"طرابلس تشتعل".. الملشيات المسلحة بين ضبابية الوجود ومأسوية التأثير
تجددت العنف ظهر اليوم الجمعة، بين الفصائل المسلحة الليبية في الضواحي
الجنوبية والجنوبية الشرقية من العاصمة طرابلس.
وشارك في الاشتباكات قوات "اللواء السابع" القادمة من مدينة
"ترهونة" والمعروفة باسم "الكانيات" وقوات "لواء الصمود"
التي يقودها "صلاح بادي" القادمة من "مصراتة" من جهة، وتشكيلات
مسلحة تتبع حكومة الوفاق في طرابلس، أبرزها كتائب "ثوار طرابلس" و"غنيوة"
و"النواصي" و"قوة الردع الخاصة".
وفي بيانات الفصائل المسلحة المتعددة بحسب وكالات الأنباء، تبادلت الأطراف
الاتهامات حول المسؤول عن خرق الهدنة، وبدأ القتال الذي استخدمت فيه أسلحة متوسطة وثقيلة.
وتدور الاشتباكات بشكل أساسي في مناطق "طريق المطار" و"مشروع
الهضبة" و"خلة الفرجان" و"وادي الرببع" في الضواحي الجنوبية
وأطلق مسلحون ملثمون في طرابلس عملية عسكرية حملت اسم، "عملية بدر"، وقال
المسلحون في بيان مصور بُث اليوم الجمعة إن "عملية بدر تهدف الى طرد من وصفوهم
بالمجرمين والخوارج من طرابلس"، في إشارة للقوات القادمة من خارجها، وطالبوا هذه
القوات بالانسحاب من العاصمة كفرصة أخيرة، أو الوقوع في قبضة قوة حماية طرابلس.
مأساوية الوضع
من جهته، وصف المتحدث باسم جهاز الإسعاف والطوارئ "أسامة علي"
الوضع في مناطق الاشتباك بـ"المأساوي" في ظل استمرار القتال بكل أنواع الأسلحة
المتوفرة، ووجود مدنيين عالقين، وأكد "علي" لوكالة الأنباء الألمانية(دب
ا) قيامهم بإجلاء 25 عائلة من مناطق الاشتباك، ونقل 9 قتلى، اثنان منهم مدنيان، و14
جريحًا، 4 منهم مدنيون.
وقال "إن هذه الإحصائية أولية وتشمل ما قام به جهاز الإسعاف فقط
حتى مساء أمس الخميس، ولم تشمل الضحايا التي قامت جهات أخرى بنقلهم من محيط الاشتباكات".
وقال أحد سكان مشروع الهضبة "إحدى مناطق الاشتباك" لوكالة الأنباء
الألمانية: "إن بعض المدنيين العالقين لم يتمكنوا من الخروج بسبب تبادل اطلاق
النار الكثيف، وبعضهم يرغب في البقاء في منزله خشية قيام أعمال سلب ونهب للمنازل الموجودة
في محيط الاشتباك".
وكانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا قد حذرت جميع القوات التي تشن
هجمات من المناطق المكتظة بالسكان، وخصت بالذكر القوات التي يقودها صلاح بادي، وتلك
التي يقودها عبد الغني الككلي المعروف ب"غنيوة".
وذكرت البعثة في بيان لها من وقّع على اتفاق وقف إطلاق النار بوجوب الالتزام
به، مطالبة بالوقف الفوري لجميع أعمال العنف في طرابلس، ومحذرة من استهداف المدنيين
والمنشآت المدنية، ومهددة من وصفتهم بالعابثين بالملاحقة الجنائية الدولية.
ودعت البعثة المناطق العسكرية المكلفة بفض الاشتباكات إلى التدخل الفوري
في مناطق الاشتباك، ودعم فرق وقف إطلاق النار العاملة على الأرض.
وكانت الاشتباكات قد بدأت بين ذات الأطراف نهاية أغسطس الماضي وتوقفت
بعد التوصل لوقف إطلاق نار تم خرقه يوم الثلاثاء الماضي.
وأثرت الاشتباكات على الحياة العامة في طرابلس التي أغلقت فيها شوارع
عديدة وقلت فيها الحركة، حتى في المناطق البعيدة نسبيًا عن محيط الاشتباك، والتي تشهد
من حين لآخر سقوط قذائف عشوائية عليها.
