محمد الباز يكتب: الإعلام لا يحتاج إصلاحًا.. اهدموه وأعيدوا بناءه من جديد..التركة المنفلتة «5»
الإعلاميون اعتقدوا بعد ٢٥ ينايرأنهم قادرون على توجيه الشارع وتحديد مَنْ يحكم البلاد
رجال الدولة يرون أن الإعلام كان يمارس فى فترة من الفترات عملية هدم منظمة حتى دون دراية
مسئول سأل السناوى: «ماذا نفعل لنثبت لك أننا نفهم سياسة؟»فرد: أفرجوا عن مهدى عاكف
الإعلاميون جعلوا أنفسهم خصومًا للدولة المصرية لأنهم يريدون الحصول على نصيبهم من«غنيمة ٣٠ يونيو» كما يرونها
كان الإمام الشافعى يعانى آلامًا فى قدميه، وكان لا يستريح إلا بعد أن يمددهما لبعض الوقت وهو يتحدث إلى مريديه ومستمعيه، لكنه كان يمتنع عن فعل ذلك تكريمًا لأحد حضور مجلسه الذى كانت تبدو عليه الهيبة الشديدة، وعندما سأله صاحب الهيبة هذا مرة سؤالًا، اكتشف الشافعى أن محدثه فارغ تافه لا قيمة له، ففرد قدميه أمامه، وقال كلمته المشهورة: «آن للشافعى أن يمد قدميه».
قد تكون هذه الواقعة من اختراع تلاميذ الشافعى، فبعض تفاصيلها يخاصم الواقع ولا يليق بأخلاق العلماء الكبار، لكنها تصلح كمنهج للتعامل مع بعض من يحيطون بنا من كل جانب الآن، يملأون الدنيا حديثًا عن الإعلام وما يجرى فيه، زاعمين معرفتهم بكواليسه وأسراره، وهم فى الواقع أجهل من دابة.
أحد هؤلاء هشام قاسم، الذى يحلو للبعض تقديمه على أنه ناشر صحف وخبير فى عالم الإعلام وهيكلة مؤسساته، دون أن تكون له تجربة ناجحة واحدة نستدل بها على ما يقولونه عنه.
من البداية لا أستريح لهشام، يقول أهلنا من الفلاحين: «إوعى تثق فى راجل جلده تخين»، وهشام كذلك.
لقد تابعت مسيرته فلم أجد فيها شيئًا يدعو للإعجاب، وربما يحول بينى وبينه ما يقوله عن مشكلات الإعلام الآن فى مصر، لأنه يخرج من شخص فاشل تمامًا، وحتى يريح ضميره فهو يقدم نفسه على أنه يملك الحل الكامل والشامل، وهى حيلة نفسية يلجأ إليها المهزومون والمحبطون، وليس عليك إلا أن تلتمس له العذر فى ذلك، فلو لم يفعل ذلك لأقدم على الانتحار.
يعتقد قاسم أنه يتحدث كناقد أو معارض أو عارف بمناطق الزلل والهنات، وهو ما تشعر به فى كلماته التى يبدو خلالها معجبًا بنفسه وبما يقوله، رغم أنه وبالفعل لا يعرف ما يدور حوله، اللهم إلا إذا كان يعتبر النميمة التى تصله ولغيره هى حقيقة الأوضاع فى مصر الآن.
لذا لم يكن غريبًا علىَّ حديثه، وأنا أمر على حوار أجراه معه موقع «عربى ٢١»، فلم تكن النكتة الوحيدة فيه أن الموقع وضع عنوانًا كوميديًا جدًا للحوار وهو: هشام قاسم يتحدث لـ«عربى ٢١» عن خبايا إعلام السيسى، دون أن يحدثنا أحد عن حيثياته ليتحدث عن الخبايا، ودون الإشارة إلى مصادر معلوماته التى ساقها دون أن يقدم عليها دليلًا واحدًا.
