سفير الصين بالقاهرة يكتب: الاعتماد على الذات والوحدة والسعى إلى تعاون جديد فى أمن وتنمية الشرق الأوسط
فى الفترة من ١٠ إلى ١٤ يناير، قام وزراء خارجية دول الخليج والشرق الأوسط الستة، والأمين العام لمجلس التعاون الخليجى بزيارة الصين، حيث أجرى مستشار الدولة وزير الخارجية الصينى وانغ يى تبادلات معمقة مع كل منهم، كما خطط الجانبان بشكل مشترك لمسار تنمية العلاقات الثنائية، وتنسيق مواقف الجانبين بشأن القضايا الدولية والإقليمية، وتوصلا إلى توافق فى الآراء بشأن خمس نقاط: أولًا تبادل الدعم فى القضايا المتعلقة بالمصالح الجوهرية لضمان الاستقرار والتنمية طويلة الأجل للعلاقات الثنائية؛ ثانيًا تعزيز تحسين وتطوير التعاون التنموى بين الجانبين، ومناقشة تنفيذ مبادرة التنمية العالمية، التى اقترحها الرئيس الصينى شى جين بينج فى الشرق الأوسط والخليج، ومواصلة بناء «الحزام والطريق» بشكل مشترك وبجودة عالية.
ثالثًا الاستمرار فى الاتحاد لمكافحة الوباء، ومقاومة تسييس الوباء والالتزام بالعلم والإنصاف فى أبحاث التتبع العالمية؛ رابعًا احترام إرادة شعوب الشرق الأوسط، والتمسك بالحوار والتشاور لحل الخلافات، وتعزيز التسوية السياسية للقضايا الساخنة فى الشرق الأوسط. خامسًا الحفاظ على النظام الدولى على أساس مبادئ منظمة الأمم المتحدة، والالتزام بالمعايير الأساسية للعلاقات الدولية، مثل عدم التدخل فى الشئون الداخلية، وممارسة التعددية الحقيقية، وتعزيز إضفاء الطابع الديمقراطى على العلاقات الدولية.
بالإضافة إلى ذلك، فقد أجرى مستشار الدولة وزير الخارجية الصينى وانج يى مناقشات متعمقة مع وزراء خارجية دول الخليج حول الديمقراطية وحقوق الإنسان. تعد مصر ودول الخليج العربية من أهم ممثلى «الحضارة العريقة» فى الشرق الأوسط، وقد استكشف كل منهم نماذج وأنظمة فريدة من نوعها، أثرت بشكل كبير تنوع الحضارات السياسية العالمية. نحن نتفق جميعًا على أن الديمقراطية وحقوق الإنسان هى القيمة المشتركة للبشرية جمعاء، والقضية المشتركة للناس فى جميع أنحاء العالم، كما أنها تمثل سعيًا مشتركًا للدول النامية بما فى ذلك الصين ودول الشرق الأوسط.
الديمقراطية وحقوق الإنسان لا تعنيان الهيمنة، الديمقراطية وحقوق الإنسان ليستا أدوات، كما أنهما ليستا أسلحة خاصة. ما إذا كان بلد ما يتمتع بالديمقراطية حقًا وما إذا كان يقدر حقوق الإنسان فهذا أمر يحدده شعب هذا البلد. نحن جميعًا نعارض استخدام الديمقراطية وحقوق الإنسان من قبل دول معينة لتوجيه أصابع الاتهام إلى بلدان أخرى، ونحن جميعًا نعارض تسييس الديمقراطية وحقوق الإنسان واستغلالهما للتدخل فى الشئون الداخلية للدول الأخرى. يجب على الصين ودول الشرق الأوسط أن تتمسك بطريقها الذى اختارته، وأن تدعم التبادلات المتكافئة بين الحضارات المختلفة، وتعزز التقدم المشترك للمجتمع البشرى.
