عفوًا أيها القانون..
الزمان:- صبيحة أحد أيام العمل الأسبوعية، المكان:- أمام أحد المدارس المصرية داخل القاهرة، التوقيت:- الساعة السابعة والنصف صباحًا، شارع مكتظ بكل أنواع المركبات من كل الاتجاهات، التوك توك والنقل الثقيل والنصف نقل والسيارات والأتوبيسات، ويتأجج الموقف وسط الازدحام المعتاد في القاهرة وأبواق السيارات العالية ودخول التلاميذ عند باب المدرسة على اختلاف فئاتهم العمرية، فيدهس أتوبيس سيارة ويحدث بها بعض التلفيات التي ليست بخطيرة ولا خسائر في الأرواح، ولكن يبدو أن الخسارة كانت في معانٍ كثيرة فقدانها في حياتنا، مما دفع صاحب السيارة المتضررة أن يقرر في لحظتها أن يأخذ حقه بنفسه ويتجاهل القانون والدولة، فيأخذ عصا ليدمر زجاج الأتوبيس الذي صدمه في مشهد مرعب للغاية ويستمر في التدمير لمدة دقائق أو أكثر برغم محاولة المارة منعه ولا عزاء لأي مار في الشارع من الزجاج المتطاير!
قد يكون ذلك الموقف تصرفًا غير حكميًا من شخص غاضب في وقتها، ولكن الأخطر أن لم يكن موقفًا فرديًا وأن الكثير منّا باتوا يؤمنون أن استرجاع الحق لم يعد مهمة الدولة ولا المؤسسات بل مهمتنا الشخصية التي قد نقوم بها بشتى الطرق والتي بالطبع سيخطها العنف والخروج عن القانون والتجاوز، أمّا أن هناك ثمّة فجوة بين القانون ومؤسسات الدولة والمواطن والتي تعوق التناغم بين الطرفين بشكل يحترم القانون، بشكل لايجعل من مثل تلك المواقف أمام أعين الأطفال والنشء الذين في مرحلة تشكيل الوعي تدمر تصورهم عن كل ما يحيط بهم ومن أهمها معنى الدولة أو الوطن.
موقف واحد مثل ذاك قادر أن يحطم القانون والدولة في وعي هؤلاء.
وخروجًا من ذلك المأزق، هل حان أن تكون يد الدولة أكثر ردعًا ؟ تحافظ على سيادة القانون وهيبة الدولة؟ أم أن الردع قد يٌقهم بالخطأ من البعض أنه هو قمع ! شتان ! فالردع هو القوة التي تحافظ على حقوق الجميع، تحافظ على حق المواطن المسالم من ضرر المتجاوز، الردع يقيم العدل وهو مفهوم مختلف كليًا عن القمع ولكن ربما نطلق على النظام والردع والقانون قمعًا لأننا تعودنا على اللانظام!
ومن هنا على الدولة أن تكون رادعة وبقسوة لكل متجاوز في حق الغير أو في حق هيبتها، ولكي يٌطبق ذلك بكل مهنية، لابد من مراعاة الكثير من الأمور الفنية ؛منها سرعة انتشار التواجد الشرطي المتحرك القادر على إنهاء مثل تلك المهازل في ثوانٍ معدودة مع تخصيص خط ساخن مع انتشار الكاميرات في الشوارع لتفريغها إن لزم الأمر وإظهار من الذي على حق ومن الذي على باطل، التخلص من بعض القوانين العقيمة والقديمة، مثل القوانين التي تغرم الطرفين في حوادث الطرق مبلغًا زهيدًا مما قد ينفّر البعض من اللجوء للقانون لاسترجاع حقه إن كان على حق عن طريق مرونة تشريعية جديدة تتناسب مع العصر الحالي بكل تحدياته.
إن حوكمة الشارع المصري هي أهم ركيزة في ملحمة بناء الدولة المصرية التي تحدث الآن.
اكتب رسالة...