تردي
الأوضاع المعيشي
وتعاني العاصمة الليبية من انقطاع مستمر للكهرباء يدوم لساعات طويلة ودخلت
في حالة الإظلام التام للكهرباء عِدة مرات منذ نشوب الاشتباكات، كان آخرها ليلة أمس
الخميس، ويستمر إغلاق المطار الوحيد العامل في طرابلس (مطار معيتيقة) بسبب سقوط القذائف
في محيطه، وكان آخرها إصابة شاحنة مخصصة لتزويد الطائرات بالوقود في المطار يوم أمس
الخميس.
وتأثرت الحظيرة النفطية في طرابلس بالاشتباكات الدائرة في محيطها، حيث
سقطت أمس الخميس قذائف على المبنى الإداري للحظيرة وأحد خزانات الغاز النفطي المسال،
نمأ أدى لاشتعال النيران فيهن قبل أن يتمكن رجال الإطفاء من إخمادها.
التكدس مطار
طرابلس تحت الحصار
ويذكر ان مطار مصراتة الليبي الصغير مكدس وبه العديد من العائلات بعد
أن أصبح آخر بوابة للخروج من البلاد والقدوم إليها إثر تسبب القتال في إغلاق آخر مطار
عامل في العاصمة طرابلس.
وحتى من يقفون في الصف الطويل بأمتعتهم يعتبروا محظوظين لأن هناك من يجلس
على الرصيف في انتظار فرصته للوقوف في الصف في حين استلقى أحدهم، متوسدا حقيبته، على
السير المتوقف الذي يستخدم لنقل الأمتعة.
ويذكر ان مطار مصراتة في شمال غرب ليبيا على ساحل البحر المتوسط يتعامل
مع ثلاث أو أربع رحلات يوميا حتى الشهر الماضي.
ويقول مسؤولون إن ذلك تسبب في تحويل الرحلات إلى مطار مصراتة ومنذ ذلك
الحين تكدس ما يصل إلى ستة آلاف مسافر في صالته الصغيرة لتقلهم عشرات الرحلات يوميا.
وقال سليمان الجهيمي المتحدث باسم المطار لوكالات الأنباء " أن مطار
مصراتة طبعا غير قادر على استيعاب هذا العدد من الرحلات" ، وفي قسم آخر من المبنى
ينتظر عشرات المهاجرين من دول أفريقية أخرى لطائرات تابعة للأمم المتحدة لتقلهم لأوطانهم
بعد أن أوقفوا في ليبيا لدى محاولتهم الوصول إلى أوروبا.
وفي موقع آخر من المطار ينتظر رجال أعمال بجوار عائلات عالقة ومسنين على
كراس متحركة إذ أن المدينة لا تضم إلا عددا محدودا من الغرف الفندقية فيما تتعرض الرحلات
الجوية بشكل متكرر للتأخير أو الإلغاء مما يضطر الكثيرين للانتظار لسبع ساعات أو أكثر.
وبخلاف مصراتة فالخيارات المتاحة هي مطار صغير للغاية في مدينة زوارة
في غرب البلاد بمحاذاة الحدود مع تونس ويستخدمه الدبلوماسيون في بعض الأحيان كما هناك
أيضا مطارات أقل ازدحاما في شرق ليبيا تديرها حكومة منافسة لتلك التي تدعمها الأمم
المتحدة في الغرب.
وتلك المطارات تقع على مسافات غير بعيدة من بعضها البعض على الساحل الليبي
بعيدا عن الصحراء في جنوب البلاد التي تشهد هي الأخرى فوضى ومعارك بين القبائل وبين
جماعات مسلحة أخرى مما أدى لإغلاق المطار في مدينة سبها الرئيسية في تلك المنطقة في
يناير2014.
وقال بشير حسن بعد إجهاد الرحلة الطويلة للوصول إلى مصراتة "عندنا
مأساة في الطريق... في المواصلات وفي الطيران... طبعا مفيش طيران في الجنوب لا لمصراتة
ولا لطرابلس" في إشارة إلى أنه اضطر للقيادة طوال الطريق وأضاف "عانيت معاناة
شديدة جدا".
تري ماذا سيحدث في القريب العاجل بعد تفاقم الظروف الإنسانية وتوسع الملشيات المسلحة في مواجهتها تارة مع بعضها البعض، وتارة مع القوات النظامية الليبية، وتارة أخري مع بعض القبائل المجاورة لها .