الناقد المغربى فؤاد زويريق: «محارب» يمثل الإسلام السياسى فى «جزيرة غمام»
تعقيبا على مسلسل جزيرة غمام، قال الناقد المغربي فؤاد زويريق، في منشور له عبر حسابه الشخصي بـ"الفيسبوك": "أعجبت بكيفية معالجة مسلسل ''جزيرة غمام'' لمسألة الدين، معالجته له دراميا انطلقت من الواقع الذي نعيشه الآن بكل ظواهِره وإيديولوجياته الدينية المختلفة، وأسقطته بشكل ذكي على شخوص العمل بما يتناسق وسيرورة أحداثه".
وتابع “زويريق”: انطلق المسلسل في أول مشهد له من الشيخ مدين وهو على فراش الموت، (أدى دوره الفنان المقتدر عبد العزيز مخيون) ، والشيخ مدين هنا -حسب رؤيتي وتحليلي- يمثل الأصل، يمثل الإسلام الحق، وقد صوره المسلسل على أنه ذاك الشيخ الوقور الطيب الذي كانت الجزيرة في أيامه، أي قبل موته، طاهرة وكلها بركة لا إجرام فيها ولا معاصي، توفي الشيخ الطيب مدين وهو يوصي تلاميذته الثلاثة: (محارب) الفنان فتحي عبدالوهاب، و(يسري) الفنان محمد جمعة، ثم (عرفات) الفنان أحمد أمين، وكلهم خرجوا من تحت عباءته وتتلمذوا على يديه، الشيخ مدين كان يعرف تلاميذته جيدا، ويقرأ أفكارهم وتوجهاتهم، لهذا أوصى لكل واحد منهم بالشيء الذي يتناسب وشخصيته، ''محارب'' ولأنه مهووس بالسلطة أخذ مكانة الشيخ، أي السلطة الدينية القريبة من مراكز قرار الجزيرة، 'و'يسري'' ولأنه محب للحياة ومهووس بالنساء والمظاهر الشكلية، منحه بيته كعطية عينية لأن الشيخ كان معدما، وفي الأخير هناك ''عرفات'' الذي كان مقربا منه جدا وأحب تلاميذته إليه، ولأنه يعرف زهده ودروشته وقناعته فلم يعطه سوى سبحة ودفتر خاص.
وأضاف “زويريق”: "بعد رحيل الشيخ مدين، تفرق تلاميذته الثلاثة وانتشروا في الأرض، وبعد تلاحق الأحداث سنجد بأن كل واحد منهم أخذ مساره منفردا مستخدما دينه حسب قناعته وتوجهاته، محارب اسم على مسمى فهو شخصية قاسية ومتشددة، هوسه بالسلطة رغم قربه منها، جعله يطمع في كرسي كبير الجزيرة نفسه، إذ أصبح يرهب السكان ويكرهم على التدين حتى يصبحوا تحت حكمه وطاعته، بل ويستغل الدين من أجل السياسة، وشكل لهذا تنظيما سريا مسلحا من أجل إزاحة عمدة الجزيرة والإستيلاء على منصبه بالقوة".
واستكمل: “نأتي إلى شخصية ''يسري'' الذي حول بيت الشيخ مدين الذي ورثه منه، إلى قبلة لكل شخص يبحث عن فتوى أو رقية أو حل شرعي لمشكلته، وأحب الزبائن إليه النساء، وطبعا لا يتوانى في الحصول على المقابل، سواء كان هذا المقابل ماديا، أو شيئا آخر خصوصا إذا كان الزبون امرأة، أما الشخصية الأخيرة وهي ''عرفات'' فهي شخصية متدينة أيضا، لكنها معتدلة، طيبة طاهرة وصافية من الداخل، تحب الأطفال أي البراءة، وزاهدة في الدنيا، قنوعة جدا لا تكذب مهما حصل، ولا تنافق ولا أطماع لديها، تهيم على وجه البسيطة مبتسمة سعيدة راضية بكل ما يُكتب لها، كل همهما في الدنيا هو تعليم الأطفال والجلوس معهم، والابتعاد عن كل ما يغضب الله. هي إذاً ثلاث شخصيات متدينة، استقت دينها من مصدر واحد هو الشيخ مدين، ورغم ذلك نجد أن لكل شخصية فكرها الخاص بها، وخطاب ديني مختلف عن الأخرى، وذلك حسب طموحاتها، وفهمها للدين، ورؤيتها له”.
واختتم: "باختصار الشيخ مدين هو الأصل وتفرع عنه ثلاث شخصيات، ''محارب''، ذاك المتطرف الذي يمثل الإسلام السياسي، والذي يسعى بكل السبل للوصول إلى الكرسي والحكم، ''يسري'' الذي يمثل شيوخ الفتاوى والفضائيات، أي تجار الدين الذين يكسبون الكثير وكل همهم الاستمتاع بالحياة الباذخة، ثم ''عرفات'' وهو النسخة الأصلية من الأصل، والذي يمثل هنا المتدين الحقيقي البعيد كل البعد عن الأقنعة الدينية الكاذبة، غير معتنق لأية إيديولوجيا معينة، زاهد في الدنيا وقريب من الله بأعماله وحبه له، وهذا التوجه نادر في مجتمعاتنا، لهذا جاء في المسلسل كشخصية استثنائية منعزلة لا يقترب منه أيا كان.