عزوة السادات.. مصور المنصة عادل مبارز: الأمن تلقى معلومات بأن الرئيس مستهدف قبل الاحتفال بأسبوعين(3)
لم يكن اليوم عاديًا رغم أن الحدث يبدو مألوفًا، فالاحتفال بذكرى نصر أكتوبر العظيم الذى حققه الجيش المصرى بقيادة الرئيس الراحل محمد أنور السادات، كان يجرى كل عام بصورة طبيعية، لكن هذا العام تحديدًا ١٩٨١، كان يبدو مختلفًا، فمنذ اللحظة الأولى ولدى وصولك إلى باب دخول مقر الاحتفال، تواجههك إجراءات أمنية مشددة، توحى بأن خطرًا ما يخشاه الجميع. ما السر وراء هذه الإجراءات الأمنية المشددة التى شهدها الاحتفال بنصر أكتوبر عام ١٩٨١؟، وما الذى حدث منذ بدء العرض العسكرى حتى اغتيال الرئيس محمد أنور السادات فى الواقعة المعروفة بـ«حادث المنصة»؟.. هذه وغيرها من الأسئلة يجيب عنها عادل مبارز، مصور «دار الهلال» آنذاك الذى كان شاهد عيان على الواقعة بحكم عمله.
الإسلامبولى ألقى ٣ قنابل يدوية على المنصة لكنها لم تنفجر
يبدأ عادل مبارز حديثه بالكشف عن الكواليس التى سبقت توجهه إلى مقر الاحتفال لالتقاط عدد من الصور لمكان عمله «دار الهلال»، موضحًا أنه قبل الاحتفال بـ٤٨ ساعة التقط مجموعة صور من البروفة النهائية للعرض العسكرى، ولم يكن ينقص عدد «الهلال» سوى ٣ لقطات للرئيس وهو يحيى قوات العرض، ثم وهو يضع إكليل الزهور على قبر جمال عبدالناصر، بجانب عرض الطائرات.
وفور دخول «مبارز» موقع الاحتفال، حدثت مشادة كلامية حادة بينه والمقدم أحمد الفولى، أحد أفراد الحراسة الخاصة بالرئيس أنور السادات، والذى وقف بنفسه ينهى إجراءات التفتيش ودخول المشاركين فى الاحتفالية، وذلك لعدم إبراز «مبارز» الكارنيه المخصص للصحفيين فى مكان واضح على قميصه.
وحتى صداقة «مبارز» مع والد المقدم الفولى لم تشفع له لأن يتركه يدخل دون الاستجابة لإصراره على تعليق الكارنيه بشكل واضح، فما كان من مصور «دار الهلال» إلا أن استجاب وعلق الكارنيه فى «زرار» قميصه، ويرجع «مبارز» هذه الإجراءات الأمنية المشددة إلى «وصول معلومات لأجهزة الأمن بأن الرئيس مستهدف».
ويوضح أنه «قبل حادث المنصة بأسبوعين، ألقى القبض على عدد من طلاب جامعة القاهرة وبحوزتهم رسومات توضيحية لقطار المنصورة الذى كان السادات يستقله قبل العرض العسكرى، بجانب رسومات أخرى لمنصة الاحتفال، وأماكن جلوس المدعوين إليه»، لذا كانت هناك تشديدات أمنية، لكن الرئيس لم يستجب لتعليمات الأمن ورفض ارتداء القميص الواقى.
ويصل إلى الحديث عن الواقعة نفسها فيقول: «كنت أستعد لالتقاط صورة لعرض الطائرات، بعد عدم تمكنى من التقاطها فى البروفة النهائية، وبينما أضع عدسة كبيرة مناسبة لالتقاطها، فوجئت بعربة كبيرة (بتفرمل) أمام المنصة، ثم تحركت ووقفت مرة أخرى، فظننا جميعًا أنها تعطلت»، لافتًا إلى أنها كانت تحمل ٦ عساكر، ٣ منهم ظهرهم للمنصة، و٣ هاجموها بالمدافع الرشاشة، أما خالد الإسلامبولى فكان يجلس جوار السائق، والأخير لم يكن يعلم شيئًا عما هو مدبر.
بعد ذلك، نزل «الإسلامبولى» من السيارة ومعه ٣ قنابل يدوية ألقاها على المنصة لكنها لم تنفجر، فعاد مرة أخرى إلى السيارة، وفتح الباب وأخذ «مدفع رشاش» وضرب «دفعة رصاص» تجاه المنصة، ثم اتجه إلى العساكر فى السيارة مخاطبًا إياهم بقوله «انزل ياله إنت وهو.. مش هشتغل لوحدى يا ولاد الكلب»، وفق «مبارز».
المشير أبوغزالة ساعدنى فى استرداد كاميرا بها آخر صور الرئيس
يتذكر «مبارز» أن الاحتفال كان يوجد به ما لا يقل عن ١٥ مصورًا من كل المؤسسات الصحفية، بجانب مصورى الرئاسة، وكان الوحيد الذى التقط صورًا واضحة للمنصة هو مكرم جادالكريم مصور «أخبار اليوم»، وذلك لكونه الوحيد الذى كان يقف فى مكان مخصص لكاميرات التليفزيون، ومعه مصور آخر من مجلة «أكتوبر» اسمه محمد حسن.
ويتابع: «مكرم كان يتمتع بهدوء الأعصاب فتمالك نفسه بعد الضرب، على عكس محمد حسن الذى أصيب بالذعر وبحالة هستيرية من الصراخ، لذا تمكن الأول من التقاط مجموعة من الصور للمنصة، ثم أخرج الفيلم من الكاميرا وحفظه فى جواربه، ووضع فيلمًا آخر واستكمل التصوير حتى انتبه إليه أحد الضباط وصادر كاميرته». لم يترك «مبارز» كاميرته التى التقطت آخر صور للرئيس السادات قبل اغتياله، وبدأ رحلة البحث عنها، وبالفعل قابل وزير الداخلية النبوى إسماعيل فى صلاة عيد الفطر بمسجد الحسين وطلب منه استردادها، فكلف الوزير أحد ضباطه بمتابعة الأمر وإبلاغه بتطوراته، وبعدها قابل المشير أبوغزالة وعرض عليه المشكلة، فطلب منه التوجه إلى المخابرات الحربية، حيث وجد كل المعدات التى صودرت أثناء الحادث، ومنها كاميرته التى كان بها بعض الكسور، فاستردها وأصلحها واحتفظ بها حتى الآن. ويشير إلى صورة أخرى التقطها المصور شوقى مصطفى من مكان فى منتهى الخطورة، لكن لسوء الحظ كانت آخر لقطة معه فى الفيلم فلم يستطع التقاط غيرها، موضحًا «أثناء الضرب كان يضع كاميرته على رخامة المنصة فى المنتصف مما مكنه من التقاط صورة تحتوى على تفاصيل ما جرى على يمين ويسار المنصة».