باحثة بالمركز المصرى تكشف لـ «الدستور» تفاصيل المرحلة الانتقالية في أفغانستان
قالت مارى ماهر باحثة بالمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، إنه منذ إحكام قبضة طالبان على أفغانستان، تحاول الحركة نفض غبار الوحشية والتشدد الذي اعترى صورتهم في أذهان قادة العالم جراء الممارسات الهمجية التي شهدتها حقبة سيطرتهم الأولى بين عامي 1996 و2001، إلى جانب خطب و كافة الأطراف الداخلية، ففي ظل تغير السياقات السياسية الدولية والإقليمية والتحولات الاجتماعية التي شهدها المجتمع الأفغاني خلال العقدين المنصرفين، أدركت أن سرديات التسعينيات لن تمنحها اعترافًا دوليًا أو قبولًا مجتمعيًا، فراحت تبث رسائل طمأنة متتالية ركزت بشكل أساسي على احترام حقوق المرأة والسماح لها بالتعليم والعمل وفق الشرعية الإسلامية، وإبقاء وسائل الإعلام الخاصة مستقلة، ومنع الجماعات المتطرفة من اتخاذ أفغانستان قاعدة لتهديد الدول الأخرى، والعفو عن مسؤولي النظام السابق كافة، وضمان أمن السفارات والبعثات والوكالات الدولية، وغيرها من التطمينات.
ولفتت ماهر في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، أن لغة الخطاب الأكثر تسامحا تعكس الخبرات السياسية والدبلوماسية التي اكتسبتها طالبان ومحاولتها الهروب من الانعزالية الدولية وتأمين علاقات اقتصادية تضمن استمرار تدفق الإيرادات التي تحتاجها الحركة لتثبيت حكمها وتطويق الغضب الشعبي في ظل أزمات اقتصادية متفاقمة جراء وباء كورونا والجفاف الشديد ومعاناة 14 مليون شخص من الجوع، خاصة إذا علمنا أن 70% من إيرادات الموازنة العامة تغطيها المساعدات الدولية.
وأوضحت ماهر أن الخطاب المنفتح ينطلق من منطق براجماتي ولا ينطوي على تغيرات جوهرية طرأت على العقلية الجامدة والمتشددة والأيديولوجية للحركة، وهو ما تخبرنا به الوقائع الميدانية والأبناء الواردة من هناك بشأن استهداف عشرات المتظاهرين بالقتل والضرب أثناء رفعهم العلم الوطني وإنزال علم الجماعة الذي زرعه المسلحون، وتعرض النساء والأطفال للضرب والجلد أثناء محاولتهم الفرار لمطار كابول، وفي مشاهد استحضرت نظام طالبان القمعي السابق، انتشرت صور لمقاتليهم وهم يفجرون تمثال زعيم ميليشيا شيعية قاتلهم خلال الحرب الأهلية في التسعينيات، وسط باميان، حيث فجرت الحركة الراديكالية عام 2001 تمثالين ضخمين لبوذا يبلغان من العُمر 1500 عام منحوتان في الجبل.
وعلى صعيد ترتيبات المرحلة الانتقالية، قالت ماهر: "لا تزال المناقشات مستمرة بين الدوحة وكابول بشأن ماهية الحكومة الجديدة التي ستقود البلاد خلال المرحلة المقبلة، التي بحسب التصريحات المُعلنة والمؤشرات الأولية لن تقوم على قاعدة الديمقراطية على أي حال؛ فرغم انفتاح المباحثات لتشميل الرئيس الأسبق حامد كرزاي، ومبعوث السلام الحكومة السابقة عبد الله عبد الله، فإنها ضمت أيضًا أنس حقاني القيادي البارز في شبكة حقاني المصنفة إرهابية والمرجح أن يكون انخراطها ضمن حكومة مستقبلية مشكلة للمجتمع الدولي.
وأكدت ماهر أن الأمر لا يزال غامضًا بشأن إمكانية تشكيل حكومة شاملة تضم أعضاء من خارج طالبان، بينما تظل الترجيحات المُعلنة على لسان وحيد الله الهامشي، المتحدث باسم الحركة، تدور حول إقامة مجلس حكم تابع للحركة، وهو ما يعني هيكل للسلطة مشابهًا لذاك الذي كانت تُدار بها أفغانستان خلال تصدر الحركة الحكم المرة الأخيرة.
وتابعت ماهر "وفي هذه الحالة، قد يظل الزعيم الأعلى هيبه الله أخوند زاده يدير الحركة من الظل تاركًا الإدارة اليومية للمجلس، على غرار الزعيم المؤسس الراحل الملا عُمر، وبالمناسبة، يشبه هذا النمط إلى حد كبير النظام الإيراني الذي يكون فيه المرشد الأعلى صاحب الكلمة العليا في إدارة شؤون البلاد خارجيًا وداخليًا، والفارق الوحيد أنه منصبًا رسميًا في طهران، بينما كان ضمنيًا خلال حكم الحركة الأول، ومن غير الواضح طبيعة التغيرات التي ستطرأ على هذا الدور".