«لماذا تركتهم؟».. مذكرات شاب إخوانى منشق: «طالتنى اللعنة» (2)
ينشر «أمان» على مدار سلسلة من الحلقات اعترافات لشباب منشق عن تنظيم الإخوان الإرهابى، يكشفون فيها كيف انضموا للجماعة وسبب تركهم لها، بالإضافة إلى العديد من الأسرار التى تمكن الشباب من مواجهة فكرهم المتطرف وتحصين أنفسهم من الوقوع فريسة للإرهاب.
وفى الحلقة الثانية يسرد عبدالمعطى أحمد رجب، المنشق حديثا عن الإخوان، تجربته قائلا: «الجماعة الإرهابية كانت تنظر لمخالفيهم من داخل التيار الإسلامى نفسه بأنهم «أمنجية» فلك أن تتخيل نظرتهم تجاه التيارات غير الإسلامية.. فقد كانت مرحلة مليئة بالزيف والادعاءات الكاذبة».. وإلى نص اعترافه كما أرسله لـ«أمان»:
رغم نعمة القراءة على العقل وأثرها على السلوك وتكوين الشخصية إلا أننى للأسف حصرت معظم اهتماماتى وقتها بالقراءة عن الإخوان فقط، وأزعم أنى اضطلعت على كثير جدا من كتبهم التى يعتمدوها.
قرأت لهم (أحداث صنعت التاريخ) و(مذكرات الدعوة والداعية ورسائل البنا) و(البوابة السوداء) و(سراديب الشيطان) و(الإخوان سبعون عاما من الدعوة والتربية والجهاد) و(حسن البنا حامل لواء الإسلام فى القرن العشرين) و(المدخل لدعوة الإخوان) و(الثوابت والمتغيرات) بالإضافة إلى أغلب الشروح على رسالة التعاليم سواء الشرح المصرى أو العراقى أو اليمني... وعشرات الكتب بل مئات لن أستطيع حصرها فى هذه النافذة.
كل تلك الكتب والمراجع كانت ترسخ عدة مفاهيم داخل الفرد الإخوانى وتشكل الوعى الذى تريده الجماعة لا الوعى الذى يحتاجه الفرد فى الحياة. ربما نتناول بعضا من تلك المفاهيم والمبادئ التى تصدرها الثقافة الإخوانية للفرد المنتسب إليها فيما بعد إن سمح المجال.
كان من ضمن هذه الثقافات أن الإخوان هى أم الجماعات الإسلامية أو كما يطلقون عليها (كبرى الحركات الإسلامية) وأنها الجماعة (الأم) الحاضنة للطيور الشاردة من أفراد الجماعات الأخرى وأن الإخوان جماعة شاملة تأخذ من كل التيارات ما يميزها فتأخذ من السلفيين الرجوع للكتاب والسنة فى كل شىء، وأن هذا ماقرره الأستاذ البنا فى الأصل الثانى من أصوله العشرين ولأن السلفيين يهتمون بالمظهر الخارجى فتجد الإخوان يشيرون لبعض دعاتهم الملتزمين بـ(اللحية) و(تقصير الثياب).... إلخ.
وتأخذ من الجمعية الشرعية عمل الخير والقيام على الأيتام وإن الإخوان بها قسم كامل اسمه قسم (البر) يرأسه أحد أفراد مكتب الإرشاد وتأخذ من حزب التحرير دعوته للخلافه الإسلامية وأن هذا مقرر فى أهداف الاخوان فيما يسمى بـ(أستاذية العالم) وتأخذ من التيارات الجهادية دعوتهم للجهاد ضاربين المثل بحركة (حماس الفلسطينية) إلى آخر هذه المزايا التى يتم ترويجها والتى مفادها أن من أراد أى شيء من هذه التيارات فكل شيء موجود فى الإخوان فى الوقت الذى كانوا ينظرون بشفقة لتلك الجماعات أن لديها قصورًا فى الفهم والتطبيق والنظر للدين ضاربين المثل بنظرتهم للإسلام ونظرة الجماعات الاخرى بقصة الفيل والعميان.
ثم بعد هذا التوجيه الثقافى وترسيخ هذا المفهوم داخل الصف الإخوانى تجدهم يصدرون أنهم ليسوا ضد هذه الجماعات وأن يدهم مفتوحة للتعاون معهم والائتلاف ومد اليد إليهم جميعا لما فيه (مصلحة المشروع الإسلامى).
لكن البون شاسع بين التنظير والممارسة العملية، فعند المنافسة تجد أن الإخوان لاترى إلا أنفسهم ولا يؤمنون إلا بأفكارهم بل وتجد تهم التخوين ورمى الاتهامات المعلبة لكل مخالفيهم حتى ممن ينتهجون نفس مشروعهم.
فى عام 2012 أثناء الانتخابات البرلمانية ومع ظهور الأحزاب الإسلامية كحزب النور والبناء والتنمية وغيرها كانت الثقافة السائدة عند جموع الصف الإخوانى -بناءً على التنظير الموجود فى كتبهم – أن هذا هو أوان الوحدة الإسلامية والاجتماع تحت راية واحدة لإقامة الخلافة. لكن لم يكن ذلك إلا مجرد سراب يتم تداوله فى الكتب فقط
فعلى سبيل المثال عندما تأسس حزب النور طالته الاتهامات فى داخل الجماعة بأنه لم يؤسس إلا لمحاربة الاخوان وكذا باقى الأحزاب.
