رواية شبلول عن محمود سعيد بقائمة جائزة معهد العالم العربى بباريس
وصلت رواية "الليلة الأخيرة في حياة محمود سعيد" للشاعر والروائي أحمد فضل شبلول للقائمة الطويلة لجائزة العالم العربي للرواية في باريس، ضمن عشرين رواية تم اختيارها من مجموع ما يقرب من خمسمائة رواية عربية تقدمت للفوز بالجائزة في دورتها الأولى 2021.
و"جائزة العالم العربي للرواية" أطلقتها مجموعة من مؤسسات توزيع وتسويق الكتاب العربي بفرنسا وبعدد من الدول العربية، بهدف تشجيع انتشار الكتاب العربي واكتشاف مواهب أدبية جديدة وتنشيط عملية نشر وتوزيع الكتاب العربي بين الدول العربية والاوروبية .
وتم تكوين لجنة القراءة للروايات المترشحة من عدد من الكتاب والنقاد والناشرين في فرنسا والعالم العربي، مهمتها قراءة محتوى الروايات وقبولها للمشاركة في مرحلة أولى (القائمة الطويلة) ثم اختيار (القائمة القصيرة) في مرحلة لاحقة قبل إقرار الروايات الخمس الفائزة التي سوف يتم الإعلان عنها خلال شهر يناير 2022.
وتشمل التتويجات جوائز أفضل رواية عربية لسنة 2021 (ثلاث روايات) وجائزة لجنة التحكيم الخاصة، وجائزة القراء وتمنح لأكثر الروايات التي يتفاعل معها القراء على الصفحة الخاصة بالمسابقة على وسائل التواصل الاجتماعي.
ومن المنتظر أن يتم التعاقد مع الفائزين لطباعة الروايات الفائزة بالتعاون مع مؤسسات النشر والتوزيع العربية والفرنسية مجانا، وتمكين المؤلفين الفائزين من المشاركة برواياتهم في معرض باريس الدولي للكتاب لسنة 2022 عبر دعوتهم لتوقيع كتبهم بصفة شخصية بالمعرض فضلا عن تأمين مشاركة الروايات الفائزة في جميع معارض الكتاب العربي التي تقام بمختلف المدن الفرنسية.
ــ شبلول يروي الساعات الأخيرة في حياة محمود سعيد
أما عن رواية "الليلة الأخيرة في حياة محمود سعيد" لأحمد فضل شبلول، فهي تتناول الساعات الأخيرة في حياة الفنان والرائد التشكيلي المصري محمود سعيد، أثناء لحظات احتضاره في 8 أبريل عام 1964، حيث حضر له ملك الموت ليقبض روحه، ولكنهما اتفقا أن يؤجلا فعل الموت لعدد من الساعات يودع فيها الفنان ألوانه وبحره وشطآنه وسماءه في مدينة الحبيبة الإسكندرية التي ولد فيها في 8 أبريل عام 1897 وعاش فيها طيلة حياته عدا بعض السنوات القليلة التي قضاها في القاهرة أثناء تعيين والده محمد سعيد باشا رئيسا لوزراء مصر، وفي باريس أثناء تعلم الرسم في عدد من الأكاديميات، وبعض المدن الأوروبية الأخرى التي كان يرتادها ويزورها لمشاهدة متاحفها وآثارها الفنية المختلفة.
وضمن بنود الاتفاق بين الرسام وملك الموت، أن يعلِّم الرسام فن الحياة لملك الموت الذي اختار له الفنان اسم "مَبهَج". وبعد خروجه من حجرة المرض بلونها الأبيض إلى عالم الإسكندرية الشاسع بلونه الأزرق، يذهبان إلى مرسم الفنان في شارع سعد زغلول ليشاهد "مَبهج" لوحات الحياة وأيضا لوحات الموت التي أبدعها الفنان ولوحات أخرى لفنانين عالميين آخرين.
وتتوالى فصول الرواية – الصادرة عن سلسلة "روايات الهلال" بالقاهرة العدد 853 - نزولا ابتداء من الرقم 16 إلى الرقم 1 حيث يسلم الفنان روحه لملك الموت الذي لم يستطع تأجيل أجل الفنان لحظة واحدة حسب المشيئة الإلهية.
وأثناء لحظات احتضار الفنان تصبح ذاكرته حديدية وينفذُ بصره لما وراء الأشياء وما وراء الزمن، فيتذكر لمحات من حياته وشذرات من أيامه، مع بعض الشخصيات العامة والمؤثرة مثل الملك فاروق والملكة فريدة (ابنة شقيقته) ويتذكر علاقته بثورة 23 يوليو والرئيس جمال عبدالناصر وعضويته في المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، وحصوله على جائزة الدولة التقديرية للفنون كأول فنان تشكيلي مصري يحصل عليها، ووسام الجمهورية من الطبقة الأولى عام 1960، كما يتذكر حفلات حضرها لعبدالحليم حافظ في الإسكندرية، ويتذكر شخصيات أخرى تعامل معها مثل أمير الشعراء أحمد شوقي، والفنان منير مراد، والمخرج السينمائي محمد كريم، والأديب يوسف السباعي والأديب توفيق الحكيم وآخرين. ويرى ما سوف يحدث للإسكندرية مستقبلا باعتبارها مدينة تقع على البحر المتوسط، بعد انهيار جبل أتنا بجزيرة صقلية، وكيف تصد المدينة تسونامي القادم لها من جهة الشمال.
