تحولت إلى رماد.. القصة الكاملة لحريق مكتبة منشورات المتوسط فى بغداد (صور)
خلال الساعات القليلة الماضية؛ أثار حريق مكتبة منشورات المتوسط بشارع المتنبي في بغداد غضبًا كبيرًا بالمشهد الثقافي العربي، إذ إن النيران أحرقت كل المكتبة وتسربت إلى المكتبتين المجاورتين لها.
جميع ردود الفعل كانت غاضبة عبر صفحة المكتبة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وقال محمد عميري: خبر محزن جدًا، إن شاء الله ترجع أفضل من الأول نحن على استعداد أن ندعم منشورات المتوسط بالشراء حين إعادتها؛ لأنها تمثل رافدًا ثقافيًا مهمًا من روافد الإبداع الثقافي من حيث النوعية والاختيار الصائب.. نحن بانتظار المتوسط بحلّته الجديدة.
وعبر علاء أحمد عن حزنه بحريق المكتبة قائلًا: الله يعوضكم ونأسف حقًا لهذه الفاجعة.. مكتبتكم صاحبة رسالة وتنشر الكلمة الرائعة.. والحمد لله على السلامة، وعلق إسلام السباعي على خبر حريق المكتبة: خبر مؤلم ومحزن حقيقي وخسارة كبيرة، أتمنى أن كل العاملين يكونوا بخير، معلش تتعوض.. قلبي عندكم.
وكانت الحكاية قد بدأت بعد أن كشف خالد الناصري، مدير دار ومكتبة منشورات المتوسط – إيطاليا، قصة هذه المكتبة، وتفاصيل ما حدث بها عبر حسابه الشخصي بموقع "فيسبوك" قائلًا: يوم قررت إطلاق مشروعي الشخصي في النشر، قلت لا بد أن يكون لي مكان في شارع المتنبي في بغداد، اتصلت بصديق عمري كريم وقلت له أريد أن أفتح مكتبة في شارع المتنبي ولها بسطة على طريقة مكتبات الشارع نفسه.
وتابع: وجدنا مكانًا وبسطة وبدأنا، كان اسمها أولًا نون ثم مكتبة منشورات المتوسط، ولم أكن أريد منها أي ربح، فقط مكانًا لعرض كتب الدار في بغداد ونقطة تسهيل لوصول كتبها إلى القارئ العراقي، لكن بطبيعة الحال كنت أتمنى أن تغطي تكاليفها على الأقل. حتى هذا لم تفعله أبدًا! حملتها على كاهلي دائمًا، خسارة في إثر خسارة، وعشت معها أيامًا طويلة من التعب وحرق الأعصاب، ولسنوات طويلة وأنا أقرر يوميًا (تقريبًا) أن أغلقها وفي اليوم الثاني أجدني أحاول تحسين وضع المكتبة. نصرف عليها أكثر، نغير الموظفين، نحاول أن نجد مكانًا أفضل لها. حاولنا كل شيء.
واستطرد: حين ذهبت للعراق آخر مرة ورأيتها متعبة وبائسة ولونها العام رمادي على صحراوي على غبار وإهمال، وصلت حينها الى نقطة اليأس الكامل منها، ولكني بعد أيام أشفقت عليها وقررت أن أحاول للمرة الأخيرة، وقلت لكريم هذه المكتبة اللعنة تحتاج إلى ألوان، تحتاج أن تشبه الدار نفسها، وحينها بدأ معنا أحمد عبدالقادر العمل معنا وبدأ الكثير من الأصدقاء بمساعدتنا (المصطفى وباقر ونزار وحسين) وغيرهم، وبدأنا نرسم ونصمم ونخلع السقف وأخرجنا الكتب وبدأنا نلون المكتبة.
وذكر: أنا سافرت وواصل كريم وأحمد العمل وبعد أيام أرسلا لي صورها وهي ملونة وفيها كتب المتوسط، أذكر تمامًا أني بكيت من فرحتي بها حينها، ولم أفهم حتى الآن ما سر تعلقي بتلك المكتبة، لماذا أحببتها وحافظت عليها كل تلك السنوات؟، رغم كل الخسارات والتعب الذي أتاني منها، حتى أنت يا كريم كل مرة حين كنت أقرر إغلاقها، كنت تؤيد قراري وتقول نعم: أفضل شيء أن نغلقها، ولكني في داخل صوتك كنت أسمع رفضًا ما.
وأضاف: اليوم احترقت مكتبتي التي في العراق. أشعلت النار بنفسها، احترقت مكتبتنا يا كريم وأهم شيء بالطبع سلامتك وسلامة أحمد وبهاء وأي شخص كان يمكن له أن يتواجد هناك، أما حزنك يا صديقي فأفهمه تمامًا. أفهم أني وأنت لا نحزن الآن على خسارة الكتب والرفوف، بل على ما التهمته النار من أرق ووجع وحزن وفرح وبهجة وصراخ وفتح الباب وإغلاقه اليومي ولحظات الملل الطويلة وكل التفاصيل الأخرى.. النار التهمت كل شيء وتركت لنا هذا الرماد مجددًا يا صديقي.
وسرعان ما تضامن الكثيرون مع هذا الخبر الحزين، وبادروا بتقديم العون والمساعدة من أجل عودة المكتبة لحالتها الطبيعية، وبالفعل اتجه عدد من القراء والكتاب العراقيين إلى المكتبة، وبدأوا في تنظيفها من الرماد مصرين على إعادة إعمارها.