يخلطونها بمعجون حوائط.. «مصانع الجبن» تبيع سُمًا قاتلًا يدمر الكلى
في مارس الماضي، استقبلت غرفة العناية المركزة بمستشفى المحلة العام حالة شاب يبلغ من العمر 24 عامًا، كان تقريره الطبي يفيد بوجود مشكلة ضخمة في الكلى، ولم يخرج من الغرفة إلا بعد ثلاثة أيام من المحاولات الطبية العديدة لإنقاذ حياته من الموت.
لم يُصب محمد حمدي بأعراض بسيطة كما اعتقد في بداية شعوره بالمرض، فالداء الكلوي لديه كان في مرحلة صعبة للغاية، حين بدأ في فقدان وظائف الكلى تدريجيًا، وامتلأ جسده بالسوائل والفضلات المتراكمة، وانخفض نشاطه الذهني الذي تطور لفقد الذاكرة المؤقت، وتطلبت حالته إجراء غسيل كلوي.
وصف الشاب شعوره في ذلك الحين، خلال حديثه مع «الدستور»: «كنت على بُعد مسافة قصيرة من الموت بعد تناولي قطعة جبن فاسدة، تبين أنها السبب في تدهور حالتي الصحية، وتعرضي لارتفاع حاد في ضغط الدم لم يكن من السهل السيطرة عليه».
وعن مصدر الطعام الفاسد قال: «ابتعته من سيدة تجلس في سوق العباسي بمدينة المحلة الكبرى، تضع أمامها صيجان حديدية واسعة تحتوي على الجبن والألبان، وحين ذهب شقيقي لسؤالها عما يحويه الجبن، أخبرته بعدم درايتها عن الأمر فهي تحصل عليه من خلال أحد موردي المصانع».
بائعو «الموت»
مشهد كارثي شهدته البلاد في الأيام القليلة الماضية، كان أبطاله هم منعدمي الضمير الذين يبيعون الموت للمصريين في أكياس بلاستيكية، ولا يكترثون لمن قد يصيبهم إثر تناوله، بل ويتمادون في تصنيع منتجاتهم مخلوطة بمواد مميتة، بعيدًا عن أعين الجهات الرقابية.
داخل قرية سماليج بمركز تلا في محافظة المنوفية، لجأ أصحاب مصنع جبن لتصنيع منتجاتهم باستخدام معجون حوائط وملح فاسد ومكسبات طعم وألبان مجهولة المصدر، بهدف التربح غير المشروع، لكنه كان مقابل أرواح العديد من المواطنين.
وتمكنت قوات الأمن من مداهمة المصنع المذكور، وضبط كميات فاسدة عدة بلغت نحو 37 طنًا، منها 15 طن جبن بها عفن وملقاة فى الأرض، وتبين وجود معجون حوائط، وملح طعام فاسد منتهى الصلاحية، وبعض المنتجات المتعفنة، وأيضًا ألبان ماعز مخزنة فى أجولة وملقاة فى مياه صرف صحي، كما اتضح أن السيدات العاملات بالمصنع يستخدمن فرشًا لتنظيف قطع الجبن من العفن.
الأمر الذي دفعنا للحديث مع أحد العاملين في مصانع الجبن، ليكشف لنا خبايا التجارة في «الجبنة المسمومة»، وكيفية ترويجها في الأسواق بطرق ملتوية، يعتمدون فيها على أشخاص بسطاء لا يمكنهم التعرف على الجبن السليم من الفاسد.
السم يُباع في «أكياس بلاستيكية»
«هل تخيلت أن قطع الجبن التي يتناولها المصريون يوميًا تكون مخلوطة بمواد كيميائية ضارة، تعطي اللون الأبيض الناصع فقط؟»، هكذا بدأ حمدي إبراهيم، عامل في مصنع جبن بمحافظة الشرقية، حديثه لـ«الدستور»، مجيبًا عن سؤاله الذي يعرف سره جيدًا.
الأزمة تبدأ من داخل المصانع الخفية، التي تبيع منتجات غير مطابقة للمواصفات الصحية، بعضها تُقام في أماكن بعيدة عن الأعين حتى لا تُلفت الأنظار، وتعتمد في نشر منتجاتهم الفاسدة على العاملين في الأسواق الشعبية، من خلال توريد «الجبنة المسمومة» لهم، مقابل نظير مادي، ثم يخلو مسئوليتهم من أي أضرار تحدث إثر تناولها.
وتبدأ عملية التصنيع بتكوين خليط من مكسبات الطعام والألبان رديئة الجودة، لاستخدامها في تصنيع الجبن بأقل تكلفة ممكنة، ومؤخرًا اعتمدت المصانع المشبوهة على إضافة معجون الحوائط لتوفير اللون الأبيض اللامع للأعين.
النساء اللاتي يفترشن الأسواق الشعبية بشكل يومي، يعتمدن في الحصول على «الجبن» من خلال موردي المصانع، الذين يوزعون عليهم المنتجات بأسعار الجملة، ثم يبيعونها في «أكياس بلاستيكية» داخل السوق بأسعار رخيصة للغاية مقارنة بما يُباع في محال الألبان.
أما عن الطرق السليمة لتصنيع الجبن: «نعمل على تجميع الألبان عالية الجودة ثم ندخلها في «التلبينة»، وهي المكان الذي يحوي المعدات اللازمة لتصنيع الجبن، فالمرحلة الأولى هي معالجة الحليب لإجراء عملية التنقية، ثم يُخضع للبسترة للتخلص من أي مواد ضارة، وبعد ذلك تأتي مرحلة فصل مصل الحليب، من خلال تسخين اللبن بين درجة حرارة 30 حتى حرارة 36.
المرحلة الأخيرة في تصنيع الجبن تعتمد على تقطيع ما يتم استخراجه من المرحلتين السابقتين إلى عدد من الألواح كبيرة الحجم، ثم يتم وضعها في «الراقود»، بجانب تقليبها لدقائق معدودة، وفي النهاية يتم تعتيق الجبن لمدة شهرين، وتغليفها بشكل مُحكم لترويجها في الأسواق بعد ذلك.