«المتاجرة بالأرواح».. «الدستور» تحقق في بيع نواقص الأدوية خارج الصيدليات
قبل أشهر من الآن طاف محمد علي، الذي تعاني والدته من ورم سرطاني، على عدد ليس بقليل من الصيدليات في القاهرة الكبرى، بحثًا عن نوع من الدواء المستورد الذي يساهم في تخفيف آلام والدته، إلى أن يأس في أن يجد هذا الدواء وبدأ يبحث عن بديل له.
بعد رحلة بحث طويلة عثر «محمد» على إعلان عن توفر أدوية الأورام السرطانية وغيرها من الأمراض، على إحدى الصفحات الإلكترونية على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» لكنه تردد في التعامل معهم خشية أن يكون الدواء غير صالح للاستخدام أو مجهول المصدر.
توثق «الدستور» في هذا التحقيق قيام بعض الأشخاص بالإتجار في الأدوية المستوردة وبيعها خارج الصيدليات، بالمخالفة للوائح والقوانين التي تنظم تداول الأدوية وعمل الصيدليات في مصر.
وأجرت «الدستور» اتفاقيات موثقة لشراء أنواع مختلفة من الأدوية من أشخاص خارج الصيدليات، وتتبعت الإعلانات المنتشرة على شبكات التواصل الاجتماعي التي تروج لبيع وشراء الأدوية.
«نشتري ونبيع كل الأدوية»
«متوفر لدينا جميع الأدوية المستوردة».. تصدرت هذه الجملة رأس إحدى الصفحات على موقع «فيس بوك» وتواصلنا معهم لعقد اتفاقية وهمية لشراء إحدى الأدوية منهم.
كان هناك منشور مثبت على رأس تلك الصفحة يشير إلى أن التواصل مع العملاء يتم من خلال تطبيق «واتس آب» فقط، بما يتضمن في ذلك التفاصيل المتعلقة بنوع الدواء والكمية المطلوبة والسعر.
راسلنا هذه الصفحة التي سُميت بحروف مقطعة باللغة الإنجليزية وكأنها أول حرف لأكثر من اسم، وأخبرنا المسؤول عنها عن حاجتنا لبعض الأدوية التي لم نستطع العثور عليها في الفترة الأخيرة.
سألنا المسؤول عن الصفحة عن توافر دواء «ثيروسيل» (دواء يعالج زيادة إفراز الغدة الدرقية)، وطلبنا منه أيضًا دواء آخر اسمه «هيدروكسيرا» (دواء مستورد ويستخدم لعلاج حالات الأنيميا وأمراض فقر الدم).
جاء رد المسؤول عن الصفحة بأن دواء «ثيروسيل» يعد من النواقص حاليًا وغير متوفر تمامًا، لكنه سيحاول إيجاد البديل عنه والعودة إلينا مرة أخرى لإخبارنا بما وصل إليه، أما عن الدواء الآخر فقد أكد أنه متوفر وموجود لديه ويبلغ سعره 500 جنيه.
وهنا أنهت «الدستور» الاتفاقية عند هذا الحد، على أن نعاود التواصل مع الصفحة مرة أخرى لتحديد مكان استلام الدواء.
بلاغ رسمي
سبق وتقدمت النقابة العامة لصيادلة مصر ببلاغ للنائب العام حمل رقم 15704 عرائض النائب العام، ضد إحدى شركات الأدوية، لاستحواذها على تطبيق إلكتروني تقوم من خلاله ببيع الأدوية وهو ما يخالف قانون مزاولة مهنة الصيدلة رقم 127 لسنة 1955 والذي حصر أصحاب الحق في مزاولة المهنة وليس من أصحاب هذا الحق المواقع والتطبيقات الإلكترونية.
ضوابط تداول الدواء
قانون مزاولة المهنة رقم 127 لسنة 1955 ينظم ضوابط وقواعد تداول الدواء في مصر، الذي يشترط بيعه مباشرةً بين الطبيب الصيدلي وبين المريض، على أن يصرف الدواء بموجب روشتة طبية، لذا فإنه يحظر تداول جميع الأدوية الطبية خارج الصيدليات.
تحظر المادة 37 من قانون مزاولة مهنة الصيدلة رقم 127 لسنة 1955 تداول وبيع الأدوية على أشخاص بعينها ليس من بينها المواقع والتطبيقات، ومادة 75 تحظر مخازن الأدوية من بيعها مباشرةً للجمهور.
توافر أدوية مستوردة بأسعار تنافسية
وأجرت «الدستور» اتفاقية أخرى لشراء أنواع مختلفة من الأدوية لعلاج السرطان وفقر الدم وأيضًا أدوية السيولة لمنع التجلطات، وتواصلنا مع صفحة أخرى أعلنت عن إمكانية بيع وشراء الأدوية المصرية والمستوردة وتوفيرها بأقل الأسعار.
في البداية سألنا هذه الصفحة عن إمكانية توفير إحدى الأدوية بأي كمية مطلوبة، وسرعان ما جاء ردها عن تحديد نوع الدواء واسمه أو صورته بالإضافة إلى تحديد الكمية المطلوبة.
