مكاسب كبيرة.. رغم الخسارة
بعد نهاية مباراة مصر والسنغال فى نهائى أمم إفريقيا، ظهرت أصوات كئيبة محسوبة على المثقفين، تقلل من تعلق الناس بكرة القدم، تحدثوا بتعال غير مفهوم، هؤلاء يعانون من مشاكل نفسية، ولا أعتقد أنهم قادرون على التواصل مع أى شخص طبيعى يحب كرة القدم ويشجع بلده، وظهرت أصوات أخرى عبرت عن سعادة أصحابها بهزيمة فريقنا الوطنى فى المباراة، على اعتبار أن كرة القدم تلهى الناس عن القضايا الكبرى، والتى لا تعرف ما هى؟
نجحت هذه البطولة فى خلق حالة جميلة نفتقدها منذ سنوات بعيدة، وبعثت الأمل فى النفوس لأن جيلًا جديدًا عبر عن نفسه وتخطى عقبات كثيرة قبل الوصول إلى المباراة النهائية، بالطبع كنا نأمل فى العودة بالكأس، ولا شك أننا كنا نستحق أن تكتمل فرحتنا بأبنائنا الذين بذلوا جهدًا جبارًا وكانوا أبطالًا، ومع هذا توجد مكاسب كبيرة تحققت رغم الهزيمة أمام فريق محترم وقوى ويستحق أن نبارك له، لأننا كنا نلعب معه لا نحاربه، من أهم هذه المكاسب انضمام جيل صغير السن كان لا يعترف بالكرة المصرية، مما دفعه لمتابعة الدوريات الكبرى فى إنجلترا وإسبانيا وإيطاليا، هذا الجيل الذى يقل عمره عن ١٨ عامًا هو أكثر شرائح الجمهور حزنًا على فقدان البطولة، كان يشعر برهبة أمام النشيد الوطنى، ويطير فرحًا وينزل إلى الشارع ليعبر عن سعادته بعفوية وبساطة، وبدأ يثق فى إمكانات لاعبين قريبين منه فى العمر، وتأكد أن بلده يملك فريقًا عظيمًا لا يهاب المحترفين الذين يعرفهم عز المعرفة، المكسب الثانى أننا رغم الخسارة لم نغضب من اللاعبين ولم نتعامل معهم باعتبارهم فاشلين، لأننا شاهدناهم وهم يتحدون الإصابات والتحكيم والإنذارات، ولم نشعر لأول مرة بأنهم ينقصهم لاعب، ونعرف أيضًا أنهم خسروا فى نهائى بطولة كبيرة وبركلات الترجيح، وأنه لولا سوء الحظ لكنا حققنا ما يجعل سعادتنا مكتملة، وهذه هى كرة القدم وألاعيبها وسحرها، البطولة أشارت إلى حيوية ما مقبلة، وأعتقد أنها ليست فى كرة القدم فقط، لأن الروح الجميلة التى آزرت اللاعبين ومنحتهم الثقة لن تتوقف عند هذا الحد، والذين يغيظهم سعادة المصريين نعدهم بأنهم لن يتوقفوا عن الغيظ، كرة القدم مرآة تتعرف من خلالها على نفسك وعلى إمكاناتك وعلى طموحك وعلى منسوب الأمل بداخلك، قل لى كيف تلعب أقل لك من أنت، والذين شاهدوا الفريق وطريقته وانسجامه وإصراره سيعرفون أننا سنتجاوز عقبات كثيرة مقبلة، اللاعبون هدفهم إسعاد الناس، وهم أكثر الناس حزنًا على فقدان البطولة، ليس بحثًا عن مجد، ولكن لأنهم تعاهدوا على هذا، وعملوا من أجل هذا، وخسروا فى المباراة النهائية بركلات الترجيح، دموع محمد صلاح أثرت فى الجميع، ودموع زملائه بالطبع، محمد صلاح كان فى حاجة إلى هذه البطولة، ليس كما يقال من أجل الكرة الذهبية، ولكن لأنه يعرف حاجة أهله وأصدقائه ومحبيه إلى انتصار، انتصار يعيد مصر إلى منصات التتويح، انتصار يجعلنا نقف والنشيد الوطنى يرفرف مع العلم، المكاسب كانت كبيرة رغم الخسارة، وقف جمهور الجزائر وتونس والمغرب وليبيا معنا، وكنا معه أيضًا وهو يلعب، لم نشعر بفتنة بين اللاعبين بسبب الأندية المتناحرة فى الدورى المحلى، اختفت فكرة الأهلى والزمالك والإسماعيلى، تشعر بأن مصر تلعب معًا وبانسجام تام وتسعى إلى الفوز وتفوز، خسرنا البطولة ولم نشعر بالخسارة، لأننا كنا فى حال جيدة، ولأننا كسبنا عددًا من اللاعبين قادرين على صناعة تاريخ جديد للعبة وللروح الجماعية التى تتناغم لإسعاد الناس، أشاد الجميع باللاعبين، ووجه لهم السيد رئيس الجمهورية تحية يستحقونها، وتوارى عواجيز الفرح الذين شككوا فى الفريق والجهاز الفنى، البرتغالى كيروش مدرب جاء على مزاج المصريين، يمتلك روح فنان وقلب طفل، تشعر وهو محتد على الحكم الظالم فى مباراة الكاميرون بأنك أمام مدرب غيور فى حى شعبى مصرى، صنع حالة حب بين اللاعبين ظهرت فى الملعب، قدم أكثر من لاعب كان من الصعب وجودهم مع مدرب آخر من الذين كان يطالب بهم نجوم الاستوديوهات التحليلية من نجوم الكرة المتقاعدين، عمر مرموش ومحمد عبدالمنعم وأبوجبل وأحمد فتوح وعمر كمال وأحمد زيزو على سبيل المثال، علينا أن نواصل دعم هذا المدرب ولاعبيه وجهازه الفنى، لأننا فى حاجة إلى الوصول إلى كأس العالم، ولأننا نستحق ما هو أكثر.