فى إحدى ليالى 2012 جمعنى لقاء مع مسئول اخوانى وكان سؤالى له بلهجة الحماسة و(الغيرة على الإسلام) لماذا لا يتم التحالف مع حزب البناء والتنمية أليسوا بعد المراجعات أصبحوا أقرب إلينا من غيرهم؟!
لم يلبث هذا المسئول إلا أن قال لى ( توحد مع مين دول شوية أمنجية!!)
حدّقت النظر من صدمة الكلمة وراجعته فيها فما كان منه إلا أن يقسم لى ويكرر ماقاله.
شعرت وقتها بهزة داخلية وتساءلت بينى وبين نفسى هل هذه هى نظرة الإخوان لمخالفيهم من داخل التيار الإسلامى نفسه أم مجرد موقف فردى من مسئول متحمس وماذا لو كانت هذه النظرة حقيقية فما بالنا بنظرتهم للتيارات الأخرى غير الإسلامية.
مرت الأيام وكدت أقنع نفسى أن هذا الرأى مجرد وجهة نظر لمسئول متعصب لكن الأيام كانت حبلى بالحقائق وكشف الغشاوة التى على عيني. اتضح لى بعدها أن هذا منهج لديهم لن يفلت منه حتى من كان معهم وبينهم.
فعندما ترشح عبدالمنعم أبوالفتوح للرئاسة مخالفا توجههم فى هذا الوقت وأبو الفتوح من هو؟ إنه عضو إرشاد الجماعة لمدة أربعين سنة، وأحد قياداتهم التى أعادت تأسيس الجماعة فى السبعينيات، ومع ذلك خرج علينا وقتها محى الدين الزايط عضو مجلش شورى الجماعة متهمًا أبوالفتوح بأنه علمانى سيفعل بالاخوان مافعله عبدالناصر!
وبعد الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسى اصطف حول الإخوان أغلب الأحزاب الإسلامية وأسسوا ما يعرف (التحالف الوطنى لدعم الشرعية) اصطف هؤلاء وقرروا مع الإخوان مواجهة الدولة وأجهزتها وقطاع كبير من الشعب المصرى وكان من بين هذا التحالف حزب الوسط، وكان فى رؤية الإخوان فى هذا الوقت هو تقديم هؤلاء وغيرهم من بعض الليبراليين الذين أيدوهم حتى يصدروا للعالم أن موقفهم هذا ليس موقفا أيدولوجيا طائفيا، ولكنه موقف يعبر عن كل أطياف الشعب.
فى عام 2014 تعرضت للسجن بتهمة التظاهر وجمعتنى الزنزانة بمسئول عن مكتب إدارى للإخوان وعضو مجلس شوراها العام وفى هذه الأثناء جاءنا خبر انسحاب حزب الوسط من (تحالف دعم الشرعية) نتيجة فشل الإخوان فى إدارة التحالف واستفرادهم بالقرارات، فما كان من هذا المسؤل الرفيع إلا أن قال إننا لن ننتصر إلا عندما يصبح الإخوان وحدهم! ويتخلى عنا كل هؤلاء حتى يتطهر التحالف وتتمايز الصفوف!
دب الخلاف بيننا فى الزنزانة وكنت من المعارضين له على كبر قامته بين المسجونين
تساءلت بصوت عال (إنتو ازاى كده، وإزاى بالتفكير ده؟!!) ثم عكفت على نفسى أراجع مواقفى من هؤلاء وكيف لى أن أكون مغيبا لهذا القدر مع هؤلاء الإقصائيين الذين يعيشون دور اليوتيوبية الإسلامية وكأن هؤلاء هم المعصومون المنزهون من الأخطاء وغيرهم مجروج تدور حولهم علامات الاستفهام.
وطالتنى اللعنة!
خرجت من تلك المحنة التى كانت فى طياتها منح كثيرة كان أهمها كشف زيف كثير من المفاهيم التى ورثتها وتشبعت بها وبدأت أعبر عن بعض قناعاتى الجديدة على صفحات التواصل، منتقدًا بعض الأفكار المنحرفة والادعاءات الكاذبة لهؤلاء المدعين
طالنى كثير من الانتقادات والتعليقات السلبية متهمين شخصى بالانحراف سائلين الله لى الهداية والثبات!
حتى أصابتنى محنة السجن مرة أخرى فى 2017 وبمجرد القبض عليا فوجئت بأحد الإخوان الذين كنت أتعلم منهم وأجلس بين يديهم يقول (دا كلها يوم أو يومين ويخرج أكيد هو شغال مع الأمن!)
كل هذا من أجل بعض التعليقات والانتقادات فقط خاصة أننى لم أعلن وقتها براءتى منهم ومن أفكارهم. لم أكن أظن ولو للحظة أن أشرب من نفس الكأس الذى شرب منه غيرى كنت أظن أن يشفع لى فترة سجنى التى كانت فى سبيل أفكارهم.
وطالت المحنة على غير مراد هذا الشخص وخرجت حاملا على عاتقى ألا أتردد ولو للحظة فى إعلان موقفى تجاههم.