سينما الحركة المباركة
بعد مرور خمسة وعشرين يوماً فقط على قيام ثورة يوليو وفي 18 أغسطس عام 1952 صدر أول تصريح عن السينما من القائد العام للثورة اللواء محمد نجيب يقول فيه «إنِّها وسيلة من وسائل التربية والتثقيف ولكن عندما نسيء استعمالها نهوي بأنفسنا إلى الحضيض وندفع جيلاً من الشباب إلى الهاوية».
وفي 11 نوفمبر من نفس العام أصدر القائد العام بيانا نشرته مجلة «الكواكب» بعنوان «رسالة الفن» جاء فيه: «يمكن القول إنَّ الفن عندنا كان إلى ما قبل 23 يوليو وربما حتى الآن صورة للعهد الذي قامت نهضتنا للقضاء عليه، كانت الميوعة والخلاعة -إلا في القليل النادر- هي سمات المسرح والسينما والغناء ولم يكن أحد من المشرفين على هذه الوسائل ذات الخطر العظيم في حياة الأمم يحاول أن ينحو بها نحو الفن كما يجب أن يكون بل كان الجميع -وهو ما يؤسف له- ينحو بهذه الأسلحة الخطيرة نحو التجارة والتجارة وحدها والتجارة الرخيصة في أغلب الأحوال، فما من فيلم إلا وأقحمت فيه راقصة وإذا كان هذا قد حدث في الماضي وسكت عليه فلان-كما قدّمت- كان صورة من العهد الذي نعيش فيه أما اليوم فإننا لا نستطيع أن نقبل من الفن ولا من المشرفين عليه شيئاً من هذا الذي كان يحدث في الماضي ولا شك أن نصيب الفن والفنانين أكبر من نصيب غيرهم فإن التأثير في الشعب بالأغنية وبالمشهد السينمائي وبالمشهد التمثيلي لا يزال أقوى من التأثير فيه بأي وسيلة من الوسائل الأخرى».
بدايات مداعبة النظام الجديد
من بعد إصدار القائد العام تصريحاته شبه المتناقضة، يتوقع أن يصطف الفنانون إلى جانبه والقيام بتغيير الهوية السينمائية للدولة في أقرب وقت ممكن لإصلاح الجانب الأخلاقي والإثارة الجنسية والعري الذي أطلق عليه سيادة اللواء أنه سلاح خطير ويجب أن نتوخى الحظر في التعامل مع أنواع الفنون.
ومن أوائل مَن لبّى نداء قادة الثورة كان الفنان إسماعيل ياسين في فيلم متدني المستوى بعنوان «عفريت عم عبده» فبراير 1953 من إخراج حسين فوزي الذي قدّم الأفلام الراقصة في نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات وخاصة العمل مع نعيمة عاكف في أفلام «لهاليبو» 1949، و«فتاة السيرك» و«فرجتو بلدي» و«خفة».
إلا إنَّ الحركة المباركة قامت أثناء تصوير فيلم «عفريت عم عبده» واستمع الشعب المصري لبيان اللواء محمد نجيب بخصوص آرائه في السينما والفنون، فما كان منه إلا أن يعدّل في قصة الفيلم بغرض إقحام غزل سياسي يعبّر من خلاله عن دعمه وتأييده للنظام الجمهوري الجديد، فتدور قصة الفيلم حول ظهور شبح عم عبده بعد وفاته لعدد من الأشخاص الذي قرر لهم «فزدق» أو إسماعيل ياسين أن يفتتحوا جريدة تحمل عنوان -بره الصندوق- باسم «أخبار بكرة»، على غرار «أخبار اليوم» و«أخبار زمان» و«مالي ذلك»، وركّز نشاط الجريدة على نشر تنبؤات «عم عبده الشبح» لكل الحوادث والأحداث والمهمة التي سوف تحدث في اليوم التالي فكان يوم 22 من يوليو لعام 1953 نشرت جريدة «أخبار بكرة» أن الجيش المصري سوف يقوم بثورة ينقلب فيها على الملك، وتعد هذه التفصيلة البسيطة من تعديل السيناريو بمثابة أولى مداعبات السينما المصرية للحركة العسكرية المباركة.
مصدر التصريحات الصحفية: دراسة دكتور محمد كامل القليوبي بعنوان «الهوية القومية للسينما»