الحوار متهافت، لكننى أشفقت على هشام قاسم عندما سأله محاوره: بعض الإعلاميين يرون أنهم شركاء للسيسى ونظامه فى صنع مشهد ٣٠ يونيو.. فهل لهذا السبب تتم الإطاحة ببعض الإعلاميين الذين يرون أنفسهم شركاء بشكل أو بآخر للسيسى فيما حدث؟
رد قاسم بثقة شديدة أحسده عليها فى الحقيقة، قال: لا أعتقد فى صحة ما تذهب إليه، فليس هناك من الإعلاميين من يرون أنفسهم شركاء له فى صنع ٣٠ يونيو، فهم ليسوا على سبيل المثال قادة بالجيش ليكونوا مؤثرين فى صناعة القرار والأحداث، ولا يشكلون أى خطر عليه، وليس لهم أى وزن، ومن المعروف أن أى أحد من هؤلاء الإعلاميين حينما يخرج عن الخط المرسوم له ما أسهل الإطاحة به، لأن ليس لهم أى نفوذ أو شعبية فى الشارع.
لن ألتفت هنا إلى حجم الغل والحقد الذى يكنه هشام قاسم للإعلاميين المصريين، فما شغلنى هنا جهله الشديد بما يحدث، فما قاله يؤكد لى أنه مغيّب تمامًا عن المشهد، وعليه فكل ما يقوله لا يخرج عن كونه ترهات لا أكثر.
ما لا يعرفه هشام قاسم أن هناك إعلاميين كثيرين لا يعتقدون فقط أنهم شركاء فى صناعة ثورة ٣٠ يونيو، ولكن يذهب بعضهم إلى أنه لولاهم ما قامت من الأساس.
كانت هذه الحقيقة، التى يعتقدها إعلاميون كثيرون، ماثلة أمامى أول مرة فى بدايات العام ٢٠١٥ عندما كنت أتحدث مع إعلامى كبير، صنع اسمه قبل ثورة يناير بسنوات من خلال التليفزيون المصرى، وبعدها بشهور عاد من خلال قناة خاصة أصبح نجمًا فيها، بل ربما نجمها الأوحد.
كان وقتها يقدم برنامجه فى قناته- ولا يزال- وجدته يقول فى أسى إن هناك توجهًا فيما يبدو للتخلص من الإعلاميين الذين كانوا شركاء فى صناعة ٣٠ يونيو، لأنهم كانوا شهودًا على ما جرى، وبدأ فى سرد وقائع يعتقد أنها تصلح دليلًا على ما يقوله.
كنت أستمع إليه صامتًا تمامًا، أبدى تفهمًا لما يقوله، لكن ما قاله لم يكن مقنعًا بالنسبة لى على الإطلاق.
فمنذ البداية ولدىّ نظرية واضحة فى تفسير الأزمة التى وجد الإعلاميون أنفسهم فيها بعد ثورة ٣٠ يونيو، وهى النظرية التى أعتقد أن قاسم أو غيره لا يدركون أبعادها، وهى نظرية الفاعل السياسى والفاعل الإعلامى.
قبل ثورة يناير، وعندما كانت الأمور مستقرة تمامًا، كانت الأدوار محددة فى المجتمع، لدينا فاعل سياسى يتحدث ويُصدر القرارات ويواصل عمله الذى يسير خلفه الفاعل الإعلامى مؤيدًا أو معارضًا، رافضًا أو ناصحًا، لكل منهما دوره ومساحته التى لا يتخطاها.
بعد ٢٥ يناير وما أعقب أحداث ٢٠١١، حدث خلل كبير، وجدنا أنفسنا أمام حالة من الفراغ فى المجال العام، فقد اختفى تمامًا الفاعل السياسى، أو لنكن أكثر تحديدًا، وجد الفاعل السياسى نفسه فى حالة من الارتباك جره إليها الفرقاء السياسيون، الذين كان يعمل كل طرف منهم لمصلحته الخاصة.
ارتباك الفاعل السياسى أدى إلى أن يتقدم عليه الفاعل الإعلامى، وفجأة وجدنا أنفسنا أمام كيانات مستقلة يسير الشارع خلفها، فأصبح هناك كيان اسمه وائل الإبراشى، وكيان اسمه خيرى رمضان، وكيان اسمه لميس الحديدى، وكيان اسمه إبراهيم عيسى، وكيان اسمه عمرو أديب، وكيان اسمه يسرى فودة، وكيان اسمه ريم ماجد، كل واحد من هؤلاء كان يتعامل على أنه قادر على توجيه الشارع إلى حيث يريد، بل كان يرى أنه يمكن أن يطيح بحكومات، وأن يتحكم فيمن يحكم مصر.
