إعفاء اللحية.. تضارب الفتاوى هل يطلق العنان للضباط الملتحين؟
أصدرت دائرة التأديب بالمحكمة الإدارية العليا، أمس الأحد حكما بإلغاء قرار مجلس التأديب الاستئنافي بوزارة الداخلية رقم 57 لسنة 2014 بعزل عقيد شرطة من وظيفته، بسبب إطلاقه لحيته.
ويأتي الحكم رغم صدور حكم سابق في 2014؛ برفض الطعن المقام من الضابط محمد القزاز على قرار وزير الداخلية، بوقفه عن العمل لإطلاق لحيته.
واستندت المحكمة في حيثيات الحكم إلى أحكام الدستور والقانون وعدد من الأدلة الشرعية التي تجيز إطلاق اللحية، وقالت المحكمة: "إطلاق اللحية مختلف عليه في الشرعية الإسلامية، وفي حال اختلاف العلماء على حُكم شرعيٍّ مُعيَّن، يجب على كل مُسلمٍ أنْ يختار فيه مِن الاجتهادات الشَّرعيَّة للعلماء وأسانيدها ما يطمئن إليه قلبه وثوابته، دون أنْ يَضرَّ بصالح البِلاد أو العِباد أو حُرِّيَّاتهم، وبالمِثْل يحق للمُشرِّع في المُقابِل أيضًا حال اختلاف العلماء على حُكم شرعيٍّ مُعيَّن، أنْ يَضَعَ مِن النُّصوص القانونيَّة التي تتفق مع أرجح تِلك الآراء، بُغيَة تنظيم السُّلوك والمَظهر الخارجي والمَلبَس لفِئات محدَّدة مِن العامِلين المُنتسبين لمَرافِق إداريَّة مُعيَّنة بما يحقِّق الصًّالح العام للبلاد وللمِرفق معًا، طالما لا تخالِف صراحة أو ضِمْنًا أيًا مِن أركان الإسلام أو ثوابت أحكامه المُتَّفق عليها، وفي ظلِّ اعتِبار مبادئ الشَّريعة الإسلاميَّة مَصدرًا رئيسيًا للتَّشريع، على أنَّ يخضع ذلك كله للرِّقابة القضائيَّة".
السطور التالية تلقي الضوء على اختلاف العلماء في حكم إطلاق اللحية وتضارب الفتوى حول هذه القضية، وما إذا كان ذلك سبيلا لإطلاق العنان للضباط الملتحين مرة أخري.
دار الإفتاء تقبل وتتردد
بتاريخ 3 يونيه 2012 أصدرت دار الإفتاء المصرية الفتوى رقم 2316، أكدت فيها أن: "إعفاء اللحية وعدم حلقها مأثور عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد كان يهذبها ويأخذ من أطرافها وأعلاها بما يحسنها وتكون متناسبة مع الهيئة العامة، وكان يعتني بتنظيفها بغسلها بالماء وتخليلها وتمشيطها، ويستحب أن لا تزيد في الطول على مقدار قبضة اليد، كما يحصل إعفاؤها بمجرد إنبات شعرها، وقد تابع الصحابةُ رضوان الله عليهم الرسولَ عليه الصلاة والسلام فيما كان يفعله وما يختاره.
وقد وردت أحاديث نبوية شريفة ترغب في الإبقاء على اللحية والعناية بنظافتها؛ كالأحاديث المرغبة في السواك وقص الأظفار والشارب: فحمل بعض الفقهاء هذه الأحاديث على الوجوب، مع استحباب تهذيبها والأخذ منها بحيث لا تزيد على قبضة اليد كما ذكرنا، بينما ذهب بعضهم الآخر إلى أن الأمر الوارد في الأحاديث ليس للوجوب بل هو للندب، وعليه يكون إعفاء اللحية سنة يُثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، وللمسلم أن يتبع فيها ما تستحسنه بيئته ويألفه الناس ما لم يخالف نصًّا أو حكمًا غير مختلف فيه".
الشيخ جاد الحق: مأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم
وفي 11 أغسطس 1981 م، أصدرت دار الإفتاء فتوى للشيخ جاد الحق برقم مسلسل: 3282 قال فيها:
" إعفاء اللحية وعدم حلقها مأثور عن النبى صلى الله عليه وسلم ، وقد كان يهذبها ويأخذ من أطرافها وأعلاها بما يحسنها بحيث تكون متناسبة مع تقاسيم الوجه والهيئة العامة.
