«مستقبل وطن للدراسات» يستعرض التحديات العالمية المؤثرة على الاقتصاد المصرى
أعد مركز "مستقبل وطن للدراسات السياسية والاستراتيجية"، برئاسة النائب محمد الجارحي، الأمين العام المساعد، أمين شباب الجمهورية بالحزب، ورقة سياسات حول الاقتصاد المصري منذ بداية عام 2022، وحملت الورقة البحثية عنوان (الواقع والتحديات والمؤشرات والآفاق).
وقال مركز مستقبل وطن للدراسات: «يعاني العالم أجمع، منذ أكثر من عامين، من أوضاع وأزمات مالية واقتصادية غير معتادةٍ، أثرت على المؤشرات الاقتصادية في كافة دول العالم، ولم تكن مصر بمعزلٍ عن هذا الوضع، باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من هذا العالم؛ حيث تراجعت المؤشرات الاقتصادية؛ تأثرًا بموجة التضخم العالمية واختناقات سلاسل التوريد، كذلك تزايد حالة عدم اليقين والذعر من قِبل المستثمرين، ما أدى إلى تراجع وتخارج استثماراتهم من العديد من الدول الناشئة».
وأضاف: «لكن رغم هذا التأثر السلبي، لا يزال يمتلك الاقتصاد المصري المرونة والقدرة على التكيُّف بفضل حزمة الإصلاحات والقرارات التحفيزية، بما جعل المؤسسات الاقتصادية العالمية تحافظ على نظرتها المتفائلة للاقتصاد المصري، وترفع من توقعاتها للنمو الاقتصادي، على اعتبار أن الوضع الحالي هو وضع مؤقت مرتبط بالأوضاع الاقتصادية العالمية الراهنة، وعلى الرغم منها استطاع الاقتصاد المصري أن يحقق أعلى معدل نمو اقتصادي نصف سنوي منذ بداية الألفية بنسبة 9%، خلال النصف الأول من العام المالي 2021/2022، مدفوعًا بتحسُّن أداء كافة الأنشطة الاقتصادية، وعلى رأسها السياحة والنقل والصناعة والزراعة».
وتابع: «في ظل موجةُ التضخم العالمية والتوترات الجيوسياسية التي اجتاحت العالمَ، وأثرت على أداء عدد من القطاعات والأنشطة الاقتصادية؛ يركز هذا التقرير على واقع الاقتصاد المصري والتحديات الخارجية التي يعمل في إطارها، وروئ المؤسسات الاقتصادية الدولية له والآفاق المستقبلية للوضع الاقتصادي المصري في ضوء جهود التحفيز».
أولًا: التحديات والأوضاع الاقتصادية العالمية (البيئة الخارجية المؤثرة على الاقتصاد المصري):
يعاني الاقتصاد العالمي من أزمة متعددة الأسباب والأطراف، بداية من جائحة كورونا وارتفاع التضخم العالمي واضطراب في إمداد سلاسل التوريد وزيادة في تكلفة الشحن وزيادة الأسعار، بالإضافة إلى الحرب الروسية الأوكرانية، وما صاحبها من تداعيات أثرت على أسعار الغذاء والطاقة؛ نظرًا لما تمثله روسيا وأوكرانيا لسلاسل إمدادات الغذاء والطاقة، بجانب تعطل حركة الملاحة في موانئ البحر الأسود، بما جعل الاقتصاد العالمي أسيرًا لمخاطر عدة تلقي بتأثرها على الاقتصاد المصري، نذكر منها:
- حالة عدم اليقين والمزيد من الاضطرابات بالأسواق العالمية، وانخفاض ثقة المستثمرين، وهو ما صاحبه توقع تراجع معدل النمو الاقتصادي العالمي، فقد خفض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي في إبريل 2022 للمرة الثانية خلال 3 أشهر، إلى 3.6% في 2022 بتراجع 0.8%، مقارنةً بتوقعاته في يناير الماضي، كما خفض توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي في العام 2023؛ ليسجل أيضًا 3.6% بتراجع 0.2%، مقارنةً بتوقعاته في يناير الماضي.. وكان الصندوق يتوقع انتعاشًا للاقتصاد العالمي في الربع الثاني من هذا العام، إلا أن التوقعات تدهورت إلى حد كبير بسبب الحرب الروسية الأوكرانية في ظل أوضاع تشديد نقدي عالمي، في ظل معدلات تضخم مرتفع.
- حركة التجارة الدولية، حيث يعاني الاقتصاد العالمي من اختناق سلاسل الإمداد والتوريد، على خلفية ارتفاع أسعار السلع المتداولة، بجانب ارتفاع تكلفة وقود سفن الشحن البحري الذي يمثل 90% من طرق نقل التجارة الدولية، وتضاعف أسعار نوالين الشحن وتكاليف تأجير السفن، هذا إلى جانب صعوبة تسوية المعاملات التجارية مع روسيا التي تتصدر كبرى مصدري النفط والغاز والحبوب حول العالم.. وهو ما يؤثر على تكلفة الواردات المصرية، وكذلك ارتفاع تكاليف المواد الخام والسلع الوسيطة وبالتالي الصناعة المحلية.
وقالت الدراسة، إن الأثر الإيجابي لتلك الارتفاعات، حدوث ارتفاع في عائدات قناة السويس؛ حيث حققت إحصائيات الملاحة خلال الفترة من يناير إلى إبريل 2.3 مليار دولار، مقابل 2 مليار دولار خلال ذات الفترة من العام الماضي بنسبة زيادة قدرها 18.4%،وبفارق 360.4 مليون دولار.
