بأمر من طه حسين.. شيخ النقاد جمع بين كليتي الحقوق والآداب في سنة واحدة
في 1925 والجامعة المصرية الأهلية، قد تحولت إلى جامعة حكومية وانشئت كلية الحقوق إلى جوار كلية الآداب وإن ظل طلاب الكليتين يدرسون معًا في السنة الاولى برنامجا تحضيريًا في الآداب والتاريخ وعلم النفس والاجتماع واللغات الكلاسيكية، وذات يوم دخل عليهم أستاذهم طه حسين ليعلن لهم أنه سيلقي محاضرة في ثلث ساعة عن "الشعوبية وانتحال الشعر"، وطلب منهم بعد الانتهاء منها تلخيصل لها في مدة خمس دقائق.
وبعد أن انتهوا من كتابة ملخصاتهم حملها الاستاذ معهوفي اليوم التالي عاد ليعلن أن أحسن تلخيص قرأه هو تلخيص الطالب محمد عبد الحميد موسى مندور، واستدعاه وطلب مقابلته بعد انتهاء المحاضرة وساله:"ما الكلية التي طلبت الالتحاق بها؟، ويرد مندور:" كلية الحقوق يا دكتور، فيسأله حسين:"لماذا؟، فيرد: "لأتخرج وكيل نيابة، فقهقه طه حسين عاد ليسأله: ولماذا وكيل نيابة بالذات؟، فيجيب مندور" لان الرجل اليذي تهتز له بلدتنا كلها عندما يحضر إليها.
وهنا يكمل له طه حسين:"يابني إن لديك استعدادا أدبيا لا شك فيه، وخسارة أن تدفن نفسك في هذه المهنة، أنا أنصحك بان تعدل عن الحقوق إلى الآداب، وأملي كبير في أن تتفوق وأن تسافر في بعثة غلى أوروبا بعد تخرجك لتعود وتعمل استاذا في الجامعة.
لكن الطالب الريفي رفض عرض استاذه في أدب وأصر على البقاء في كلية الحقوق، فقال الأستاذ:" أما فلاح مخه ناشف"، ثم صمت قليلا ليستطرد بعد لحظات:"طيب يا سيدي ابق في الحقوق كما تريد ولكن على أن تلتحق أيضًا بكلية الآداب في نفس الوقت، وأنا أتعهد بإعفائك من مصروفات كلية الآداب، ولن يصعب عليك الجمع بين الكليتين لان الدراسة بعد السنة الإعدادية ستكون في الصباح للحقوق، وبعد الظهر لكلية الآداب، وافق الطالب على هذا الرأي والتحق بالكليتين معا ولولا ذلك لكان من الممكن أن يكتفي بكلية الحقوق وحدها ويعمل وكيلا للنائب العام كما تمنى، ويستمر في السلك القضائي ليصبح المستشار محمد عبد الحميد مندور، ولفقدت مكتبتنا عشرات الكتب القيمة المؤلفة والمترجمة التي أضافها لها، والتي كان لها أكبر الأثر في توجيه حركة النقد المعاصر.