مفتى الجمهورية: القرآن الكريم أرشدنا إلى من هو الأحق بممارسة الإفتاء في الدين
قال الدكتور شوقي علام –مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم "إن المتابع المراقب للحالة الدينية المعاصرة يعلم جيدًا كم تسبَّبت فوضى الفتاوى والتجرؤ على الفتيا في إحداث الاضطرابات والفتن، ولا يوجد مجال تجرأ عليه غير أهل الاختصاص فيه وادَّعاه من لم يحسنه ويتقنه أكثر من المجال الديني بشكل عام والإفتاء بشكل خاص".
وأضاف أن هذه الجرأة لا يمكن أبدًا أن تصدر عن تديُّن سليم ولا عقل مستقيم؛ ذلك أن التدين الصحيح له دلائل ومقوِّمات من أهمها وفي مقدمتها عدم مخالفة الأمر الصريح من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء النهي القرآني الواضح عن عدم الإفتاء بغير علم في أي تخصص ومجال في قوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36]؛ أي لا تقولن في شيء بما لا تعلم، وهذا النهي موجَّه في المقام الأول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فما بالنا بآحاد أمَّته وأتباعه؟ أليس مَن هو دون رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بهذا النهي من أفضل خلق الله وخاتم رسل الله؟، جاء ذلك في كلمته التي ألقاها اليوم خلال إطلاق فعاليات الصالون الثقافي للنشء، الذي تنظِّمه وزارة الشباب بالتعاون مع دار الإفتاء المصرية.
وأوضح المفتي أن القرآن الكريم أرشدنا إلى من هو الأحق بممارسة الإفتاء في الدين وخوض غمار البحث في دقائق الأمور وهم أولو العلم، قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) [التوبة : 122]، وقال تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) [النساء: 83].
كما روى الإمام أحمد في مسنده عن ابْن عَبَّاسٍ: أَنَّ رَجُلًا أَصَابَهُ جُرْحٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَصَابَهُ احْتِلامٌ، فَأُمِرَ بِالاغْتِسَالِ، فَمَاتَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: قَتَلُوهُ قَتَلَهُمِ اللَّهُ، أَلَمْ يَكُنْ شِفَاءَ الْعِيِّ السُّؤَالُ؟! وقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: "أَجْرَؤُكُمْ عَلَى الْفُتْيَا أَجْرَؤُكُمْ عَلَى النَّارِ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ مَنْ يُفْتِي النَّاسَ فِي كُلِّ مَا يَسْتَفْتُونَهُ لَمَجْنُونٌ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ أَنَّهُ قَالَ: "مِنَ الْمَسَائِلِ مَا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهَا. وَمِنْهَا مَا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُجِيبَ عَنْهَا".
وبيَّن مفتي الجمهورية أن كل هذه الأحاديث والآثار تبين لنا بيانًا شافيًا أن مقام الفتيا مقام رفيع في الدين ومسؤولية جسيمة، فقد تتسبَّب فوضى الفتاوى وجهالة المفتي في قتل الناس وإشاعة الفوضى والفتن.
وقال فضيلته: "حينما نتكلَّم في هذه المحاضرة عن خطورة الفتاوى المجهولة المصدر، فنحن لا نعني بجهالة المصدر -أي جهالة العين أو الشخص- أنها صدرت من فلان أو من فلان، ولكن المقصود الأهم من جهالة المصدر هو جهالة الجهة التي تلقَّى فيها هذا المتصدر علومه، وجهالة الجهة التي أذنت له بالإفتاء؛ ذلك أنَّ الإفتاء يحتاج إلى الاطلاع الواسع على علوم الشريعة والإحاطة بمصادر التشريع، ومعرفة مواطن الإجماع والخلاف، والإحاطة بعلوم الواقع وعوائد الناس ومعرفة طريقة استعمالهم للألفاظ، والأهم من ذلك عدم الميل إلى اتباع سبيل التشديد على الناس".