وفي شهر إبريل 2022، سجلت أعلى إيراد شهري في تاريخ القناة بنحو 629 مليون دولار، مقابل 553.6 مليون دولار خلال شهر إبريل 2021،وبفارق 75.4 مليون دولار، بنسبة زيادة قدرها 13.6%، وكان هذا الارتفاع مدفوعًا بتنافسية السياسات التسويقية الجديدة للقناة؛ حيث أشارت إحصائيات الملاحة إلى تسجيل زيادة ملحوظة في أعداد وحمولات السفن العابرة للقناة منذ مطلع العام 2022؛ حيث شهِدت حركة الملاحة بالقناة في الفترة من يناير إلى إبريل عبور 7232 سفينة، مقابل عبور 6395 سفينة خلال ذات الفترة من العام الماضي بفارق بلغ 837 سفينة، وبنسبة زيادة قدرها 13.1%، فيما زادت الحمولات الصافية العابرة للقناة خلال الفترة من يناير إلى إبريل من العام الجاري بنسبة 6.5% بواقع 427.9 مليون طن، مقابل 401.9 مليون طن خلال نفس الفترة من العام الماضي، بفارق قدره 26 مليون طن.
- التوجه العالمي لاتباع سياسة نقدية انكماشية عبر رفع أسعار الفائدة لاحتواء موجات التضخم، بما تسبب في تخارج مستثمري الحافظة الأجانب من الأسواق الناشئة ومن بينها مصر، وقد كان أكثرها تأثيرًا رفع البنك الفيدرالي الأمريكي، سعر الفائدة الرئيس بمقدار 75 نقطة منذ بداية العام 2022، لتصل سعر الفائدة الفيدرالية الأمريكية 1%، وذلك في ارتفاع هو الأعلى منذ عقدين، وتوقع المركزي الأمريكي، أن تكون الفائدة في نطاق من 1.75% و2% بحلول نهاية عام 2022.
ومن المعلوم أن لهذا الأمر تداعيات سلبية على استثمارات الأجانب في أدوات الدين المصرية؛ حيث تجذب العوائد المرتفعة رأس المال الاستثماري من المستثمرين في الخارج الباحثين عن عوائد أعلى على السندات ومنتجات أسعار الفائدة، مقابل بيع المستثمرين استثماراتهم المقومة بعملاتهم المحلية مقابل استثمارات مقومة بالدولار الأمريكي، والنتيجة هي سعر صرف أقوى لصالح الدولار الأمريكي، وبالتالي ارتفاع تكلفة الدين الخارجي المصري؛ نتيجة ارتفاع قيمة الدولار وتراجع الطلب على أدوات الدين المقومة بالعملة المحلية.
- ارتفاع أسعار السلع الأساسية، ولا سيما القمح والنفط باعتبار أن روسيا من أكبر البلدان المنتجة والمُصدِّرة للسلع الأولية، فقد أدت الاختناقات في سلاسل الإمداد إلى ارتفاع الأسعار العالمية بصورة حادة، ولاسيما أسعار النفط والقمح؛ حيث تخطت أسعار النفط الـ 100 دولار للبرميل، مقابل متوسط 65 دولارا للبرميل المفترضة في موازنة الدولة للعام المالي الحالي.
- اجتياح العالم أزمة غذاء عالمية في ظل الأزمات الاقتصادية والاضطرابات المناخية بالتوازي مع تعطل حركة الصادرات الزراعية في دول الصراع بمنطقة البحر الأسود؛ حيث تشير إحصاءات برنامج الغذاء العالمي إلى أن ما يقارب 32% من قمح العالم يتم إنتاجه في روسيا وأكرانيا، إضافة إلى كمية كبيرة من الذرة، و80% من زيت دوار الشمس. كما يوفر البلدان 19% من الإمدادات العالمية من الشعير، و4% من الذرة.
هذا بجانب فرض بعض الدول الكبرى والمنتجة قيودًا على تصدير المواد الغذائية، في سَعْي منها إلى إبقاء إمداداتها الحيوية داخل حدودها، تحسبًا من تواصل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا لمدة أطول.. فقد شهد العالم نقصًا في المعروض من السلع الزراعية الغذائية وغير الغذائية كالحبوب والزيوت والأسمدة.. بما تسبب في تفاقم معدلات انعدام الأمن الغذائي حول العالم، مع ارتفاع أسعار الغذاء العالمية للشهر الحادي عشر على التوالي في إبريل 2022، مسجلة أعلى مستوياتها منذ مايو 2014، إذ سجل مؤشر المنظمة لأسعار الغذاء، الذي يقيس التغيرات الشهرية لسلة من الحبوب والبذور الزيتية ومنتجات الألبان واللحوم والسكر، معدلًا عند 158.5 نقطة في المتوسط في إبريل الماضي، مقابل قراءة 128.1 في مايو 2021.
المصدر: موقع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)
وفي ظل اعتبار مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، فإن أسعار القمح في السوق العالمية أمرمهم في تقديرات الموازنة العامة، ونجد أنه منذ بداية الأزمة الأوكرانية، شهِدت أسعار القمح ارتفاعًا حادًا، بما أجبر الحكومة المصرية على رفع سعر توريد القمح لنحو 1100 جنيه للطن؛ لتحفيز المزارعين المحليين على التوسع في زيادة القمح، وتقليل فاتورة الواردات، كما أنه من المتوقع حدوث زيادات إضافية في تكلفة الغذاء على المستوى العالمي، خاصة مع ارتفاع أسعار الأسمدة مع زيادة أسعار الغاز الطبيعي، واحتمالية تعطل إمدادات الأسمدة من روسيا.. بما يعني ارتفاع في مخصصات الدعم السلعي؛ نتيجة ارتفاع مخصصات دعم الخبز؛ حيث قدرت وزارة المالية التكلفة الإضافية لاستيراد القمح بنحو 15 مليار جنيه هذا العام المالي.