"الصواعق الإلهية فى الرد على الوهابية" "1"
بمجرد أن نكشف عن شخصية مؤلف الكتاب سيتضح لنا مباشرة أهمية هذا الكتاب فهو من الكتب النادرة التى يُعتبر فيها اسم المُؤَلِف ويكتسب أهميته منه بغض النظر عن المحتوى، والقيمة العلمية الموجودة بين دفتيه، فمؤلفه فقيه حنبلي معروف بإتقانه للمذهب، وقاض مشهور في تاريخ القضاء وبين القضاة في الجزيرة العربية، إنه قاضى مدينة "حريملاء" الفقيه الحنبلي سليمان بن عبدالوهاب الأخ والشقيق الأكبر للشيخ محمد بن عبد الوهاب صاحب المذهب الوهابى المعروف، والمعارض الأكبر أيضاً لمذهب أخيه محمد بن عبد الوهاب، والمكافح ضده، والمشنع عليه وعلى أتباعه، والمقاتل والمحارب له فقهياً، وفكرياً؛ لذا كان مطلوباً من قبلها حياً أو ميتاً فلما تمكنت القوات الموالية لأخية من مدينة "حريملاء", وانتصرت عليها، ودخلتها سنة 1168هجرية، هرب الشيخ سليمان إلى بلدة "سدير" حتى استطاع أخوه " الشيخ محمد بن عبدالوهاب"، وقواته الموالية له من السيطرة على الجزيرة العربية، فأرسل من قاده إليه هو وبقية أهله، وقد ثق "ابن غنام" مؤرخ الحركة الوهابية فى كتابه المشهور "الإفهام" هذا الخلاف بين الشيخ وبين أخيه محمد بن عبد الوهاب، يقول عبد الرحمن بن صالح آل بسام فى كتابه "علماء نجد خلال ثمانية قرون": والشيخ سليمان كان مخالفا لاخيه، ولدعوته، ومعادٍ لها، وراد عليها، وكان حين ولاية الإمام محمد بن سعود قاضى "حريملاء" وكان مسموع الكلمة اعترف معاصروه له بسعة علمه وتبحره فيه وكان مرجعاً للعامة مجاباً عند الأمراء مهاباً.
ويُشير "ابن بشر" مؤرخ الحركة الوهابية إلى أن الشيخ سليمان اُكره على المجئ للعيينة (مكان حكم ابن عبدالوهاب واتباعه) فيقول فى كتابه "عنوان المجد" ضمن حوادث 1190هجرية: وفيه وفد أهل منيخ على الشيخ محمد بن عبد الوهاب، والإمام عبدالعزيز بن سعود، ومعهم سليمان بن عبدالوهاب، استقدمه أخوه الشيخ محمد بن عبدالوهاب، والأمير "عبدالعزيز" وأسكنه هو، وأهله في الدرعية، وجميع ما ينوبه ويعتازه من النفقة حتى توفاه الله سبحانه وتعالى"
سبب تأليف الكتاب
ألف الشيخ "سليمان ابن عبدالوهاب" الكتاب بناءً على رسالة، أو رسائل كثيرة كتبها له شخص يُدعى "حسن بن عيدان" يستفزه للرد عليه يظهر هذا من تعبير الشيخ سليمان فى أول الكتاب موجهاً حديثه لهذا الشخص: "وأنت كتبت إلىّ كثيرا..على لسان ابن أخيك"، وحسن ابن عيدان هذا شخص غير معروف، والظاهر أنه من المتعصبين للدعوة الوهابية، لكن ذكر اسمه يدل على أهمية مكانة الرجل، وبدأ الشيخ سليمان بن عبد الوهاب حديثه له بقوله "والسلام على من اتبع الهدى" يدل على يأس الشيخ من هدايته ويثبت كونه متعصباً لدعوة أخيه الشيخ محمد بن عبدالوهاب.
والكتاب طُبع بعدة أسماء أخرى مثل: "فصل الخطاب فى مذهب ابن عبد الوهاب" أو في الرد على مذهب محمد بن عبد الوهاب وذكر باسم "حجة فصل الخطاب من كتاب رب الأرباب وحديث رسول الملك الوهاب وكلام أولى الألباب في إبطال مذهب محمد بن عبد الوهاب"، وذكره الزركلى باسم "الرد على من كفر المسلمين بسبب النذر لغير الله" وطبع الكتاب بمطبعة نخبة الاخبار بالهند سنة 1306هجرية ثم طبع بمصر وتركيا ودول أخرى كثيرة.
وهابية الأمس وداعشية اليوم
بالاضافة لأهمية شخص المؤلف كما ذكرنا، فالكتاب أول رد علمي قوي كُتب من واقع الحدث، وعن قرب، وأول من وثق تكفيرهم للمسلمين، وحكمهم على عوامهم بالكفر، وكفر من لم يكفرهم، فالكتاب يحتوى على علم غزير، وتحقيق عميق وحجة بالغة ولكونه واحداً من علماء المذهب الحنبلي استطاع أن يفضح دعاواهم ويظهر مخالفتهم للمذهب الحنبلي ولعلمائه فقهاً وعقيدة وكونه معاصرا وشقيقا لصاحب هذه الدعوة فهو أجدر من يحكم عليهم.
لذا حذر كبار العلماء والكتاب الموالين للحركة الوهابية فى العصر الحديث من هذا الكتاب فيقول مثلاً "مشهور حسن" فى كتابه "كتب حذر منها العلماء" الجزء الأول ص 271 ما نصه: "لقد كان لهذا الكتاب أثرا سلبيا كبيرا إذ نكص بسببه أهل "حريملاء" عن اتباع الدعوة السلفية ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تجاوزت آثار الكتاب إلى العيينة فارتاب وشك بعض من يدعي العلم في صدق هذه الدعوة وصحتها" .
وهذا يعنى أن أثر الكتاب مازال ممتداً ليومنا هذا بدءًا من متعصبى الوهابية وانتهاء بالمغالين من داعش.
مزايا الكتاب
يمكن إجمال مزيا هذا فى النقاط الآتية :
1- موضوعية البحث، وعلميته والمعالجة للأفكار من جذورها.
2- المنهج السلفي في المناقشة، وهو المنهج الناجع مع أصحاب هذه الأفكار إذ يعتمد على الآيات، والأحاديث الصحيحة، وكلام أهل العلم مع مناقشة فهمهم لكل هذه الأشياء.
3- عند الاستدلال بكلام العلماء يقدم كلام ابن تيمية وابن القيم لأنهما يمثلان مرجعية هذه الحركة.
4- بيان خطأ قولهم بتكفير المسلمين وتكفير من لم يكفرهم.
يتبع