للشرق الأوسط تاريخ طويل وثقافة فريدة وموارد غنية، ولكن للأسف فى الوقت نفسه غارق فى صراعات مضطربة لفترة طويلة بسبب التدخل الخارجى. لطالما دعمت الصين الشرق الأوسط بشكل كبير لتحقيق الاستقرار وتسريع التنمية. ونحن نؤمن بأن شعوب الشرق الأوسط هم سادة الشرق الأوسط، وأنه لم يكن هناك قط «فراغ فى السلطة» فى الشرق الأوسط، وبالطبع ليست هناك حاجة «لآباء أجانب» للتدخل فى الشئون الداخلية لدول الشرق الأوسط.
طرح الجانب الصينى مؤخرًا مبادرة من خمس نقاط لتحقيق الأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط، واقتراحًا من أربع نقاط لتسوية سياسية للقضية السورية، وسيناريو من ثلاث نقاط لتطبيق حل الدولتين، الجوهر الأساسى هو تشجيع دول المنطقة على التخلص من تدخل القوى الكبرى، والمضى قدمًا بروح الاستقلال والاعتماد على الذات، واستكشاف مسار التنمية بخصائص الشرق الأوسط؛ وعلى أساس التسامح والمصالحة، تحقق دول الشرق الأوسط الوحدة وتحسين الذات، وتقوم بحل قضايا المنطقة على طريقة الشرق الأوسط، والتحكم بحزم فى مصيرها. تشيد دول المنطقة بشدة بدبلوماسية ودور الصين فى الشرق الأوسط. فى نهاية عام ٢٠٢١، أصدر اجتماع وزراء خارجية جامعة الدول العربية قرارًا لأول مرة، يعرب عن تقديره جهود الصين فى الحفاظ على الاستقرار الإقليمى وتعزيز السلام. ونعود لزيارة وزراء خارجية دول الخليج والشرق الأوسط الستة، والأمين العام لمجلس التعاون الخليجى، فخلال تلك الزيارة، أقر وزراء خارجية دول الشرق الأوسط والخليج والأمين العام لمجلس التعاون الخليجى بالتأثير الإيجابى للصين فى المنطقة، وعبروا عن أملهم فى أن تلعب الصين دورًا أكبر فى تعزيز تسوية القضايا الساخنة فى الشرق الأوسط، وأنهم على اعتقاد تام بأن المبادرة التى اقترحتها الصين تتماشى مع الوضع المتغير فى الشرق الأوسط واحتياجات دول المنطقة.
فى العام الماضى، بدأت دول المنطقة فى استكشاف مسار التنمية الخاص لكل منها، وقالت بوضوح لا للضغط والتدخل الخارجيين، وبدأت فى الاعتماد على الذات وتحسين الذات، ودعت إلى الحوار والتعاون، وعملت على تهدئة الأوضاع فى المنطقة. وفى ذات السياق، يسعدنا أن نرى أنه فى ظل القيادة الحكيمة للرئيس السيسى، انطلقت مصر على طريق التنمية الذى يتناسب وظروفها الوطنية، وحققت الحياة الاجتماعية والشعبية تنمية ملحوظة ومرضية. وأحرزت مصر تقدمًا ملحوظًا فى مكافحة الوباء، وأصبحت مركزًا إقليميًا لإنتاج اللقاحات. وبدأ الوضع الاقتصادى فى التحول، وأصبحت مصر أحد البلدان القليلة فى العالم التى حققت نموًا إيجابيًا؛ وتم رفع حالة الطوارئ التى استمرت أربع سنوات ونصف، وذلك لاستقرار الأمن القومى. من ناحية أخرى، لا تزال العديد من المواقف والتغيرات الجديدة فى المنطقة تظهر بشكل مستمر، ولا تزال العوامل غير المستقرة وغير المؤكدة واضحة للجميع، وما زال الطريق طويلًا للحفاظ على السلام وتعزيز التنمية فى الشرق الأوسط.
