في ذكرى ميلاده.. كواليس اللقاء الأول بين حافظ إبراهيم وأمير الشعراء
«أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ .. فَهَل سَأَلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي .. فَيا وَيحَكُم أَبلى وَتَبلى مَحاسِني .. وَمِنكُم وَإِن عَزَّ الدَواءُ أَساتي».. لعل هذه الأبيات التي قيلت من أجمل الأشعار التي نظمت في وصف ومديح لغة الضاد، اللغة العربية، والتي كتبها شاعر النيل حافظ إبراهيم، والذي ولد في مثل هذا اليوم بمدينة ديروط بمحافظة أسيوط في العام 1872، لأب مصري وأم تركية.
عاش شاعر النيل حافظ إبراهيم، طفولة غامضة لم يخض في كتابتها، وإنما حدث عنها أصدقائه من الشعراء، محمد البابلي، ومحمد العبد والبشري، هؤلاء الأصدقاء عرفوا الكثير عن طفولة حافظ إبراهيم، لكنهم لم يدونوها، بل كتموها خشية أن يحط هذا من قدره، خاصة وأنه ولد لأسرة فقيرة، فقد مات والده وتركه في كنف خاله والذي لم يحسن رعايته وكان شديد القسوة عليه، حتى أنه كان دائم التهديد لحافظ إبراهيم بإيداعه دار الأيتام، مما ترك أثرًا سيئًا عليه، فما كان منه إلا أن فرَّ هاربًا من خاله إلى أقارب له في طنطا.
ومن الطرائف في حياة شاعر النيل حافظ إبراهيم، أنه عمل بالمحاماة دون أن يدرسها، فقد كان الاشتغال بالمحاماة لا يحتاج إلى مؤهل دراسي، بل كل ما احتاجه حافظ إبراهيم، للعمل بها فصاحة اللسان والبراعة في إقناع موكله بحقه قبل براعته في إقناع القاضي، وكان هذا في العام 1898، إلا أنه سرعان ما أنصرف عن مهنة المحاماة إثر خسارته لإحدى قضاياه، مما دفع موكله بتهديده بالقتل إذا ما رأه في مدينة طنطا بعد هذه الواقعة.
بداية موهبته الشعرية
عقب فراره من طنطا، التحق حافظ إبراهيم، ضابطًا في الجيش، وهنا بدأت موهبته الشعرية في الظهور، إلا أنه سرعان ما فُصِلَ أيضًا بسبب الشعر، نظرا لأن قصائده أثارت الاستعمار البريطاني، خاصة بعدما زعموا أنه يجتمع سرًا مع زعماء الحركة العرابية العائدين من المنفى، أمثال الشاعر الثائر محمود سامي البارودي، والذي نصحه قبل فصله من الجيش بالامتناع عن زيارته، لا لشيء سوى أن البارودي كان مراقبًا من قبل المعتمد البريطاني وجواسيسه، وكل من يزوره يوضع اسمه في القائمة السوداء، وكل ما يتبع هذا من اضطهاد ونفي وتشريد، لكن الآوان قد فات، فقد فُصِلَ حافظ إبراهيم من الجيش على خلفية قصيدته التي قال في مطلعها: "قَد مَرَّ عامٌ يا سُعادُ وَعامُ.. وَاِبنُ الكِنانَةِ في حِماهُ يُضامُ".
أول لقاء بين أمير الشعراء وشاعر النيل
يحكي حافظ إبراهيم، كواليس لقائه الأول بأمير الشعراء أحمد شوقي، مشيرًا إلى أن "شوقي" كان يتناول أكثر وجباته في أشهر مطاعم القاهرة، ثم يخرج ليمشي على النيل أو يزور مقر جريدة "اللواء"، وتصادف أن مر إلى إحدى المقاهي التي اعتاد حافظ إبراهيم، الجلوس بها مع أصدقائه من الشعراء ممن آثروا الابتعاد عن الندوات والأمسيات الشعرية وجرائد "اللواء" و"الأهرام"، وقنعوا بجلسات فقيرة على مقاهي الأحياء الشعبية، وكان أحد أقطاب هذه المقاهي.
وقال: «كان أحمد شوقي، يمر بسيارته فلمحني فأخذ ينادي باسمي، لكنني قلت له لو كنت تريدني فأقبل عليِّ أنت وأجلس معنا بين هؤلاء الظرفاء، فأنا لا حاجة لي عندك حتى أتيك إلى عربتك». فما كان من شوقي إلا أن قال له: «كما تريد يا أستاذ حافظ وأنه ليسعدني أن أجلس مع أساطين المرح والفكاهة والشعر اللطيف في مصر»، وأكد حافظ أن هذه كانت المرة الوحيدة التي يجلس معهم شوقي على هذا المقهى.