زاد من هذا الشعور ما قام به الإعلام فى الفترة التى حكم فيها الإخوان مصر، فقد شن الإعلاميون هجومًا طاغيًا على الإخوان، وهو الهجوم الذى بدأ بعد أحداث الاتحادية فى ٥ ديسمبر ٢٠١٢، وقتها أدرك الإعلاميون أن الناس بدأوا فى مسيرة الغضب، ولذلك احتموا فيهم، وعندما سقطت الجماعة اعتقد الإعلاميون أنهم مَنْ أسقطوها.
بعد ٣٠ يونيو، وعندما بدأت خطوات خارطة الطريق تتوالى «كتابة الدستور، انتخابات رئاسية ثم انتخابات برلمانية»، بدأت الدولة تتشكل من جديد، بدأ الفاعل السياسى يسترد دوره ومكانه ومساحته، خاصة أن الرئيس الذى انتخبه المصريون كان قويًا يمتلك سمات الزعامة، وبدأت أجهزة الدولة السيادية تسترد عافيتها من جديد.
هنا بدأ الصراع، فالفاعل الإعلامى الذى تضخم دوره فى سنوات الفراغ العام يريد أن يحتفظ بمكانه ودوره وتأثيره، بينما الفاعل السياسى يريد للأمور أن تستقيم، وأن يكون الفاعل الإعلامى تابعًا، سواء بالموافقة أو حتى المعارضة، بشرط أن تكون هذه المعارضة فى صالح مشروع الدولة الكبير، وهو التنمية ومحاربة الإرهاب.
لم يفهم الإعلاميون الرسالة، وواصلوا عملهم على أنهم هم مَنْ يديرون البلد، وهو ما جعل العلاقة تتأزم، حاول الفاعل السياسى أن يستوعب الفاعل الإعلامى ويتفاهم معه، لكن الفاعل الإعلامى تمسك بما يعتقد أنه حقه، ليبدأ الصراع الناعم الذى قررت فيه الدولة أن يستقيم الميزان مرة أخرى، حتى لو خرج من المشهد الإعلامى من يعتقد الناس أنه لا أحد يقدر عليه.
كان مفزعًا للفاعل السياسى أنه وفى اليوم الذى يفتتح فيه مشروعًا كبيرًا للإسكان الاجتماعى، يخرج الفاعل الإعلامى ليتحدث عن السجادة الحمراء الطويلة التى مشى عليها رجال الدولة، ويترك المشروع وقيمته.
وكان مريبًا أن تعمل الحكومة فى محاولة لإنقاذ الوضع المتردى الهش تمامًا، فيخرج إعلامى ليتهم رجال الحكومة جميعًا بالفشل، وأنهم لا يفهمون شيئًا فى السياسة، وعليهم أن يتعلموا من الجميع، أو يرحلوا الآن وليس غدًا.
أشاعت هذه الروح السلبية و التى لا تعبر عن نقد حقيقىو حالة من الإحباط لدى رجال الدولة، الذين اعتبروا أن ما يقوم به الإعلام عملية هدم منظمة تمامًا، ولا بد من وقفة.
لم يتكبر الفاعل السياسى على الفاعل الإعلامى، بل حاول أن يتفاهم معه، أن يستمع منه، لكن يبدو أن هذا التواصل أدى إلى مزيد من سوء الفهم.
جلس رجال الدولة فى جلسات مطولة مع إعلاميين كبار، طلبًا للتعاون والمشاركة فى الوصول إلى صيغة معقولة، لكن بدا أن الإعلاميين يريدون أن يحتفظوا بما حصلوا عليه من مكاسب، وهى كثيرة.
فى واحدة من هذه الجلسات، كان الكاتب الكبير عبدالله السناوى يتحدث مع أحد المسئولين السياسيين فى الدولة.
قال له المسئول: يا أستاذ عبدالله أنت دائم الهجوم على المسئولين فى الدولة، تتهمهم أنهم عملوا على تفريغ المجال العام، وأنهم لا يفهمون فى السياسة، قل لنا على قرار نُصدره فنكون بذلك نفهم فى السياسة؟
لم يكن السؤال فيما أعتقد فخًا لعبدالله السناوى، بل أعتقد أنه كان محاولة لفهم ما يفكر فيه وما يطرحه فى مقالاته.
قال عبدالله: افرجوا عن مهدى عاكف؟
تعجب المسئول السياسى الكبير، وقال له: لو أفرجنا عن مهدى عاكف نكون بذلك نتصرف بشكل سياسى سليم؟
رد عبدالله بفوقيته المعروفة عنه: طبعًا.. الإفراج عن مهدى عاكف فيه بُعد إنسانى فهو رجل عجوز، ثم إنه سيساعد على هدوء الشارع المتوتر، فالإخوان الذين يتظاهرون فى الشوارع سيتراجعون كثيرًا، ثم إن هناك دولًا كثيرة تعقدت علاقاتها بمصر بسبب حبس الإخوان، ويمكن أن تحدث انفراجات فى الأزمة مع هذه الدول.