عام ٢٠٢٢ هو عام التنمية والتحديات والفرص. ستواصل الصين الإسهام بالحكمة الصينية وطرح المقترحات الصينية لتحقيق السلام والاستقرار فى الشرق الأوسط. وتتضمن رؤية الصين ما يلى: أولًا الدعوة إلى الوحدة والاستقلال، ومواصلة دعم دول المنطقة فى استكشاف مسار التنمية المستقلة، وتعزيز الوحدة الوطنية وتجديد الأمة. والثانى هو الدفاع عن العدل والإنصاف، ومواصلة دعم «حل الدولتين»، ودعم القضية العادلة للشعب الفلسطينى، ودعم عقد مؤتمر دولى أكثر موثوقية واتساعًا لتعزيز السلام. والثالث هو التمسك بمنع الانتشار النووى، ومواصلة الوساطة النشطة، وحث جميع الأطراف على استئناف تنفيذ الاتفاق الشامل بشأن القضية النووية الإيرانية فى أقرب وقت ممكن، ودعم إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل فى الشرق الأوسط. والرابع هو البناء المشترك للأمن الجماعى، ومواصلة العمل على بناء منصة للحوار والتعاون، والاستجابة لما يشغل دول المنطقة، وبناء توافق وتحدد شروط بناء الأمن الجماعى الإقليمى. خامسًا تسريع وتيرة التعاون من أجل التنمية، ومواصلة تنفيذ مفهوم تعزيز الأمن من خلال التنمية، ومشاركة فرص التنمية مع دول الشرق الأوسط، وتبادل الخبرات فى حوكمة الدولة وإدارتها، وإرساء أساس متين للسلام والأمن الإقليميين.
إن التعاون الإنمائى هو الجزء الأكثر صلابة ونشاطًا والأكثر فائدة فى تعاون الصين مع البلدان النامية بما فى ذلك مصر، وهو أيضًا أكثر العناصر التى يفتقدها الوضع العالمى الحالى. طرح الرئيس الصينى شى جينبينغ مبادرة إنمائية عالمية فى سبتمبر العام الماضى، والتى تهدف إلى تشكيل تآزر دولى للاستجابة بفعالية للتحديات التى يفرضها الوباء على التنمية، ومساعدة البلدان النامية على تسريع تعافيها، تحقيق خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام ٢٠٣٠ فى الموعد المحدد. وبمجرد طرح المبادرة، استجابت العديد من دول الشرق الأوسط بشكل إيجابى ودعمتها بشكل كبير.
فى المرحلة التالية، ترغب الصين فى العمل مع دول الشرق الأوسط، بما فى ذلك مصر، على أساس تعميق التعاون فى مكافحة الوباء، ومواءمة المبادرة الصينية بشكل أفضل مع احتياجات التنمية فى المنطقة، والعمل بجد لتحقيق تقدم فى التنمية التى تشمل «المشاركة، التحول والتنمية الخضراء»، لجعل مبادرة التنمية العالمية تترسخ فى الشرق الأوسط فى وقت مبكر. أولًا تحقيق التنمية المشتركة. إن الصين مستعدة لدمج مبادرة التنمية العالمية مع مفاهيم التنمية الرئيسية لمنطقة الشرق الأوسط ودول الخليج، وبناء منطقة التجارة الحرة بين الصين ودول الخليج فى أقرب وقت ممكن. ثانيًا تحقيق التحول والتنمية. إن الصين على استعداد للتعاون مع دول الشرق الأوسط والخليج لتعميق التعاون فى مجال التكنولوجيا الفائقة فى اتصالات «٥G» والذكاء الاصطناعى وما إلى ذلك من جوانب التعاون، وتسريع عملية التصنيع الإقليمى، واغتنام فرصة الثورة الصناعية الرابعة، من أجل تعزيز التحول والارتقاء بالتعاون العملى. ثالثًا تحقيق التنمية الخضراء. الصين على استعداد للعمل مع دول المنطقة لتعزيز التبادلات الفنية وتبادل الخبرات، من أجل تعزيز التنمية الخضراء لكل منهما وتحقيق تخفيض انبعاثات الكربون.