«الرقم يساوي حياة».. أجهزة قياس ضغط «مضروبة» تتلاعب بأرواح المرضى
كانت والدة «مدحت. م» تصارع الموت في ذلك اليوم لأسباب لم يعرفها ابنها، ظلت تتقيأ طوال الليل، وبدا عليها الهبوط الحاد، فلم يكن أمامه سوى استخدام جهاز قياس الضغط الديجيتال الذي ابتاعه منذ فترة لأجلها بمبلغ 300 جنيه من إحدى الصفحات الطبية على مواقع التواصل الاجتماعي.
القراءة الأولى للجهاز أعطته أن الضغط وصل إلى 180 (مرتفع)، وبناء عليه أعطاها «مدحت» جرعتين من دواء «تينورمين 100» الخاص بمرض الضغط لديها من أجل أن ينخفض، إلا أن القيء زاد عليها حتى دخلت في غيبوبة.
إلى طوارئ مستشفى التقوى بمدينة 15 مايو، كانت نبضات قلب الأم تضعف، وضعت داخل العناية المركزة بسبب ضربات القلب الضعيفة إلى جانب محاولات الإنعاش، لكن ما فوجئ به ابنها أن قياس الضغط كان 50 والمعدل الطبيعي له 40.
والدة «مدحت» لم تكن سوى ضحية لأجهزة قياس الضغط الديجيتال «المضروبة» غير المطابقة للمواصفات القياسية، والتي تعطي قياسات خاطئة للمرضى ويأخذون بسببها أدوية غير مناسبة للحالة ما يؤدي إلى تدهور حالتهم في غياب الرقابة.
والدة «مدحت» تصاب بمضاعفات في القلب نتيجة قراءة خاطئة
يقول الرجل الخمسيني: «أصيبت أمي بمضاعفات في القلب والشريان التاجي، نتيجة تناول جرعتين من دواء الضغط دون الحاجة له، بسبب القياس الخاطئ الذي أظهره قياس الضغط الديجيتال والذي وصل إلى 180 أي أوشكت على الإصابة بجلطة».
يوضح أنه ابتاع جهاز الضغط المنزلي من إحدى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب التعب المتكرر لوالدته ورغبته في قياس الضغط بشكل دائم، إلا أن الجهاز كان يعطي دوماً قراءات خاطئة تتغير بعد ثواني معدودة.
يضيف: «أحياناً كان يعطي الجهاز أن الضغط 70 وبعد دقائق معدودة تظهر القراءة في حال إعادتها 40، لكن لم أكن أتوقع أنه مضروب أو أنه يعطي قراءات خاطئة لا يعول عليها، إلا بعد تلك الواقعة التي أصابت أمي بمضاعفات بالرغم من نجاتها».
معايير أجهزة قياس الضغط المطابقة للمواصفات
هناك معايير محددة لأجهزة قياس الضغط المطابقة للمواصفات القياسية، يحددها الدكتور أحمد يسري محمد، استشاري أمراض الباطنة والقلب، بتأكيده أن جهاز قياس الضغط لا بد أن يغطي ثمن تكلفة تصنيعه المتراوحة ما بين 500 إلى 2000 جنيه بحيث يأتي الجهاز تصنيع من الخارج أي استيراد ولا يوجد له صناعة محلية.
يضيف: «لذلك لا بد أن تتطابق مواصفاته مع المواصفات العالمية والصحية، ولا يمكن شراء جهاز ضغط بدون وجود ضمان على الأقل سنة كاملة ضد عيوب التصنيع».
يوضح أن أجهزة قياس الضغط حساسة للغاية ومن الممكن أن تكون سبب حياة أو موت إنسان بسبب القراءة التي يعطيها وبناء عليه يتصرف ذوي المريض والذي قد يكون سليم ويمرض بسبب قراءة خاطئة أو العكس يكون الشخص مريض والجهاز يعطي قراءة خاطئة بأنه سليم ومعافى.
ويشرح استشاري الباطنة: «جهاز الضغط يجب أن يكون محفوراً عليه مكان تصنيعه إن كان صنع في الصين أو ما شابه؛ لأن هناك بعض التجار المتلاعبين يضعون (استيكر) صنع في ألمانيا مثلًا وهو في الحقيقة صنع في الصين لمجرد غلاء ثمنه، وهذا لا يعتبر غشاً سوقياً بل هو تلاعب بحياة الناس، وعلى المواطنين تحري الدقة في شراء أجهزة قياس الضغط الخاص بهم».
أحمد: «القراءة الخاطئة أعطت أمي أدوية لا تحتاجها»
لم يختلف الأمر مع «أحمد. أ» والذي تعاني والدته من ارتفاع في ضغط الدم، وتحتاج إلى قياس الضغط وقراءته بشكل شبه يومي، لذلك لجأ إلى شراء جهاز الضغط المنزلي ديجيتال وليس زئبقياً، حتى يتمكن من قياسه لها بنفسه.
