الشاعر مؤمن سمير: ثورة الاتصالات جعلت الأعمال الأدبية بلا رقابة ولا محظورات (حوار)
حول الشعر وقضاياه وفي القلب منها قصيدة النثر، وعن السير الذاتية العربية، ولماذا لا تتمتع بجرأة البوح كمثيلاتها الغربية، وحول موضات القراءة والجروبات الأدبية، وورش الكتابة وغيرها من القضايا التي تشغل الوسط الثقافي، كان لـ"الدستور" هذا اللقاء مع الشاعر مؤمن سمير، الذي يشارك في معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام بكتاب “فأس وحفرات في اللحم- أوكار اللعب مع الحياة”.
وسبق للشاعر مؤمن سمير وأن صدر له: “غذاء السمك، أناشيد الغيمة المارقة، أصوات تحت الأظافر، بصيرة المتشكك، الأصابع البيضاء للجحيم، سلة إيروتيكا تحت نافذتك، بلا خبز ولا نبيذ، عالق في الغمر.. كالغابة كالأسلاف، كونشرتو العتمة، هواء جاف يجرح الملامح، غاية النشوة، السرّيون القدماء، إضاءة خافتة وموسيقى، أوراد النوستالجيا، تفكيك السعادة، إغفاءة الحطاب الأعمى، يطل على الحواس، رفة شبح في الظهيرة، صانع المربعات، تأطير الهذيان، ممر عميان الحروب، بهجة الاحتضار، وحيز للإثم”.
وإلى نص الحوار..
ما أسباب خفوت فن السيرة الذاتية؟
أظن أن درجة الصدق والشجاعة في البوح وتعرية الذات زادت بمراحل كبيرة عن ذي قبل، حيث كلنا تعاملنا مع مذكرات لويس عوض والخبز الحافي لمحمد شكري على سبيل المثال كأيقونات للشجاعة في وسط واقع منغلق لكن ثورة الاتصالات وما أتاحته من حرية وسيولة جعلت الأعمال الأدبية بلا رقابة ولا محظورات، ومن ضمن ذلك أعمال السيرة الذاتية، لكن الأزمة في كتابة السير الذاتية العربية تكمن في ظني في الصدق وليس الجرأة، فمن النادر أن يكشف العربي ضعفه وهزائمه وانكساراته بشكل صريح، هو يضمنها الأعمال الأدبية باعتبارها تعتمد على التخييل فقط ولكنه يهرب من حكيها بشكل صريح في سيرته الذاتية.
لماذا تحب كتابة قصيدة النثر رغم ما تلاقيه من صعوبات في التلقي؟
أكتب قصيدة النثر كاختيار جمالي وفني لذلك هي إطاري الذي يحتوي علاقتي مع الشعر ويصيغها ويظهرها في شكلها القابل للتلقي، بغض النظر عن كل ما يشاع خطأ وبغرض ماكر عن تراجع مبيعات الشعر وعن تفضيل القراء لأشكال كتابية تتعلق بالسرد أو حتى تكرار كلام كان يشاع من عقود قديمة يتعلق بصعوبة تلقي هذه القصيدة بالذات، لأنها لا تتضمن مفصلات موسيقية تجعل التلقي مضموناً بغض النظر عن المحتوى، قصيدة النثر هي الشكل الفني المكتسح شعرياً في الوطن العربي حالياً.
أين تقف قصيدة النثر في خريطة الأدب المصري؟
قصيدة النثر هي الشكل المكتسح شعرياً في الوطن العربي حالياً وهو ما يصدق على مصر، بسبب كثرة وامتداد أجيال من الشباب تختاره شكلاً فنياً تعبر به عن عطائها الشعري بالإضافة إلى أجيال من الشعراء المنتمين لأجيال أسبق صاروا يعتمدونها بعد تخوفات واحترازات في الفترات الماضية حيث أضافت لتجربتهم ومنجزهم الأسبق وفتحت لنصوصهم آفاق أوسع.
هل يفتقد الشعر و خاصة قصيدة النثر من النقد الذي يواكبها ويتحاور معها؟
هناك حركة نقدية شابة تُعنى بقصيدة النثر وتحاول التقاطع مع منجزاتها المتوالية بالمحاورة والتحليل لكن الأزمة الحقيقية تتضح في وضعية هذه القصيدة داخل أسوار الجامعة حيث يفضل الجميع دارسين وأساتذة التعامل مع النصوص والتجارب ذات الشعرية الآمنة، أعداد قليلة من الأساتذة هو مَن يقرر على طلبته دراسة نماذج قصيدة النثر وأعداد محدودة من الرسائل الأكاديمية تتناولها..
هل فكرت في خوض تجربة كتابة الرواية؟
فكرت بالفعل، وتراجعت سريعاً، لأن طبيعتي وشخصيتي تم صياغتهما بالتوافق مع الحالات الشعرية التي تعصف بي ثم أسقط بعدها وأنا ألهث.