كما يتذكر علاقته بالفنانين التشكيليين محمد ناجي، ثم سيف وأدهم وانلي وكيف تتلمذا على يديه، وتوقع لهما مستقبلا باهرا في عالم الرسم والتشكيل، ووصفهما له بأنه يشرب هواء الإسكندرية، ويختلط بتراب ترعة المحمودية، ويتعبد بروحانية غريبة في لذة الشارع المصري، ويطل من أعلى الامتلاك إلى أسفل الفقر ليرسم بنت البلد، وعندما يتكلم يلتقط من الصدق التواضع، ومن الكبرياء النقاء.
وغير ذلك من سيرة الشخصيات وسيرة اللوحات التي تراوده أثناء سيره على كورنيش الإسكندرية من الشاطبي وحتى المرسي أبوالعباس حيث ولد في تلك المنطقة الشعبية التي لها طقوسها الروحانية الخاصة، وسوف يموت هناك.
كما تظهر له الملكة كليوباترا وتعاتبه أنه لم يرسمها في لوحة شاهقة، ثم تظهر له الملكة شجر الدر وتعاتبه أيضا أنه لم يرسمها مثلما رسم ليوناردو دافنشي لوحة "الموناليزا" فدخلت كل بيت، ثم تظهر له مجموعة من ملكات مصر القديمة، تتقدمهن الملكة مريت نيت أول ملكة حكمت مصر خلال السنوات 2939 – 2929 قبل الميلاد، وكلهن يرغبن أن يرسمهن الرسام.
ــ محمود سعيد يلتقي بأبطال نجيب بمحفوظ الروائيين
كما يلتقى الفنان شخصيات روائية ظهرت في أعمال صديقه نجيب محفوظ مثل عيسى الدباغ في "السمان والخريف" ورؤف علوان وسعيد مهران في "اللص والكلاب" وغيرهما.
وقد أشار الفنان إلى أن نجيب محفوظ تعلم تذوق الرسم والفن التشكيلي من خلال لوحاته حيث صرح محفوظ قائلا: لقد كان محمود سعيد هو الذي عرفني على عالم الفن التشكيلي، وقد تعرفت على أعماله، ولوحاته مازالت منطبعة في مخيلتي بألوانها مثل "بنات بحري" و"بائع العرقسوس" والكثير من البورتريهات النسائية التي اشتهر بها والتي استطاع فيها أن يجسد الجمال الشعبي، كما لم يفعله أحد من قبله.
وكان الفنان يظن أن مَبهج من الممكن أن يؤجل ميعاده، ولكن ملك الموت يظهر في الوقت المحدد والمكان المرصود ويلقي الكلس الأبيض على وجه الفنان، الذي كان يشك أنه صورة رسمها لنفسه تسير على الكورنيش وصولا إلى مسجد المرسي أبوالعباس، بينما جسده الأصلي ممدد هناك في حجرته بفيلته بجناكليس التي حلم بأن تتحول إلى مركز فني يحمل اسمه بعد رحيله عام 1964 وهو ما حدث فعلا.
يذكر أن هذه هي الرواية الثانية التي يكتبها أحمد فضل شبلول عن الفنان محمود سعيد، حيث صدرت قبلها روايته "اللون العاشق" عن دار الآن ناشرون وموزعون بالأردن، وفيها يتناول الكاتب سيرة لوحة "بنات بحري" التي رسمها سعيد عام 1935، ويتوقف الزمن الروائي عند ذلك التاريخ مع استدعاءات فنية ورمزية لما قبل هذا التاريخ.
وقد أورد المؤلف في نهاية الرواية أسماء عدد من الكتب المرجعية المؤلَّفة والمترجَمة التي رجع إليها واستفاد منها في إنجاز "الليلة الأخيرة في حياة محمود سعيد" التي أهداها الكاتب "إلى سور كورنيش الإسكندرية"، وهي تعد الرواية الرابعة في سلسلة مؤلفات أحمد فضل شبلول الروائية، حيث سبق أن صدرت له الروايات: "رئيس التحرير أهواء السيرة الذاتية"، و"الماء العاشق"، و"اللون العاشق"، ثم أصدر بعدها روايتيه: "الحجر العاشق"، و"الليلة الأخيرة في حياة نجيب محفوظ".