وقد كان يعنى بتنظيفها بغسلها بالماء وتخليلها وتمشيطها - وقد تابع الصحابة رضوان الله عليهم الرسول عليه الصلاة والسلام فيما كان يفعله وما يختاره - وقد وردت أحاديث نبوية شريفة ترغب فى الإبقاء على اللحية والعناية بنظافتها، كالأحاديث المرغبة فى السواك وقص الأظافر والشارب - وقد حمل بعض الفقهاء هذه الأحاديث على الأمر، وسماها كثير منهم سنة يثاب عليها فاعلها ولا يعاقب تاركها، ولا دليل لمن قال إن حلق اللحية حرام أو منكر إلا الأحاديث الخاصة بالأمر بإعفاء اللحية مخالفة للمجوس والمشركين، والأمر فى الأحاديث الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم كما يكون للوجوب يكون لمجرد الإرشاد إلى الأفضل ( زاد المسلم فيما اتفق عليه البخارى ومسلم وشرحه فتح المنعم ج 1 ص 178 و179 تعليقا على الحديث رقم 423 طبعة ثانية موسسة الحلبى ) والحق الذى ترشد إليه السنة الشريفة وآداب الإسلام فى الجملة أن أمر الملبس والمأكل وهيئة الإنسان الشخصية لا تدخل فى العبادات التى ينبغى على المسلم الالتزام فيها بما ورد فى شأنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، بل للمسلم أن يتبع فيها ما تستحسنه بيئته ويألفه الناس ويعتادونه ما لم يخالف نصا أو حكما غير مختلف عليه - وإعفاء اللحية أو حلقها من الأمور المختلف على حكم الأمر الوارد فيها بالإعفاء على ما تقدم، ولما كان السائل يقول إن والديه أمراه بحلق لحيته، وبألا يطيلها، ويتساءل هل حرام حلق اللحية إذ أنه يرغب فى إطلاق لحيته كسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لما كان ذلك كان السائل بين مخافتين أو محظورين، هما عصيان الوالدين وإيذاؤهما بهذا العصيان بإعفاء اللحية وإطالتها، وفى حلقها طاعة لهما مخالفة للسنة .
وإذ كانت مصاحبة الوالدين بالمعروف ثابتة بنص القرآن فى قوله تعالى { وإن جاهداك على أن تشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما فى الدنيا معروفا } لقمان 15 ، وبغير هذا من الآيات الكريمة فى القرآن وبالأحاديث الشريفة، وهذا من الأوامر الواجبة الاتباع قطعا، ولذلك كان إيذاء الوالدين بعصيان أوامرهما من الكبائر، إلا فى الشرك أو فيما يوازيه من الكبائر، وليس حلق اللحية من الكبائر، وإذ كان إطلاق اللحية أو حلقها من الأمور التى اختلف العلماء فى مدلول الأمر الوارد فى السنة فى شأنها، هل هو من باب الواجب أو السنة أو الندب.
إذ كان ذلك كان على السائل الالتزام بالأمر الوارد فى القرآن الكريم الثابت قطعا والذى يؤذى تركه إلى ارتكاب كبيرة من الكبائر هى إغضاب الوالدين وإيذاؤهما، بينما حلق اللحية ليس من المعاصى الثابتة قطعا، إذ إعفاؤها من السنن، والسنة تفسر بمعنى الطريقة كما تفسر بما يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها .
ولا شك أن الأولى تنفيذ الأمر بحسن الصحبة مع الوالدين، إلى أن يقنعهما برغبته فى إطلاق لحيته اتباعا للسنة أيا كان المقصود بها .
ووجه آخر ذلك أنه بافتراض تساوى حسن صحبة الوالدين، وإعفاء اللحية فى الحكم والثبوت، فقد تعارضت مفسدتان هما إغضاب الوالدين وإيذاؤهما بإعفاء اللحية وهذا الإيذاء من الكبائر، وحلق اللحية عمل مخالف للسنة - وقد نص الفقهاء على أنه إذا تعارضت مفسدتان روعى أعظمهما ضررا بارتكاب أخفهما - قال الزيلعى فى باب شروط الصلاة (ثم الأصل فى جنس هذه المسائل أن من ابتلى ببليتين وهما متساويتان يأخذ بأيهما شاء، وإن اختلفتا يختار أهونهما لأن مباشرة الحرام لا تجوز إلا للضرورة ) ( الأشباه والنظائر لابن نجيم فى القاعدة الخامسة - الضرر يزال، وفروعها ) ولا شك أن حلق اللحية أهون وأخف ضررا من إغضاب الوالدين وإيذائهما بإطلاقها، لأن إيذاء الوالدين بعصيانهما لا يكون إلا فى الشرك بالله وما يساويه، وحلق اللحية ليس من هذا القبيل فى الحكم والثبوت".
عطية صقر: واجب ولكن
كما أفتى الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر ـ رحمه الله ـ بأن الفقهاء اختلفوا في هذه المسألة وقال:
"هذه هي الآراء، ولكل مسلم أن يختار منها ما يطمئن إليه قلبه، وإن كنت أرى أن أدلة الطلب قوية وأن القول بالوجوب هو قول جمهور الفقهاء فهو أرجح، وعليه فمن أعفى لحيته يطمئن إلى ثوابه، ومن حلقها لا يجزم بعقابه".