محمد عطية محمود: يحيي حقي رمزا من رموز البساطة والسهولة الممتنعة
هو صاحب مؤلفات: قنديل أم هاشم، كناسة الدكان، أنشودة البساطة، البوسطجي، تراب الميري، خليها علي الله وغيرها. بدأ حياته بالعمل في المحاماة، ومن ثم أتجه إلي السلك الدبلوماسي، ثم ترك كل هذا ليستجيب "لنداهة" الأدب. إنه الكاتب الكبير يحيي حقي، والذي تحل اليوم الذكري الــ 117 حيث ولد في مثل هذا اليوم من العام 1905.
وحول يحيي حقي وموسوعيته، قال الكاتب الناقد محمد عطية محمود في تصريحات خاصة لــ "الدستور":عندما تنفتح الآفاق الواعدة والواعية، والنابعة من فيض ثقافة الكاتب في مفهومه الشمولي، من حيث الفكر والإلهام والممارسة الطبيعية للحياة التي تجعله متذوقا وهاضما لكل ما يكتب وأكثر تجربة ومراسا على دروب الكتابة والفن، يكون من اليسير أن تنفتح له كل تلك الأبواب التي تكاد تكون موصدة في أوجه الكثيرين الذين يستصعبون مهمة الكاتب الفنان الواعي، والفيلسوف الكامن فيه، ذلك الذي يعقد العلاقات السببية بينه وبين الفنون من جهة، وبين الفنون وبعضها، وبين كل ذلك وما يحيط به.
ربما كانت هذه النظرة الشمولية المتأملة متناسبة إلى حد بعيد مع شخصية الكاتب الكبير "يحيى حقي" الذي اجتمعت لديه تلك المهارات التي ربما لم تتح لكثيرين، منذ كان عالم الفلك عالما للرياضيات وموسيقيا وطبيبا ومهندسا ومخترعا وكيميائيا، منذ فجر الزمن العربي الذي أثار فكرة النهضة العربية في وقت ازدهارها وانتشارها في كل بقاع الدنيا التي وصلت إليها أقدام الفتح العربي، والتي قامت عليها الحضارة العالمية فيما بعد..
وأوضح "عطية": فالمتأمل والمتابع لمسيرة كاتبنا الرمز "يحيى حقي" يضع يده على تلك الحقيقة الذهبية التي تؤكد على شموليته في الكتابة، وتحقيق معادلة الكاتب في معناها العميق المتفرد الذي ينتقي من كل حقول الزهور خلاصة العسل المصفى، ثم يضعها في بوتقة يلتذ بها الشاربون والناهلون، وهي المهارات التي استمدها من هذا الوعي العميق بالمفردات وتلاقح الفنون لتنصهر في داخله بتلك الحكمة والفلسفة والوعي الإنساني العميق، فهو الذي اخترق مجال كتابة القصة القصيرة، بمجموعاته المتعددة التي حفرت أثرها في الوعي والذاكرة القصصية العربية، وأرخ للقصة القصيرة "فجر القصة القصيرة"، ونقدها، انطلاقا إلى المدى الواسع لقضايا الثقافة العامة، وامتدادا إلى الخاطرة الأدبية، والمقال..
ولفت "عطية" إلي: بل، وتخطى ذلك المفهوم المحدود للإبداع والنقد وانغلاقه على النوع الأدبي والثقافي، بدخوله في مجالات متعددة لتلك الثقافة وروافدها التي يتشكل منها الوعي والذائقة، وبدونها تكون مهمة الكاتب والفنان عسيرة في التقاط الخيوط التي تخلق التجانس بين كافة دروب الثقافة والوعي، فدخل معترك الموسيقى، والمسرح، والسينما، والغناء الشعبي، والسخرية، والفن التشكيلي، من خلال إصداراته المتعددة الموثقة لذلك، ما جعل له فلسفته الخاصة التي صبغ بها أعماله الإبداعية والنقدية والفكرية والفلسفية، ليكون امتدادا لكتاب النهضة العربية في الفكر والفن، ونبراسا يقتفى أثره في كل المجالات التي جرى فيها قلمه.. ماذا، وأعماله تفرض إيقاع وجودها على الجمهرة العريضة من رواد الفكر الفني والأدبي وعلى الذائقة السليمة، وهو ما جعله رمزا من رموز البساطة والسهولة الممتنعة، تلك المعادلة المثيرة للعجب، فمن ذلك نرى آيات إخلاصه ودأبه وحرصه على المواكبة والتغلغل في نسيج الشخصية المصرية وتراب الوطن، منذ نشأته، وتوغله في موروثه، ونظرته الثاقبة التي تشير وتلمح، كما ترصد وتؤرخ؛ لتعكس مراياه - بحسب الدكتور صبري حافظ - كل تلك الأطياف المتجانسة؛ فالفن والثقافة بشموليتها قد خرجت من بوتقة واحدة هي بوتقة الإنسانية.