«كتاب الجندي».. قصة يحميها مشايخ أتميدة من الاندثار ويخلدها حفظة القرآن
في سورة الانسان وعد الله أهل الجنة وعودًا عدة، من بينها قوله تعالى "يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا"، وقبل أن يتحقق وعد الله الحق فإن مشايخ كُتاب " الجندي" بقرية أتميدة في محافظة الدقهلية تتجلى لهم تلك الآية عصر كل يوم، فأمام باب الكُتاب يقف الغلمان والصبايا من كل صوبٍ وحدب حاملين " لوحهم المحفوظ " كما وصفه الله عز وجل.
- إحياء وحماية الكتاب من الاندثار
الكُتاب بشكله التقليدي يكاد يكون اندثر وانعدم في كل نواحي مصر، لكن لا أحد ينسى أن الكتاتيب المصرية هي أحد أهم أشكال التعليم في المراحل الأولية ، فمن خلالها تعلم عمالقة العالم العربي أسس و قواعد اللغة العربية و القراءة و الكتابة و الحساب، بالإضافة إلى أنها كانت مقرًا هاما لتعليم أسس دراسات الدين الإسلامي، فمن خلالها حفظ الكثيرون القرآن الكريم كاملا، فضلا عن تعلم السنة النبوية و أسس علوم الاجتماع بشكل مبسط، هذا إلى جانب تعلم أهم القيم الأخلاقية، و الآداب المجتمعية المتبعة في المكان المقام فيه الكتاب، وهناك جزء كبير من أصل مصر وتاريخها الأدبي والعلمي وتشكيل وجدانها الثقافي وضمير أمتها خرج من رحم الكتاتيب وهي جزء من سيرة العظماء والمناضلين على مر العصور.
وبالعودة إلى "كُتاب الجندي" بقرية أتميدة، حينما زورنا وجدنا أطفال من سن السادسة وما دون وحتى شباب في بدايات الدراسة الجامعية يرتلون القرآن ترتيلا، جمعهم حبه وحبهم للمشايخ المتواجدين هناك من بينهم الشيخ المرسى محمد عسكر، الشيخ محمد السيد أبو صبيحة، الشيخ أحمد ناهية، الشيخ أيمن محمد أبو خص، الشيخ مصطفى بيطح، الشيخ خالد سالم الجندي، الشيخ جمال سالم الجندي، الشيخ فتحي عبد الحميد الجندي، الشيخ خالد السيد طمان، الأستاذة أماني السعيد الخولي، والزهراء محمد نصر قاسم، كل تلك الأسماء وأكثر قد توحدوا على حب صديق لهم وحينما رحل دشنوا هذا الكتاب زكاةً على روحه.
- الإقبال على "كتاب الجندي" امتدد حتى ميت غمر
صدى تلاوة القرآن في كُتاب أتميدة، امتد لباقي قرى مدينة ميت غمر، فكل أطفال كفر هجرسي يسيرون عدة كيلو مترات كل يوم أو يحملهم آبائهم على أعناقهم كي يتنورون بعلم كُتاب" الجندي" ويناهلوا من علم مشايخه، لا يوجد أمام الكُتاب الحافظين والقارئين فقط لكن المحبين أيضًا، فيوجد كل يوم عشرات من المتفرجين، يقفوا ليمتعوا أعينهم بمشهد حملة القرآن، من بينهم المصور الشاب زاد مُحَمَّدْ ابن القرية الذي يؤرخ كل يوم من تفاصيل الكتاب وزود قصتنا عنه بصور يومية تبرز دفء اللحظات في محيط "كُتاب الجندي".
الكتاب يحي ذكرى الشيخ مصطفى النمر المتوفي عام 1967 كونه أول محفظ للقرآن في أتميدة، ووهب عمره في تحفيظ الأجيال المختلفة بعد أن حصل الشهادة العالمية من الأزهر الشريف وكانت آنذاك أعلى شهادة علمية في الشرع، وللحفاظ على نهجه واستمرار تحفيز الأطفال على التردد عليه، يجمع تبرعات من أهل القرية لتنظيم مسابقة سنوية يحصد الحافظون الجيدون قيم مادية كبيرة مقابل دأبهم و اجتهادهم في حفظ القرآن.