أرسلنا إلى هذه الصفحة صورة لإحدى الأدوية بالإضافة إلى نوع آخر يعد من الأدوية المستوردة، ولكن طلبت الصفحة بعض الوقت للتأكد من مدى توافر الدواء لديها.
وبعد مرور بضعة أيام أرسلت لنا الصفحة صورة من الدواء المطلوب ومدون عليها الصلاحية، وأكدت قدرتها على توفير هذا الدواء وعن إمكانيتها لتوفيره بالكمية المطلوبة.
وطلبنا من المسؤول عن تلك الصفحة أن يؤكد لنا مدى صلاحية الدواء ومصدره، والذي أكد أن بلد المنشأ هي ألمانيا، ويبلع سعر العلبة التي تحتوي على عدد 10 شرائط 600 جنيه.
ووجهنا عدد من الأسئلة إلى هذه الصفح عن سر انخفاض سعر هذا الدواء مقارنةً بالصيدليات الذي يباع فيها نفس الدواء بقيمة أعلى تتراوح من 800 إلى 1000 جنيه، ولكن لم يرد مسؤول الصفحة وانسحب من الحديث حتى بعد تأكيد طلب هذا الدواء.
تضاعف مبيعات سوق الدواء
تزايد حجم مبيعات سوق الدواء المصري؛ فكانت 96.1 مليار جنيه خلال عام 2018، ثم تزايدت حتى أصبحت 117.3 مليار جنيه خلال عام 2019، و125 مليار جنيه خلال عام 2020، بحجم مبيعات 3.7 مليار عبوة دوائية.
ويستحوذ القطاع الحكومي على نحو 35 مليار جنيه من مبيعات عام 2020، فيما يبلغ نصيب القطاع الخاص 90 مليار جنيه، بحسب البيانات الرسمية المعلنة عن مجلس الوزراء.
وقُدر حجم الاستثمار في صناعة الدواء ٨٠ مليار جنيه، حيث يتم إنتاج ما يُعادل ٥.٢ مليار علبة دواء سنويًا، تُمثل الأدوية المثيلة النسبة الأكبر منها، حيث تعادل ٦٩.٣٪ من إجمالي العبوات الدوائية المُنتجة، فيما تستحوذ مبيعات الأدوية المثيلة على ما يقرب من ثلثي السوق، وفق الإحصائيات الصادرة عن المركز المصري للدراسات الاقتصادية.
شعبة الأدوية: يحظر تداول الدواء خارج الصيدليات
الدكتور علي عوف، رئيس شعبة الأدوية بالغرف التجارية، أكد أن تداول الدواء خارج الصيدليات هو أمر غير قانوني، ويجب ملاحقة المسؤولين عن هذه الصفحات ومعاقبتهم قانونيًا.
أضاف عوف أن الصيدلية هي المكان الوحيد المرخص له ببيع الأدوية في مصر، مستطردًا أن الأشكال الجديدة من التطبيقات الإلكترونية وغيرها من صفحات التواصل الاجتماعي هي بهذا الشكل تخترق قانون مزاولة مهنة الصيدلة الذي يحظر بيع الدواء بشكل عشوائي على الانترنت.
وأكد أن جميع التطبيقات الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي التي تروج لبيع الأدوية على الإنترنت، فهي غير مرخصة وغير مصرح لها ببيع الدواء، مطالبًا المواطنين بعدم الانسياق وراءهم وشراء الدواء من أي مكان مجهول مصدره.
الرقابة على المستحضرات الطبية مسؤولية هيئة الدواء
تعد هيئة الدواء المصرية هي المسؤولة عن الرقابة على المستحضرات والمستلزمات الطبية، وأنشئت وفق القانون رقم 151 لسنة 2019 للرقابة على المستحضرات الحيوية.
وتقوم الهيئة بالإفراج عن المستورد من المستحضرات والمستلزمات الطبية الخاضعة لأحكام هذا القانون، بالإضافة إلى التأكد من تحقيق الممارسة الجيدة للتصنيع والتداول والحفظ، وكذلك تقوم الهيئة بالتفتيش على الجهات البحثية التي يجري بها البحث الطبي الإكلينيكي والجهات ذات الصلة، بغرض التحقق من الممارسة الطبية الجيدة.
نقابة الصيادلة: مخالفة صريحة لقوانين مزاولة المهنة
الدكتور محفوظ رمزي، رئيس تصنيع الدواء بنقابة الصيادلة، أكد أن الدواء ليس بسلعة يمكن الإتجار فيها ولا يُسمح لأي شخص ببيع الدواء بشكل عشوائي، مرجعًا ذلك إلى أن هذا الأمر يُعرض حياة المواطنين إلى الخطر، نظرًا لعدم معرفة مصدر الدواء.
وطالب رئيس تصنيع الدواء بنقابة الصيادلة، بضرورة ملاحقة كل من يحاول بيع الدواء خارج الصيدلية، نظرًا لأن هذا يعد انتهاكًا صريحًا لقوانين مزاولة مهنة الصيدلية التي تقتضي بصرف الدواء من خلال منافذ وزارة الصحة فقط أو الصيدليات المرخصة.