نظر المسئول السياسى إلى عبدالله السناوى، وقال- ربما ساخرًا هذه المرة: أنا عندى تصور آخر لقرار يمكن أن يكون أفضل سياسيًا، ما رأيك أن نفرج عن حسنى مبارك؟
أبدى عبدالله السناوى استياءه، وقال بعصبيته الظاهرة التى تعبر عن طيبة بالغة: مفيش فايدة أقول لكم قرار سياسى تقولون حسنى مبارك؟
استمهل المسئول السياسى عبدالله السناوى قليلًا، وقال له: أنا أرى أن الإفراج عن مبارك سيكون أفضل سياسيًا، فهو رجل كبير فى السن أيضًا، والإفراج عنه يمكن أن يكون له نفس البُعد الإنسانى، ثم إن هناك فئات كثيرة فى المجتمع المصرى غاضبة مما جرى له، ولا تنسَ أن هناك من يطلقون على أنفسهم أولاد مبارك، وهؤلاء سيكفون عن القلق، ثم إن هناك دولًا كثيرة أيضًا مستاءة مما جرى مع مبارك، والإفراج عنه يمكن أن يكون سببًا فى كسبها.
تساءل عبدالله السناوى: وهل تنوون الإفراج عن مبارك؟
فوضعه المسئول السياسى أمام الحقيقة المُرّة التى تعبر عن الصدمة فى كاتب ومفكر سياسى كبير، قال له: الأمر غير مطروح لا الإفراج عن مهدى عاكف ولا عن مبارك ولا عن غيرهما، فالأمر فى يد القضاء، ولن نتدخل فى ذلك.. لكننى أردت أن أقول لك إن السياسة التى تتحدث عنها وتقول إن أحدًا لا يفهمها يبدو أنها بضاعة راكدة ولا تصلح للواقع المصرى.
الأمر نفسه تكرر مع إبراهيم عيسى، الذى جلس مع نفس المسئول السياسى الكبير، وربما كانت جلسته على نفس الكرسى، إبراهيم تحدث كثيرًا دون انقطاع، عرض أفكاره وحلوله وآراءه فى المسئولين الذين لا علاقة لهم بالسياسة، دون أن يقدم حلًا عمليًا واحدًا.. وربما يكون هذا ما جعل المسئول السياسى الكبير لا يعلق على كلامه ولا يسأله فى شىء، بل تركه يخرج من الجلسة، بعد أن عرف أن النخبة الإعلامية فى مصر لا تملك شيئًا تقدمه.
لقد جعل الإعلاميون من أنفسهم خصومًا للدولة المصرية الجديدة، لا لشىء إلا لأنهم اعتقدوا أنهم شركاء فى صناعة ٣٠ يونيو، ولأنهم كذلك فلا بد أن يحصلوا على نصيبهم من الغنيمة، ولأنه لم تكن هناك غنائم، بل مغارم، لا بد أن يدفع كل مواطن نصيبه منها، فقد تحول الإعلاميون إلى سهام مصوبة إلى ظهر الوطن، وهو يحارب معركته ضد الإرهاب.
فى وصلة من الخلل السياسى والإعلامى تحدث عمرو أديب عن أن الإعلاميين لو تحالفوا مع الإخوان ما كان يمكن أن تقوم ثورة ٣٠ يونيو؟
الخلل عند عمرو أديب طبيعى جدًا، فهو على حالته تلك طوال الوقت، يقول الشىء وعكسه دائمًا، ينفعل فيقول ما يأتى على ذهنه دون أن يفكر فيه أو يحسب عواقبه، لكنه هذه المرة كان يحاول إرسال رسالة، أعتقد أنها يمكن أن تكون مخيفة، كان يعبر عن الفكرة الأساسية، وهى أن الإعلام وقف ضد الإخوان، ولا بد أن يحصل على الثمن، الذى يمكن أن يكون امتيازات معينة يعرفها هو ويجيد الحصول عليها.