يقول: «كان جهاز ديجيتال يعمل بواسطة الحجارة، ويتم تركيبه على ذراع المريض ليخرج منه الكيس الهوائي ويعطي أرقام على شاشة صغيرة، وكان سهلاً للغاية في استخدامه ويمكن لأي فرد أن يستخدمه وليس الأطباء أو الصيادلة فقط».
يوضح أن قراءات الجهاز كان تختلف في دقائق معدودة، ويعطي نتائج مختلفة عن بعضها البعض بالرغم من أن الفارق الزمني بينهم ليس كبير: «أوقات القياس يدي قراءة منخفضة وعقب دقائق يعطي قراءة مرتفعة».
يشير أحمد إلى أن القراءات الخاطئة نتج عنها تناول أدوية خاطئة كانت تسبب مضاعفات وأضرار لوالدته: «في إحدى المرات كان القياس يعطي قراءة أن الضغط مضبوط لذلك لم أعطيها الدواء في تلك المرة ولكن ظلت طوال اليوم تشعر بدوخة وغثيان حتى توقعت أنها مصابة بكورونا».
اكتشف أحمد أن الجهاز غير صالح للاستخدام من قبل المرضى في الصيدلية، والتي تستخدم الجهاز الزئبقي في قياس الضغط وليس الديجيتال، وأعطى كل منهم قراءة مختلفة عن الآخر: «عرفت وقتها أن الجهاز غير سليم من الصيدلي».
«الدستور» تكشف في جولة ميدانية أجهزة قياس ضغط مضروبة بالأسواق
تنتشر أجهزة قياس الضغط التي تخالف المعايير القياسية السالف ذكرها في الأسواق، فالكثير منها بدون ضمان وأسعارها رخيصة للغاية ولا يدوّن عليها مكان الصنع.
بدأت الجولة في منطقة قصر العيني الشهيرة بمحلات بيع الأجهزة الطبية، وكان سعر جهاز الضغط يبدأ من 200 جنيه حتى 1400 جنيه كأعلى سعر وجميعها بدون ضمان في أغلب المحال وكانت حجة الباعة: «أجهزة الضغط ملهاش ضمان».
معظم الأجهزة الموجودة في الأسواق صناعة صينية والأعلى سعراً كان الجهاز التركي الذي كان موجوداً في 3 محلات فقط ضمن أكثر من 22 محلاً في المنطقة، ولم يكن مدوّن على الأجهزة مكان الصنع سوى أن الباعة يعرفون فقط مكان صنعه.
في منطقة باب اللوق كان هناك محال لبيع الأجهزة الطبية أيضًا ولم يختلف الأمر هناك فكل المحال لا تملك ضمان لأجهزة الضغط تلك كذلك لا يدون على العلبة من الخارج منشأ صناعة الجهاز.
كانت الأسعار تبدأ من 200 جنيه أيضًا حتى 3 آلاف جنيه ولكن ترفض أغلب المحال التي قمنا بجولة عليها رد البضاعة أو استرجاعها حتى إذا كان بها عطل بما يخالف قوانين حماية المستهلك.
فايد: «الأجهزة التي لا يدون عليها بلد المنشأ تكون غير مطابقة للمواصفات»
الدكتور فايد عطية، أستاذ مساعد قسم الفيروسات في مدينة البحث العلمي بالإسكندرية، يوضح أن هناك جهازين لقياس الضغط الأول هو الجهاز الزئبقي المعتاد والثاني هو الديجيتال الرقمي، مبينًا أن أجهزة الضغط الرقمية لا تعمل بشكل جيد وتتعطل بعد فترة قصيرة ونتائجها غير صحيحة معظم الأوقات.
ويشير إلى أن أجهزة قياس الضغط درجات، فهناك النوع الصيني وهو له أكثر من 3 درجات وهكذا، ولكن الأفضل هو الألماني لأنه الأعلى جودة ويمكن ضمان صحة نتائجه في كل مرة: «وجهاز الضغط الزئبقي ذو السماعات أو اليدوي المتعارف عليه أدق لأنه يتعامل مع القلب ونرى درجتي الضغط ونسمعهم».
ويضيف: «على المشتري أن يفحص الجهاز ويبحث عن كلمة من كلمات CEE, CAE, CCE وتوضع هذه الكلمات على غلاف الجهاز الخارجي وعلى الكتالوج الداخلي أيضًا، وتعبر هذه الكلمات عن الفئة التي يتم تصدير هذا الجهاز ومن هنا ندرك مدى جودة الجهاز».
ويشرح: «بمعنى أن CEE هو الجهاز التي يتم إرساله إلى السوق الأوروبية، وCAE هو منتج الدول العربية وأفريقيا، أما CCE هو منتج خاص بالصين فقط، وأي جهاز لا يحمل بدل المنشأ أو تلك الاختصارات يعد غير مطابق للمواصفات القياسية».
وبحسب فايد، فإن تصنيف جودتهم يكون أن منتج السوق الأوروبية هو الأعلى جودة والأقل جودة هو المنتج الخاص بالصين فقط، ولأنه أقل جودة فهو المنتج الممنوع من التصدير وفي هذه الحالة لا ننصح بشرائه، وهي الأجهزة التي تتراوح سعرها من حوالي 300 إلى 1500 جنيه.
