باحث بالمركز المصرى لـ «الدستور»: ضبابية المشهد السياسي والأمني في أفغانستان مازالت تحكم الموقف
قال محمد منصور الباحث في المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، إنه رغم ستمرار عمليات إجلاء الرعايا الأجانب من أفغانستان، ونقل بعض السفارات الأجنبية مقارها إلى داخل مطار كابول الذي أصبح بمثابة "منطقة خضراء مصغرة" داخل أفغانستان، إلا أن ضبابية المشهد السياسي والأمني مازالت تحكم الموقف في البلاد بشكل عام، حيث بدأت بعض الإشارات السلبية على المستوى الميداني في الظهور بشكل متزايد، أهمها كان الصعوبة البالغة في وصول الراغبين في مغادرة العاصمة إلى المطار، وكذا التوتر السائد على تخوم أسوار المطار، التي يتلاقي عندها بشكل غير مسبوق الجنود الغربيين مع عناصر حركة طالبان، وهو مشهد يؤكد وجود مستوى معين من التنسيق الميداني بين الجانبين، رغم أن مسار هذا التنسيق لا يتوافق بشكل كامل مع ما يرغبه الغرب في الوقت الحالي، وهو تأمين ممرات آمنة لوصول الرعايا الأجانب والمتعاونين الأفغان إلى المطار.
وأشار منصور في تصريحات خاصة لــ"الدستور"، أن التظاهرات التي عمت بعض المدن الأفغانية، مثل كونر وجلال آباد وخوست، والتي تمت مواجهة بعضها من جانب حركة طالبان بأطلاق النار، تؤشر على توترات تسود الأوساط الشعبية في العاصمة والمدن الرئيسية، رغم المحاولات المتكررة من جانب الحركة للايحاء بأن ذهنيتها الحالية هي تصالحية، لكن غياب اية مؤشرات عن نوايا الحركة في ما يتعلق بالإدارة السياسية والحكومية للبلاد، جعلت المخاوف الداخلية والخارجية تستمر، خاصة وان المشهد في الشمال الأفغاني، يحمل احتمالات عديدة في ظل بدء تكون جبهة مضادة لحركة طالبان.
وأوضح منصور أن هذه الجبهة يقودها على المستوى العسكري والاستراتيجي أحمد مسعود، نجل أحمد شاه مسعود، أحد القيادات التاريخية الأفغانية التي لها تاريخ في مواجهة حركة طالبان، وحالياً يقوم مسعود الأبن بحشد تشكيلة من المقاتلين القبليين والنظاميين الذي تجمعوا في ولاية "بنجشير"، على رأسهم مجموعة تقدر بنحو ألف جندي من القوات الخاصة الأفغانية، تمكنوا من مغادرة مدينة قندهار بطائرات النقل التابعة لسلاح الجو الأفغاني، قبيل سقوطها في يد حركة طالبان، لينضموا إلى عدد يقدر ما بين خمسة آلاف وتسعة آلاف جندي وضابط من الجيش الأفغاني والمجموعات القبلية المتواجدة في الولاية، والتي ينحدر أغلبها بطبيعة الحال من قومية "الطاجيك".
وتابع الباحث "على الجانب الأخر، يعتبر نائب الرئيس الأفغاني أمر الله صالح، هو الممثل الحالي للجانب السياسي لهذه الجبهة، فهو يمتلك الشرعية الدستورية بحكم ان الدستور الأفغاني الساري حتى الآن، ينص على أن يتولى نائب رئيس الجمهورية مهام رئيس الجمهورية في حالة غياب الأخير لأي سبب من الأسباب، وبالتالي يعتبر صالح هو القائد المباشر الحالي لوحدات الجيش الأفغاني الموجودة في بنجشير".
وأوضح “منصور” أن تصريحات صالح عقب دخول طالبان إلى كابول كانت واضحة، وهي انه لن يكون أبداً "تحت سقف واحد مع طالبان"، وهو ما جعله عملياً في تحالف مسعود، حيث أكدت الأنباء المتوفرة ان التنسيق بين الجانبين بدء فعلياً، بالتزامن مع وضع صور كلا الرجلين بدلاً من صورة الرئيس السابق غني في السفارة الأفغانية في باكستان.
