«سأسميه عبقرية أم كلثوم».. حكايات كتاب العقاد عن كوكب الشرق
تحدث المهندس فكري صالح مؤلف كتاب "5 شارع أبو الفدا" عن علاقة المفكر الكبير عباس محمود العقاد بأم كلثوم:" كان والدي يصطحبني معه وأنا صغير في أوائل الستينيات لندوات عملاق الأدب العربي عباس محمود العقاد التي كانت تعقد بعد الظهر من كل يوم جمعة في منزله في مصر الجديدة وكانت مفتوحة لأي حد يرغب في حضورها.
ويكمل:" كانت في حجرة كبيرة من شقته على اليمين من الباب الرئيسي لمدخل الشقة، كانت فيها كراسي كثيرة في صفوف، والعقاد كان يجلس على كرسي بملابس منزلية بسيطة أمام الحاضرين، كنت قبل بدء الندوة وأثناء وصول الناس أسمع صوت "الست" من على تسجيل في منزله".
ويواصل:" كان العقاد في حالة انسجام ملحوظة، خصوصًا لو صادف يوم الجمعة ثاني يوم بعد حفلة أم كلثوم التي كانت تذاع الخميس الأول من كل شهر، كان عنده رجل يقوم على خدمته ويقدم للحاضرين خلال الندوة مشروبات مثل شاي وقهوة وعصير برتقال ولا أذكر المشروبات الأخرى وكان عدد الحاضرين لا يقل عن ثلاثين شخصًا وكنت أنا أصغر واحد فيهم ولم أجرؤ على الكلام".
ويتابع: كان يحضر بعض المفكرين الأجانب كذلك لأنه كان يتقن اللغة الإنجليزية ولغات أخرى، وكانت بعض كتبه قد ترجمت للغات أجنبية كانت له قدرة وثقافة وعلم كبير أي شخص من الحاضرين كان يسأله في أي موضوع أدبي أو ثقافي أو علمي.
وكان يرد بطلاقة ودقة فائقة يقال إنه كان مريضًا ذات يوم وعندما جاء الطبيب شرح له العقاد تشخيص دقيق لمرضه وطرق العلاج المختلفة واسم الدواء، تعجب الطبيب وعلم أن العقاد كان يقرأ الكتب التي تدرس في الطب والعلوم وغيرها ويهضمها تمامًا.
يستطرد:" كان معروفًا أن كتاباته وأشعاره على مستوى عالٍ يصعب على الغالبية فهمها، وفي مرة سأله أحد الحاضرين لماذا لا ينزل بمستواه ويكتب شعرًا وكتبًا ومقالات سهلة للفهم على مستوى الشعب فقال: ولماذا لا يرفع القراء مستواهم الفكري ليفهموا ما أكتب؟، وسأله رجل في ندوة عن رأيه في أم كلثوم فقال العقاد: أم كلثوم هي بدون شك معجزة إلهية وهبها الله لمصر، الإعجاز هنا ليس فقط في صوتها وأدائها وفنها، بل هو في شخصيتها وذكائها الخارق، لم يجد الزمان بمثلها من قبل ولن يجود بمثلها في المستقبل، بالرغم من اختلافي مع أحمد شوقي في أشياء كثيرة إلا أنني أتفق معه في وصف أم كلثوم في قصيدته (سلوا كؤوس الطلا)".
ويواصل:"سأله نفس الرجل هل كان يفكر في عمل كتاب عن أم كلثوم وإذا كان ذلك فماذا كان يفكر، في عنوان أو اسم لهذا الكتاب، قال العقاد، نعم أنوي وتحدثت مع أم كلثوم، واقترحت عليها أن أسمي الكتاب عبقرية أم كلثوم، هى رفضت الاسم احترامًا للعبقريات الأخرى التي كتبت عنها، وهذا يدل على ذكائها وأصالتها، ربما سوف أسمّيه أم كلثوم العبقرية، أو أم كلثوم المعجزة، وتوفى العقاد بعد ذلك بزمن قليل".
ولم يكتب هذا الكتاب، كتب قصيدة شعر رائعة للترحيب بعودة السيدة أم كلثوم من رحلة للعلاج في الخارج، وألقاها في الاحتفال الكبير بعودتها من هذه الرحلة الذي أقيم في معهد الموسيقى العربية يوم ١٩ نوفمبر سنة ١٩٤٩، والذي حضره الأمراء وكبار الشخصيات السياسية والأدبية والموسيقية في مصر وسائر الدول العربية وسفراء الدول الأجنبية القصيدة طويلة ونشرتها من قبل وتبدأ بهذه الأبيات:
هلل الشرق بالدعاء
كوكب الشرق في السماء
عاد في حلة الضياء
وفي هالة البهاء
أم كلثوم يا بشيرًا من الله بالرجاء
أنت من وحيه ولله في الفن أنبياء
ذلك الصوت صوتك العذب من عرشه نداء
فيه سر من جنة الخلد لكنه ضياء.