بدايته البعد عن المعاصي.. ما معنى السير فى طريقة الله؟ علي جمعة يوضح
قال الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية، وشيخ الطريقة الصديقية الشاذلية، يتسائل البعض عن معنى: "السير في طريق الله"؟، ونقول إن معناه البدأ بالتوبة، ومعني التوبة أن ينخلع المسلم من المعاصي، وأن يعاهد نفسه على أن يترك المعاصي، وأن يعطل ملك السيئات، أي يجعل ملك السيئات لا يكتب عليه شيئاً، هذا الانخلاع له درجات : أولها : انخلاع من المعصية، والمعصية هي التي يقول عنها الشرع: إن هذا حرام، فالإنسان قرر مع نفسه ألا يفعل هذا الحرام.
وأوضح «جمعة» عبر صفحته الرسمية قائلا: «هناك توبة أخرى وهى: الانخلاع من كل ما يشغل البال أو القلب عن الله، من ولد ومن مال،ومن حب للأكوان وللسلطة وللجاه وللشهوات، الإنسان هنا لم يرتكب حراما لكي يتوب منه فهو قد تركه، لكنه الآن يتوب من شيء آخر، يتوب من الانشغال عن الله، وكأن الانشغال عن الله -وهو أمر يقع فيه جل البشر- معصية، لا.. هو ليس معصية، لكن كأنه معصية، وهو لعلو همته يعتبره في حقه معصية، فيخلي قلبه من شواغل الدنيا ومشاغلها، "يخلي قلبه": هذه كلمة وقف عندها السادة الصوفية كثيرا، وقفوا عند "التخلية من القبيح"ويأتي بعدها عندهم معنى آخر وهو أن يحلي قلبه بكل صحيح، وهذه هي التحلية.
وأشار: هناك مرحلتان وهما: «التخلية والتحلية»، التخلية عبارة عن تفريغ القلب من الشواغل والمشاغل، والتحلية هي تجميل القلب بهذه الصفات العالية من التوكل، ومن الحب في الله، ومن الاعتماد على الله، ومن الثقة بما في يد الله.. الخ، والسالك إلى الله لا يزال إلى الآن في المرحلة الأولى من الطريق ومن التوبة، فإنه خلى قلبه من القبيح وحلى قلبه بالصحيح، لكن تأتي توبة أخري بعد ذلك في مرحلة ثانية يتشوق فيها قلب هذا التقي النقي، الذي خلى قلبه من الشواغل والمشاغل، وخلى نفسه وجوارحه من المعصية، ثم خلى قلبه من الشوائب، ثم حلى قلبه بتلك المعاني الفائقة الرائقة، وهو في كل ذلك يريد من الله أن يتجلى عليه.
وتابع «جمعة» قائلا: هذا التجلى يأتي بعد التخلى والتحلى، فما معنى التجلى؟ كما قالت السادة الصوفية: التخلق بأخلاق الله ؛ فالله تعالي رحيم فلابد من أن نكون رحماء، والله تعالي رءوف فلابد من أن نكون كذلك، والله تعالي غفور فلابد أن نكون متسامحين نغفر للآخرين.. ويصبح الإنسان في رضا عن الله.. عنده تسليم تام بقدر الله، هذا الرضا وهذا التسليم يدخل قلبه على ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: هى مرحلة يسلم فيها بأمر الله، ويقاوم نفسه من الاعتراض ومن الحزن؛ فهو يحزن لكنه يمنع نفسه من أن يعترض على أمر الله، وهو أيضا يبكي ليل نهار على فقدان الولد –مثلا- لكنه ساكن القلب إلي حكمة الله تعالى.
والمرحلة الثانية: لا يحزن. فلو مات له ابن أو اصابته مصيبة فإنه يضحك، والسبب اليقين في لطف الله وحكمته.
المرحلة الثالثة: يبكي. لأنه يستحضر في نفسه أن الله قد أفقده هذا العزيز لديه الآن من أجل أن يبكي، فهو لا يبكي حزنا إنما هو يبكي الله. وهذا هو الذي كان عليه مقام النبوة وأكابر الأولياء. فلما فقد النبي ﷺ ابنه إبراهيم بكى، وفي حديث آخر: أَرْسَلَتِ ابْنَةُ النَّبِىِّ ﷺ - إِلَيْهِ إِنَّ ابْنًا لِى قُبِضَ فَائْتِنَا . فَأَرْسَلَ يُقْرِئُ السَّلاَمَ وَيَقُولُ :« إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى و،َكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى ، فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ » . فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ تُقْسِمُ عَلَيْهِ لَيَأْتِيَنَّهَا ، فَقَامَ وَمَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرِجَالٌ ، فَرُفِعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - ﷺ - الصَّبِىُّ وَنَفْسُهُ تَتَقَعْقَعُ. فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ . فَقَالَ سَعْدٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا ؟ فَقَالَ : « هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِى قُلُوبِ عِبَادِهِ ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ »[البخاري].