ولفت إلى أن عمليات الحشد في بنجشير، ترافقت مع بعض التحركات السياسية الداخلية والخارجية في أفغانستان، التي تستهدف منها كل الأطراف جس نبض الأطراف الأخرى، فكان لقاء لافت بين وزير الخارجية الأفغاني الأسبق عبد الله عبد الله، والرئيس السابق حميد كرازي، مع وفد من حركة طالبان، حاولت من خلاله حركة طالبان الإيحاء أنه لا مشكلة لها في التعامل مع السياسيين الأفغان الذي خدموا خلال الحقبة التي كانت فيها الحركة بعيدة عن الحكم، وأنها نقطة التلاقي الأساسية بينها وبين عبد الله وكرازي هي في الموقف من الرئيس السابق أشرف غني.
هذا التلاقي كان واضحاً في مواقف بعض السياسيين الأفغان بعد دخول طالبان للعاصمة، حيث بدا أن معظمهم بدأ في إعادة التموضع السياسي، ومنهم وزير الخارجية الأسبق عبد الله عبد الله، الذي قال في تسجيل مصور بثه على صفحته الشخصية على موقع فيس بوك، أن الله "سيحكم على الرئيس السابق". الرئيس الأسبق حميد كرزاي، ظهر في تسجيل مصور مماثل، طرح فيه تكوين ما يشبه "مجلس تنسيقي"، يتألف منه ومن وزير الخارجية الأسبق عبد الله عبد الله، بجانب زعيم الحزب الإسلامي قلب الدين حكمتيار، وهو طرح يستهدف تكوين جهة تفاوض مع الحركة، من أجل سبر أغوار المرحلة الانتقالية القادمة، وهو ما لم تتجاوب معه حركة طالبان حتى الان، رغم اللقاء السالف ذكره بينها وبين عبد الله وكرازاي.
وتابع الباحث: "يبدو أن باكستان سيكون لها دور كبير في تحديد إطار المرحلة الانتقالية في أفغانستان، فقد زارها اليوم أحمد والي مسعود، شقيق الراحل أحمد شاه مسعود، وأطلق منها انتقادات حادة ضد الرئيس السابق أشرف غني، واتهمه بالفشل وانه حاول حصر كافة السلطات في يده، وأعرب عن أمنيته ألا تحذو حركة طالبان حذوه، وهو تعبير يمكن منه ان نفهم ان الجانب السياسي المواكب لتحالف مسعود يعمل على ان يكون له دور وموقع في اية مفاوضات قادمة حول مستقبل أفغانستان، على قاعدة مشاركة الجميع في الحكم، خلال الزيارة تحدث والي مسعود أيضاً عن ان الوفد القادم قد يضم عدد من الوجوه الأفغانية التي فرت من البلاد خلال دخول طالبان لكابول، ومنهم الجنرال عبد الرشيد دوستم، والقائد الأقليمي عطا محمد نور "وكليهما فشلا في دعم الجيش الأفغاني في المراحل الأخيرة من الصراع مع حركة طالبان"، بجانب شخصيات أخرى مثل أميري الحرب السابقين محمد أسماعيل خان، وعبد الرشيد دوستم".
واختتمت تصريحاته قائلا: “ إن الدعم الخارجي سيكون مجدداً رمانة ميزان الوضع المستقبلي لأفغانستان على المستويين السياسي والعسكري، وبدونه لن يتيسر للتحالف الذي يتشكل حالياً في الشمال الأفغاني من الصمود ولو لأسابيع قليلة هذا الدعم يمكن وضعه ضمن الاحتمالات التي ستتولد على ضوء التسوية التي ستتم بين القوى الأقليمية والدولية وحركة طالبان، وكذلك على ضوء أداء الأخيرة في ما يتعلق بملف الحكومة الإنتقالية والحريات، والعلاقة مع الأطراف الأفغانية الأخرى، وهي جميعها ملفات تحتاج إلى الوقت من أجل تحديد وضعها الحالي، وآفاقها المستقبلية، لكن الأكيد ان أفغانستان باتت على اعتبار مرحلة جديدة كلياً، ما بين تجربة سياسية ستعد الأولى من نوعها، أو حرب أهلية سيكون لها أيضاً شكل مختلف تماماً عن المعارك التي لم تغب عن أراضي أفغانستان منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي”.