أنيس منصور.. الوجه الآخر لعدو المرأة: «بكى عند رحيل والدته وكتب شعرا لزوجته»
لم يكن أنيس منصور، كاتبا عاديا، فقد عبرت كلماته، في كتبه ومقالاته، عن آماله وأحلامه وطموحات أبناء جيله، كما حلل حياة الكثير ممن قابلهم طوال مسيرته الأدبية، أبرزهم "المرأة" التى احتلت الكثير من كتاباته وآرائه، واشتهر بنقدها اللاذع، فكتب ذات مرة عنها: "آخر ما يموت فى المرأة لسانها".
ولكن عاد أنيس منصور ليعبر عن تقديره لها مرة أخرى، قائلا: المرأة خرجت من الرجل، لا من رأسه لكى تتحكم فيه، ولا من قدميه لكى توقعه، وإنما من أحد جنبيه لكى تكون إلى جواره، ومن تحت ذراعيه لكي تكون فى حمايته، وبالقرب من قلبه"، ولهذا نستعرض فى السطور التالية الوجه الآخر ل"عدو المرأة" كما يطلق عليه الكثير من قرائه.
علاقته بوالدته
حول الحديث عن علاقته، بوالدته، يتبدل لون أنيس منصور صاحب الكلمة القوية، ليبرز حبه الشديد بوالدته، وعلاقته الفريدة معها، فسبق وكتب عن حبه لوالدته، في مقال، يحمل عنوان "كرهت الحب"، قائلا: حب أمي يعذبني فعلا.. إنها سلبتني أعز ما أملك.. سلبتني حريتي.. إنني أصبحت أشعر بأنني حارس لابنها.. الذي هو أنا.. بأنني حاميه.. بأنني أمانة.. في عنقي.. بأنني "عهدة" يجب أن أسلمها إلى صاحبتها وهي والدتي.. بأنني يجب أن أصون نفسي.. ألا أتعب.. ألا أتقلب في فراشي.
وتحدث عنها أيضا في مقاله: "إن حبي لأمي جعلني أتحول من صاحب مال إلى حارس لهذا المال، من صاحب عمارة إلى بواب إلى خفير، من ابن إلى كلب يحرس هذا الابن، فأمي لا تتصور أبدًا أنني من الممكن أن أمرض أو أتعب أو أتعذب.. إنها تحزن في عجز، فكل ما تملكه أمي هو بضعة ملايين من الدموع، ومثلها من الدعوات 3 مرات في اليوم"، مضيفا: "لقد كرهت حبي.. كرهت حبي لأمي لأنه يعذبني لأنه يحرمني متعة المرض، متعة الصراخ بأعلى صوتي وقول: آه.. متعة تبديد نفسي.. إهدار صحتي.. ممارسة حريتي.. فإنها هي المرض الغريزي.. المرض الذي أوصت به السماء في كل دين".
بكى أكثر من مرة حينما رحلت والدته
لم يتوقع أنيس منصور أن تتركه أمه، وحيدا، بعد كل هذا الحب الشديد، فبكى مرارا على رحيلها الذي ترك ندبة كبيرة فى قلبه، قائلا فى أحد كتاباته: "كم أحببت هذه الأم وبكيت وما زلت أبكي فراقها فقد دفعتني للتفوق والقراءة، وحفظ القرآن في طفولتي، كانت أمي وصديقتي في طفولتي وصباي".
علاقة حب أبدية بزوجته
أعجب أنيس منصور بالسيدة رجاء، ذات مرة، وهى من عائلة دبلوماسية عريقة، شغلت مناصب عديدة بالحكومة المصرية، فقد عبر عن حبه الشديد لها، فى أكثر من مرة، فكتب عنها حينما غزى جسمها المرض: "كنت أتصور أنه بعد البكاء المستمر على أمى لن أبكى على أحد بعدها، وكنت أظن أن دموعى قد جفت، لكن هذه الأيام فإننى أبكى أضعاف ما بكيت طوال عمرى، أدعو بطول العمر والعافية، وأتوسل وأركع وأسجد لله، وكل دموعى حروف تكتب على الأرض رحمتك يا ربى إنها زوجتى".
الوجه الآخر لعدو المرأة
كشفت زوجة الكاتب الكبير أنيس منصور، فى أحد الحوارات الصحفية، أنه على الرغم من كتاباته التى ينتقد فيها المرأة بشدة، وسخريته من قصص حب العشاق، إلا أنه كان أحد هؤلاء العشاق، واحتفى بزوجته كما يحب أن يحتفى المحب بحبيبته، فقد عاش مع زوجته رجاء قصة حب أبدية، مشيرا إلى أنه كان دائم القول بأن: "الواقع شيء والسخرية شيء آخر".
وكانت معظم كتاباته الساخرة، تأتي من منطلق، رؤيته للكثير من الشباب المحبط والأزواج التعساء، فكان يرى أن كلماته الساخرة هذه ما هي إلا تخفيف عليهم أعبائهم.
نعم.. أحب المرأة
لم يكن حبا لزوجته ووالدته وحده فقط ما فى قلبه، فقد أبدى أنيس منصور، حبه واحترامه للمرأة المتمثلة فى زوجته، قائلا: "نعم أحب المرأة.. فهى التى استطاعت بذكائها وتسامحها ورقتها ورهافة مشاعرها، أن تجذبني بخيوط حريرية ناعمة من حياة العزلة لأصبح مخلوقا اجتماعيا يتفاعل، وينعم بالزواج بعد إضرابى، خوفا من أن يصبح الزواج عائقا أمام كيانى الإبداعى ككاتب وأديب".
ورحل أنيس منصور عن عالمنا، تاركا إرثا كبيرا من الكتب والمقالات للأجيال المتلاحقة، وأوصى قبل رحيله، أن يدفن بجوار والدته بمدافن العائلة بمدينة نصر عام 2011، نظرا لتعلقه الشديد بها.