلى فرنسا وأوروبا بشكل عام لتحصيل العلم والثقافة والمعرفة، وإن كان هذا لم يؤثر في منهج الجد إسماعيل تيمور ومن بعده أبناءه في الاعتزاز بالهوية الإسلامية وإن لم يكن ضد الثقافة الأجنبية، فلا بأس من تحصيل العلوم الأجنبية كرافد يثري علمهم العربي ويقويه.
ــ مكتبة والد محمود تيمور تفتح آفاقه للثقافة
ويلفت “شلبي” إلى أن محمود تيمور تأثر بوالده أحمد تيمور ونشاطه العلمي والثقافي، فقد درس العلوم الدينية والعقلية والأدبية، وتبحر في فقه اللغة العربية، وأسرار بديعها وبيانها، ناهيك عما كان يدور بينهم في درب سعادة ــ حيث مسكن الأسرة ــ من مساجلات وندوات وأمسيات شعرية يحضرها أعلام ذلك الزمان. حيث وضع تصانيف مثل: “ضبط الأعلام”، “لعب العرب”، “رسالة في تاريخ الأسرة التيمورية”، “الأمثال العامية”، “أوهام شعراء العرب في المعاني” وغيرها.
كان والد محمود تيمور ينفق ببذخ على اقتناء المخطوطات النادرة، يستقدمها من مختلفة أنحاء العالم، فأصبحت مكتبته من أغنى المكتبات وأكملها، فأقام لها دارا خاصة في حي الزمالك، ثم أنفق الأموال الطائلة والجهود المضنية في فهرستها وتبويبها إلى أقسام وفنون، مقتفيا في ذلك أحدث أساليب الفهرسة بحيث يستطيع الباحث الوصول إلى بغيته في أقصر وقت ممكن. ولأنه مسكون بالفن لفد أضاف إلى مكتبته شيئا جديدا، ألا وهو تجليد كل كتب المكتبة بالجلود، إضافة إلى جمعه لصور مشاهير العالم الإسلامي الإصلاحي آنذاك كصلاح الدين الأيوبي، عبد القادر الجزائري، جمال الدين الأفغاني، محمد عبده، طاهر الجزاذري، حسن الطويل وغيرهم، أي أنه حفظ الآثار الفكرية والمعمارية والوجوه الإنسانية أيضا.
ــ يحيي حقي يلقي الضوء على تأثر محمود تيمور بشخصيات عالم أسرته
في هذه المكتبة الحافلة والأب الموسوعي الفنان نشأ محمود تيمور، يقول الكاتب الكبير يحيي حقي في دراسته “فجر القصة المصرية”: وقد أفاد محمود تيمور في أول إنتاجه أن أسرته الكريمة كانت تحيط نفسها دائما ــ جيلا بعد جيل ــ بطائفة غريبة من شواذ الناس، يبعثون علي الضحك منهم أو الرثاء لهم. ولما قرأت كتاب الأب العف اللسان المهذب الطبع واللفظ عن أعيان القرن الثاني عشر لم أدهش حين وجدته يترجم بتهكم معذب بعيد عن السخرية لأشخاص من هذا الطراز، كانوا يألفون منزله وصحبته. لقيت في منزل محمود تيمور رجلا ينشد وهو متربع علي الأرض باللغة الإنجليزية السيرة النبوية بلحنها الشرقي، ومهاجرا تركيا في ثياب الصدر الأعظم، كما عرفت عن هذا الطريق أيضا المرحوم علي طنجات، ولعله هو “أبو علي عامل أرتيست”.
و “أبو علي عامل أرتيست”، أو “أبو علي الفنان” كما تغير عنوانه في الطبعة الثانية هو عنوان لإحدي المجموعات القصصية الكثيرة لـ محمود تيمور. والواضح فعلا أن محمود تيمور قد تأثر بالجو المحيط به من الشخصيات المتنوعة المثيرة التي لا شك كانت أحد أسباب نمو الحاسة القصصية عنده، وعند شقيقه محمد إلا أنها قدمت تجلياتها عند محمد في الدراما المسرحية، بينما تجلت عند محمود تيمور في أدب القصة القصيرة.