ساندي: «والدي كان مصابًا بكورونا ودخل في غيبوبة نتيجة قراءة خاطئة»
كانت الأزمة أكبر مع والد ساندي.ج، عشرينية، والذي يعاني من ارتفاع في ضغط الدم منذ سنوات، وكانت من أوائل الذين ابتاعوا جهاز قياس الضغط الديجيتال، من أجل قراءته في المنزل لوالدها.
تقول: «الضغط غير متزن لدى والدي ويعاني أوقات من الارتفاع الشديد أو الانخفاض، وبسبب سنه لا يستطيع النزول كل فترة للصيدلية من أجل قياسه وتناول الدواء على أساسه لذلك ابتعت له ذلك الجهاز».
أصيب والد ساندي بفيروس كورونا، وبسبب مرضه بالضغط والقلب فكان يتناول أدوية معينة من بروتوكول علاج كورونا وليس جميعها: «بسبب مرضه لا تصلح له كل الأدوية، الخاصة بالكورونا، لذلك كنت أقيس له كل ساعة الضغط وكان يعطي إشارات متضاربة».
أصيب والدها بهبوط حاد أثناء علاجه من الكورونا، وحين استخدمت ساندي ذلك الجهاز لقياس ضغطه وجدته منخفض: «القراءة كانت 30 والطبيعي يكون 40 وعقب فترة وصلت إلى 20، فأعطيته ثلاث حبات من دواء الضغط».
الثلاث حبات أصابته بعد ساعة بغيبوبة نقل على إثرها إلى مستشفى آمان بمنطقة حلوان، وأدت إلى هبوط حاد في الدورة الدموية ونبضات القلب، اضطر الأطباء إلى إجراء غسيل معدة لاسيما أن ضغطه كان 40: «علمت وقتها أن القراءة كانت خاطئة من ذلك الجهاز».
شعبة المستلزمات الطبية: «أجهزة الضغط بدون ضمان مضروبة ولا يعتمد عليها»
محمد سعيد عبده، رئيس شعبة المستلزمات الطبية يقول إن جهاز قياس الضغط من أهم الأجهزة الطبية لخطورته ومدى احتياج المرضى له، لكون الضغط مرض مزمن، ولا بد من قياسه بشكل دوري لذلك يجب الاعتماد على جهاز سليم ذوو نتائج مضمونة.
ويوضح أن شراء جهاز قياس الضغط من مكان موثوق منه هي الخطوة الأولى والأهم على الإطلاق، وللوصول لذلك لا بد من سؤال المتخصصين مثل الطبيب المعالج، والذي يدل المريض على مكان يثق فيه ويدون عليه بلد الإنتاج.
ويشدد على أن أي جهاز قياس الضغط لا يوجد معه ضمان فهو غير مطابق للمواصفات القياسية، والتي انتشرت خلال الفترات الأخيرة لي الأسواق وتؤذي المرضى بشكل كبير.
وعن دور الشعبة يقول: «تم تشكيل حملات تفتيش دورية للمحلات التجارية التي تبيع المستلزمات الطبية بشكل للتأكد من سلامة المنتجات، ولكن الباعة الجائلين يصعب السيطرة عليهم وليس من الذكاء الوثوق في بائع متجول يبيع مستلزم طبي، فهناك دور على المستهلك أيضًا».
وفي فبراير الماضي، تقدم النائب فايز بركات، بطلب إحاطة موجه إلى رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، حول كارثة انتشار أجهزة قياس الضغط غير الدقيقة بحسب وصفه.
وأوضح أنها انتشرت بقوة فى المنازل وبالصيدليات، وتسببت فى ارتفاع معدلات مرضى الضغط، وبالتالى تكليف الدولة مزيد من الأعباء المالية لتوفير أدوية الضغط إلى جانب إصابة المريض بحالة من التوتر والقلق نظرًا لإصابته بمرض مزمن مما يؤثر على كفاءته الإنتاجية داخل العمل.
وأضاف أن انتشار هذه الأجهزة قنبلة موقوتة لأنها تعطى مؤشرات خاطئة تماما، وبناء عليها يتخذ المريض إجراءات قد تؤدى إلى وفاته، موضحًا أن أغلب المصريين يتجهون إلى الصيدلية لقياس الضغط، ولا يستطيع الصيدلى التفرقة بين الأجهزة المغشوشة أو المطابقة للمواصفات، مشيرا إلى أن أحد الدراسات أثبتت أن 83% من أجهزة العينة لا تعمل بطريقة صحيحة.
يذكر أن مصر بها 31 مليون مريض ضغط وسكر، وهناك 3 آلاف و100 شركة تنتج الأجهزة والمستلزمات الطبية، و8 آلاف و500 صنف وجهاز طبي من بينهم أجهزة قياس الضغط التي تستورد من الخارج عبر 30 شركة طبية.