بالأرقام.. جرائم حرق المساجد في ألمانيا
نشرت وحدة رصد اللغة الألمانية بمرصد الأزهر، اليوم الأربعاء، تقريرًا بشأن "حرق المساجد في ألمانيا".
وذكر المرصد، أن يد التطرف طالت مساجد المسلمين، قائلًا: "بالرجوع إلى السنوات الماضية، نجد أن عدد الهجمات التي استهدفت المساجد في ألمانيا منذ عام 2001 وحتى عام 2016 بلغ حوالي 416 هجومًا، تَرَكَّز أغلبها في الولايات الغربية، في حين بلغ عدد الهجمات في الولايات الشرقية 28 هجومًا في الفترة نفسها، بينما وقع 14 هجومًا في العاصمة "برلين".
وأضاف المرصد: "جزءٌ كبير من تلك الهجمات صنفتها السلطات بأن دوافعها يمينية متطرفة، وبعضها يعود إلى نزاعات بين تركيبات سكانية مختلفة، كما هو الحال بين الأكراد والأتراك، وأغلب الهجمات المُوَثَّقة مرّت دون عقاب وقليلٌ من المذنبين أُلقي القبض عليهم، وقد سجّل عام 2017 أكثر من 60 هجومًا على المساجد، من إجمالي 950 هجومًا تَعَرّض لها المسلمون في هذا العام بصفةٍ عامّة".
وبلغت مراحل التطرف والعنف المُوَجَّه ضد الإسلام والمسلمين أوجها، في الآونة الأخيرة من العام الجاري 2018، بعدما انتشرت أخبار التعدّي على المساجد والمؤسسات الإسلامية بالحرق والتخريب، حيث قام مجهولون بتلطيخ جدار مسجدٍ تركي في كاسل(Kassel) بالطلاء، وفي مدينة مندن (Menden) قام مجهولون بتحطيم زجاج مَقَرّ جمعية "ديتيب" (DITIB) الإسلامية التركية، وتلطيخ جدران أحد مساجد الجمعية في مدينة لايبزيغ (Leipzig)بمواد الطلاء.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل وصل إلى محاولة إحراق المساجد برمي المواد المشتعلة عليها وتهشيم بعض نوافذها، إذ قام مجهولون بإلقاءِ مَوَادَّ حارقةٍ في وقتٍ واحد تقريبًا ليلة الأحد على مسجدٍ بالعاصمة برلين (Berlin)، ومبنى آخَر تابع لجمعية الصداقة الألمانية التركية في مدينة "مشده"(Mish Da) بولاية شمال الراين فيستفاليا (Nordrhein-Westfalen ) غرب ألمانيا، وقالت الشرطة الألمانية: إن مسجدًا وناديًا ثقافيًّا تركيًّا في برلين (Berlin)، قد تَعَرّضا للإحراق عمدًا يوم الأحد 11 مارس 2018.
وعن الحادث، صرّحت شرطة برلين(Berlin) بأنه "وَفْقًا للمعلومات الحاليّة، نفترض أنها جنايةٌ بدوافعَ سياسية"، موضِّحةً أن شهودَ عِيانٍ ذكروا أنهم سمعوا أصواتًا في المسجد، وشاهدوا ثلاثة شباب يهربون، وأضافت الشرطة: أن لوحًا من زجاج نافذة المسجد تَحَطَّم، واحترقت القاعة الرئيسة بالمسجد، مما استدعى تعليق عمدة برلين (Berlin) السيد "ميشائيل موللر"، الذي أدان الهجوم بشدّةٍ، واصفًا إيّاه "بالعمل غير المقبول".
وفي مدينة "إتسهويه"(Itzehoe) في ولاية شليسفيغ هولشتاين (Schleswig-Holstein) بشمال ألمانيا، قام مجهولون بتحطيم شبابيك أحد المساجد وإضرام النيران في محلٍّ تركيٍّ تابعٍ للمسجد لبيع الخضراوات، حسبما أوردت وكالة الأنباء الألمانية.
كما قام آخرون بإلقاءِ موادَّ حارقةٍ في مسجدٍ بمدينة لاوفن (Laufen)بالقرب من هايلبرون (Heilbronn) في ولاية بادن فورتمبرغ (Baden-Württemberg) جنوبي ألمانيا، بحسب بيانٍ مشترَكٍ لمكتب مُدَّعي عامّ شتوتغارت (Stuttgart) وشرطة هايلبرون(Heilbronn).
واستطاع إمام مسجد لاوفن (Laufen)، الذي كان موجودًا به إطفاءَ ألسنة الحريق بنفسه، وقدّرت الشرطة الأضرار التي نتجت عن هذا الحريق بخمسة آلاف يورو، وقد أدانت الجالية التركية في ألمانيا يوم السبت هذا العمل، واعتبرته "جريمةً غيرَ إنسانية" و"عملًا إرهابيًّا لا يُهَدِّد البشر بشكلٍ مباشر فحسب، بل يُقَوِّض أسس المجتمع".
وطالَبَ الاتحاد الإسلامي التركي للشئون الدينية في ألمانيا "ديتيب" (DITIB)، الدولةَ والسلطاتِ الأمنيّةَ في ألمانيا بتوفير الحماية للمساجد، مؤكّدًا أن الهجماتِ على المسلمين والمؤسسات الإسلامية لم تَعُدْ أمرًا يخصّ البلديّاتِ فقط، بل يجب أن يحظى باهتمام المؤسسات الاتحادية، وكشف اتحاد "ديتيب" (DITIB) أن الهجوم الأخير على المسجد في برلين (Berlin) هو الثامنَ عشرَ من نوعه، خلال فترةٍ لا تتجاوز الشهرين.
