البطريرك مار أغناطيوس يحتفل برتبة درب الصليب في كنيسة عذراء فاتيما
احتفل البطريرك مار أغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي، برتبة درب الصليب في يوم الجمعة من الأسبوع الثالث من زمن الصوم الكبير لهذا العام، والتي تُقام أيّام الجمعة من أسابيع الصوم الكبير، وذلك في كنيسة عذراء فاتيما، دمشق - سوريا.
شارك في الرتبة مار يوحنّا جهاد بطّاح رئيس أساقفة دمشق، والخوراسقف جوزف شمعي المدبّر البطريركي لأبرشية الحسكة ونصيبين، والمونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، وكاهنا الرعية الخوراسقف عامر قصّار والمونسنيور جان حايك، والمونسنيور اسكندر الترك كاهن رعية حماة، وجموع غفيرة من المؤمنين من أبناء الرعية.
خلال الرتبة، طاف غبطته داخل الكنيسة متأمّلاً بمراحل درب الصليب، فيما تلا المؤمنون الترانيم العذبة الخاصة بهذه الرتبة بلحن الآلام.
ثمّ ألقى غبطة البطريرك عظة روحية استهلّها بصلاة بالسريانية يتلوها المحتفل في بداية أسبوع الآلام: "أهّلنا أيّها الله أن نتألّم بآلامك من أجلنا، وأن نتشبّه بتواضعك في سبيلنا"، منوّهاً إلى أنّ "رتبة درب الصليب هي بعد القداس الإلهي من أهمّ وأجمل الرتب الروحية التي يتمنّى ويحبّ ويتوق المؤمنون أن يشاركوا فيها، لأنّها تذكّرهم وتجعلهم يعيشون تماماً درب صليب الرب يسوع، درب آلامه، الدرب الذي قاده إلى الصليب والموت، ومن ثمّ القيامة، وبصليبه وموته وقيامته حقّق لنا الخلاص".
ولفت غبطته إلى أنّ "رتبة درب الصليب تعود إلى الأجيال الأولى، على يد حجّاج للأرض المقدسة، كانوا يذهبون من الشرق ومن الغرب للحجّ في القدس وقبر الخلاص، وهم يتأمّلون بآلام الرب يسوع ومسيرته حاملاً الصليب إلى الجلجلة. والكنيسة شيئاً فشيئاً وضعت هذه الرتبة بدايةً في الكنيسة الغربية، وعنها أخذناها نحن الشرقيين، لأنّ هذه الرتبة حقيقةً تعني الكثير للمؤمنين، وتجعلهم يشاركون في سرّ فدائنا الذي تمّمه الرب يسوع".
ونوّه غبطته إلى أنّنا "جئنا إلى دمشق كي نشارك في مؤتمر عنوانه: الكنيسة بيت للمحبّة، دعي إليه الأساقفة وبعض الكهنة ومؤمنون من مختلف الأبرشيات الكاثوليكية في سوريا، قرابة ٢٠٠ شخصاً، وحضره أيضاً ممثّلون عن منظّمات مسيحية كاثوليكية من الغرب، جاؤوا كي يعاينوا ماذا حدث لسوريا في هذه السنوات الإجرامية البشعة. ففي ١٥ آذار كانت الذكرى المشؤومة الحادية عشرة لهذه الحرب التي يسمّيها البعض حرب التكفيريين وحرب الدول المستقوية على سوريا، والتي، ورغم كلّ نقائصنا البشرية، كانت تتّجه نحو التنمية، وخاصّةً نحو نشر ثقافة قبول الآخر كآخر، دون أن تُفرَض عليه عقائد دينية وأفكار تكفيرية لأنّه لا يؤمن أو لا يعتنق ديانة الأغلبية".
وأشار غبطته إلى أنّنا "لا نريد أن نطيل الكلام عن هذا الوضع لأنّكم عشتموه ولا تزالون تعيشونه، أيّها الأحبّاء، ولا نريد أن نتكلّم بالنظريات ونعطي النصائح والتوجيهات وأنتم تعيشون هذه الآلام، أكان المجاعة أو الفقر أو الحاجات المادّية والمعنوية، فضلاً عن النقص بالعمل، والضياع لدى الشباب الذين يعيشون القلق تجاه المستقبل، وكذلك التأخير في الحلّ المطلوب لسوريا الحبيبة التي عانت الكثير في السنوات الماضية".
وتابع غبطته: "جئنا كي نصلّي ونتأمّل معكم بهذا السرّ العجيب، سرّ آلام يسوع وموته على الصليب طوعاً، لأنّه هو الذي ارتضى أن يقدّم ذاته على الصليب. كان يسوع يستطيع أن يخلّص ذاته، فقد اجترح العجائب الكثيرة، وعندما وجد ضرورةً، استطاع مقاومة أكبر أعدائه، أكان الوالي، أو رئيس الكهنة، أو الملك هيرودس".
وأردف غبطته: "جئنا كي نصلّي معكم ونشجّعكم بحضورنا، ونقول لكم بأنّ آلامكم آلامنا، والقلق الذي تعيشونه هو القلق فينا، واليأس الذي يعيشه شبابنا هو أيضاً شعورنا. كفى سوريا هذه العذابات! نسأل الرب أن يستطيع المؤمنون، وبشكل خاص أن يقتنع أولادنا وشبابنا أنّ الرب معهم ويقوّيهم ويفتح لهم طريق المستقبل للعيش الكريم الذي يساهم في نهضة سوريا وبنائها وعمرانها من جديد".
وتوجّه غبطته نحو المؤمنين بالقول: "سنبقى نفكّر بكم ونصلّي من أجلكم، وسنبقى منفتحين على المشاريع التي تقدّمونها ويقدّمها الشباب وأصحاب المهن وسواهم، كي نستطيع أن نبقى متجذّرين في تراب هذه الأرض التي تعذّبت كثيراً".
واعتبر غبطته أنّه "طبعاً لا يمكننا أن نأمركم أو نشير عليكم بضرورة اختيار الطريق الذي ترونه الأنسب، لكن نذكّركم بأنّ آباءنا وأجدادنا عانوا الكثير على مرّ العصور. لذا سنتّكل على الرب، ومع الكنيسة ويداً بيد سنظلّ نقاوم ونصمد، لأنّ هذا البلد الذي أحببناه وفيه نشأنا لا يجب أن يضيع أو يستسلم لأيدي الظالمين والتكفيريين الذين أُعمِيَت عيونهم ولم يعودوا يعرفون الحقّ".
وختم غبطته موعظته ضارعاً إلى الرب يسوع، طالباً منه النعمة والبركة، وسائلاً شفاعة "أمّنا مريم العذراء، عذراء فاتيما، التي ظهرت قبل أكثر من مئة سنة للأطفال في مدينة فاتيما بالبرتغال، وأخبرَتْهم أنّ الكنيسة ستمرّ بأزمات كثيرة وبآلام عديدة، فلا يجب أن ييأسوا، بل أن يصلّوا من أجل ارتداد الخطأة، ومن أجل الحفاظ على كنيسة الرب يسوع. ونحن سنظلّ نقول للعالم بأسره بأنّ ما حصل في سوريا هو ظلم وعدوان ونفاق، لأنّ سوريا تستحقّ أن تعيش بكرامة وبوحدة المواطنين وبدستور مدني يحفظ حرّية الجميع والمساواة فيما بينهم".