كانت هذه سقطة كبيرة لإعلامى كبير، وأعتقد أنها لم تغفر له ولن تُغفر، فالوطن لا يمكن أن يتحول إلى سوق تحدد علاقتك بها بقدر مكاسبك منها أو خسائرك فيها، لكنها كانت تعبر فيما تعبر عن الفكرة الحاكمة للإعلاميين، الذين أرادوا أن يحتفظوا بأدوارهم دون الانتباه إلى أن الأوضاع تغيرت، وكان طبيعيًا أن يجرفهم التيار، ليس لأنهم يمثلون خطرًا على النظام، ولكن لأنهم أرادوا أن يكونوا شركاء فى الحكم، بعد أن يتخلوا عن أدوارهم التى تقتضيها أولويات المهنة التى يعملون فيها.
لم يكن الإعلاميون فى ثورة يونيو إلا فئة من فئات المجمتع، ويجب ألا يعتبر أحد أن ما قاموا به من دور مهم جدًا مِنّة على هذا البلد أو تَفضّلًا، فلو أنهم لم يقوموا به لكانوا أول ضحايا الإخوان الذين لم يكونوا يثقون فى أحد إلّا من ينتمى إليهم.
لقد أفسد هذا الصراع الحياة الإعلامية فى مصر، كسر جدار الثقة بين الدولة والإعلاميين.
الدولة تحارب الإرهاب وتبنى فى كل اتجاه، وتريد من الإعلام أن يكون معينًا لها لا معوقًا.
أعرف أن الدولة لا تريد مطبلاتية (إذا جاز التعبير)، بل أعرف أن المسئولين الكبار يحتقرون المطبلاتية ويبغضونهم تمامًا، وتحلم باليوم الذى تتخلص فيه منهم.
وأعرف أن المسئولين فى الدولة يحلمون بإعلاميين على قدر المسئولية، يعينون الدولة بالإشارة إلى ما تنجزه بقدر الإشارة إلى ما يقع من خلل بهدف إصلاحه، لا بهدف التشهير به وبها.
تعانى الدولة فيما تعانى أيضًا من الإعلاميين الذين لم يتم تأهيلهم بشكل كافٍ ليحملوا رسالة وطن ينهض، ورغم أنها تصبر، إلا أنها لا تصبر كثيرًا على من يضع الدولة فى حرج، أو فى مواجهة أزمات دبلوماسية مع دول أخرى، ولا يتحدث أحد هنا عن حرية الرأى، لأن ما يحدث ليس إلا خرابًا كاملًا، ولا أحد يرضى به.
هنا نأتى إلى النقطة المهمة جدًا، فلا يزال هناك من يأخذون على الرئيس عبدالفتاح السيسى قوله: يا بخت عبدالناصر بإعلامه، معتقدين أنه يريد إعلامًا تعبويًا يصفق طوال الوقت.
أعتقد، بما أعرفه، أن الرئيس لا يريد استنساخ إعلام عبدالناصر، لأنه يعرف جيدًا أنه لا يمكن لأحد أن يعود بعجلة الزمن إلى الوراء، ثم إنه تحدث عن المساحات الكبيرة التى كسبها الإعلام بعد ٢٥ يناير، ومن الصعب أن يعيده أحد إلى ما كان عليه، لكن هذا لا يعنى أبدًا أن يكون الإعلام نسخة مكررة من بعضه، يقول نفس الكلام.. هو يريد إعلامًا يبنى، والبناء لا يتم بالمدح فقط، ولكن بالنقد أيضًا، لكنه يريد نقدًا يستند إلى معلومات من أجل إصلاح المعوج، لا من أجل هدم المعبد على رأس الجميع.
يقول مَنْ لم يحصل على مكان فى سفينة الإعلام الجديدة أن الدولة لا تجيد التصرف فى الإعلام، وأغلب الظن أن الدولة ماضية فى البحث عن صيغة مناسبة لإصلاح الإعلام وإعادة ترتيبه، وهى المحاولة التى لم تنتهِ بالمناسبة، بل لا نزال فى انتظار الكثير من التغييرات والتحولات والمفاجآت.. وأغلب الظن أن ما جرى، واعتبره البعض ارتباكًا، كان محاولات لإصلاح العربة التى فسدت تمامًا، ولم تعد تصلح لشىء.
الإعلام فى مصر لا يحتاج إلى إصلاح.. بقدر ما يحتاج إلى هدم وإعادة بناء من جديد.. وهذا ما تدركه الدولة، وأعتقد أنها ماضية فيه مهما كانت التضحيات.