وألقت السلطات الألمانية مؤخّرًا القبض على أربعة لاجئين سوريين، تتراوح أعمارهم بين الثامنةَ عشرَ والسابعة والعشرين، بعد صدور أمرٍ من الادعاء العامّ الألماني بمدينة شتوتغارت (Stuttgart) باعتقالهم؛ للاشتباه في تورطهم في حريقٍ متعمَّد بمسجدٍ تركيٍّ في مدينة أولم (Ulm)جنوبي ألمانيا، كما أوضح الادعاء والشرطة في مدينة "أولم" أنه سيتم التحقيق مع المشتبه بهم، بتهمة الشروع في القتل ومحاولة إضرام حريق بشكل متعمد.
من متابعة أخبار هذه الحوادث المؤسفة يتبين أن بعضها له عَلاقة بالصراع التركي الكردي، وأن هذا الصراع قد انتقل إلى ألمانيا، متخذًا شكلًا من أشكال العنف غير المقبول، حيث تعتقد شرطة ولاية هيسن (Hessen) أن لذلك عَلاقةً وطيدةً بالهجوم التركي على عفرين.
وبحسب المرصد، فإن بداية الشرارة كانت عبارة عن مظاهرات قامت في أرجاء ألمانيا، اعتراضًا على التدخل العسكري من دولة تركيا في عفرين، حيث تَظاهَر آلاف الأكراد في ألمانيا ضد العدوان التركي على منطقة عفرين شمال سوريا، والتي تستهدف المواطنين الأكراد، وحمَل المتظاهرون أعلام المقاومة الكردية مندّدين بصمت المجتمع الدولي تُجاهَ أفعال الرئيس التركي العدوانية، والتي تستهدف الأكراد في العراق وسوريا، واعتصم المتظاهرون أمام برلمان ولاية بريمن (Bremen) وقاموا بتوزيع منشوراتٍ تُنَدِّد بالعدوان التركي، وتدعو الجالياتُ الكردية لفعالياتٍ ومظاهراتٍ جديدة.
وليس الأمر بالجديد فقد توقعت الشرطة الألمانية في شهر يناير الماضي، أن يحتشد أكثر من 20 ألف كرديّ من جميع أنحاء ألمانيا في مدينة كولونيا (Köln)، للتظاهر احتجاجًا على العملية العسكرية التركية الجارية وقتها في عفرين، وحذّرت الشرطة الألمانية من إمكانية وقوع اشتباكاتٍ بين أكرادٍ وأتراكٍ في التَّظاهُرَة.
وفي برلين (Berlin) خرج نشطاء أكراد ومؤيدون لهم في تظاهرة وسط العاصمة الألمانية؛ احتجاجًا على العملية العسكرية التركية، شارَكَ فيها أكرادٌ من جميع أنحاء ألمانيا، وكذلك أعضاء مؤسساتٍ مناهضةٍ للحرب وأخرى معنية بحقوق الإنسان، وطالبوا باتخاذ إجراءات سياسية ودبلوماسية واقتصادية فورية وحاسمة من قِبَل ألمانيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوربي وحلف الناتو (Nato) ضد تركيا.
ومع المظاهرات والتنديدات والخروج الجماعي شهد مطار دوسلدورف (Düsseldorf) الألماني أحداث شغب بين متظاهرين أتراك وآخرين أكراد –كما توقعت الشرطة الألمانية– في مظاهرةٍ غيرِ مُصَرَّحٍ بها، تأتي في إطار سلسلة المظاهرات التي بدأها الأكراد في ألمانيا، وأسفرت عن إصابات عديدة، ثم تطور الأمر بعدها لدرجة الاعتداء على بعض المساجد التركية داخل ألمانيا.
هذا، وتشهد ألمانيا حالة استنفار وتأهب أمني في مختلف المدن الألمانية؛ لمواجهة مسلسل العنف وسلسلة إحراق المساجد التركية في ألمانيا، ولا يزال "مرصد الأزهر" يتابع من خلال وحدة اللغة الألمانية مستجدّات الأمور أوّلًا بأوّلٍ، ويترقّب كشْفَ هُوِيَّة الجناة.
وثمن "مرصد الأزهر"، تَوَقُّعاتِ الشرطة الألمانية لتلك التظاهرات قبل أنْ تَتَّقِدَ جذْوتُها، والتي أتت أحداث الهجوم على بعض المساجد بسببها، كما حيي مساعيَ الحكومة الألمانية الجادّة لاكتشاف هُوِيَّة الجناة ممن قاموا بالاعتداء على المساجد بالحرق والتخريب، إلا أنه كان ينبغي اتخاذ مزيد من الإجراءات الوقائية لحماية المساجد.
وأدان المرصد هذه الأفعالَ الإجراميّةَ من تَعَدٍّ على المسلمين ومؤسساتهم، وحرق وتخريب دُور العبادة الخاصّة بهم أَشَدَّ الإدانة، خاصّةً وأن الأحداث الجارية ليست الأولى من نوعها، كما أكد ضرورة تنحية الخلافات السياسية جانبًا، وعدم إقحام دُور العبادة سواء الإسلامية أو غير الإسلامية في أيّ خلافات سياسية أو عداءات طائفية أو عنصرية، فذلك من شأنه إذكاء رُوح الفتنة والحروب الأهلية، وتخريب كل مجتمع متماسك، ويَحول دون أيّ محاولة للاندماج والعَيش المشترَك؛ لذا يجب الانتباه مبكّرًا إلى خطورة الأحداث الإجرامية من هذا النوع.