الرواية ستحاول جاهدة أن تزيح الشعر من داخلي، الشعر الماكر الذي لا يستسلم أبداً، فيتحول جسدي بالتالي وتتحول روحي لساحة من الصراع لن تفيدني بل ستجهدني، الأمور عندي للأسف ليست بالسلاسة التي جمع بها مبدعين آخرين بين الشكلين، الحكاية تدخل عندي في الأعصاب واللحم و الدم.
ما رأيك في موضات القراءة والكتابة؟
أغلبنا بدأ بهذه الأشكال لكن الأزمة فيمن لا يخرج من أسر هذه الكتب البسيطة التي لا تضيف سوى قتل وقت الفراغ، ودور النشر تنجح دائماً في خلق موضات ومواسم وفرقعات وأشكال محدودة الفن لأنها تخاطب قارئاً ذو قطاعات عددية كبيرة وهم الشباب والمراهقين وذلك لمصلحتها التجارية دون النظر لأي قيمة فنية.
دائماً تتواجد هذه الأشكال جنباً إلى جنب مع الكتابات الجادة لكن لأن مصر متسعة والخلطة سهلة وناجحة انتشرت هذه الكتابات وتم الترويج لها بأساليب متعددة ومتلونة.
كيف ترى ظهور العشرات من الكتاب مؤخرا وخاصة في فن الرواية؟
الرواية فن عظيم، والمبدعين العرب يعتبرون هذا الفن قريباً لطبيعتهم التي تحب هندسة الأحداث واللعب بالتفاصيل والتحليل للشخصيات، هذا الشكل الفني العبقري يحتوي كل أشكال الكتابة فمن الممكن أن تجد به شعراً ومسرحاً وتأريخاً وعلم نفس وعلم اجتماع، ودائماً في حياة كل شخص حكايات تصلح لأن تروى.
من تحب أن تقرأ له؟
أسماء كثيرة تتغير كل فترة، لم يعد الأمر كما كان من قبل أن أسلم وعيي لكاتب معين وأعطيه ثقتي الكاملة، حتى كانت هناك مراحل كاملة وُسِمَت بأسماء كتابها فهذه مرحلة طه حسين وهذه مرحلة العقاد وهذه مرحلة المتنبي وهكذا، أنا الآن معياري هو الكتاب وليس الكاتب، التجربة وليس الاسم أياً كان.
هل تعترف بقاعدة (اكتب عما تعرفه)؟
الكاتب يمتلك آلة جبارة، هي الخيال، وهي التي تقوده لخلق عوالم كاملة ونقضها كذلك، بها يخوض في الزمان وفي المكان وفي الظلال وفي الأجساد، وبها يقترح ويبتكر ويضرب يمينياً ويساراً ويخوض غمار النفس البشرية المتسعة بلا نهاية، المبدع لا يكتب عما يعرفه، بل يبتكر معرفة ويقترحها ويصيغها.
بين الكتاب الورقي والإلكتروني أيهما الأقرب إليك؟
الكتاب الورقي بالطبع، هو الأقرب نظراً للاعتياد التاريخي ونظراً لعيني المرهقة دوماً وأظن أن الكتاب الورقي سيزول ولكن بعد فترة ليست قصيرة.
هل تعاني صعوبات في أول طريقك مع النشر؟
كنت متابعاً للوسط الأدبي أثناء دراستي الجامعية لهذا لم أتردد في طبع ديواني الأول على نفقتي الخاصة ثم بعد ذلك نشرت في دور نشر حكومية وخاصة.
النشر دائماً فيه مشكلات سواء في البداية أو حتى بعد مرور ربع قرن، الناشر في النهاية يريد المكسب المادي بينما ينظر الكاتب للوصول لأكبر قدر من القراء وإذا توافق كاتب مع ناشر ناجح ومحترف يكون ذلك من حظ الكاتب السعيد.
ما رأيك في جروبات القراءة؟
هي ليست فقاعة، بل هي أمر لازم مع مواقع التواصل، وما تابعته منها وهو قليل يثبت لي أنها جروبات أفادت الكثيرين واقترحت عليهم أسماء كتب وأدخلتهم اللعبة الثقافية بذكاء.
هل تصنع ورش الكتابة الأدبية كاتبا حقيقيا؟
هي ظاهرة مأخوذة من الخارج وانتشرت في مصر وكان الدافع لبعضها ببساطة هو الدافع المادي وإن كانت نجحت مع البعض في تحفيزه على اكتشاف الكاتب داخله وتنشيط فاعليته وحماسه لكنها بالقطع لن تصنع كاتباً من العدم.
وعن نفسي لا أرى الإبداع إلا فردياً فورشتي هي أنا وتجاربي الدائمة وإخفاقاتي ونجاحاتي تتعلق بي فقط وكنت أظن الأمور ستسير هكذا لكن الحياة تتغير بشكل سريع في العقود الأخيرة.
هل تغني العروض والمراجعات الصحفية عن دور النقد العلمي بالنسبة للكاتب؟
مطلقاً، هي فقط تشير وتقترح كتاباً ما وصلاحيته للقراءة والاستفادة، أما الاعتماد عليها بالنسبة لتكوين وجهة نظرك إزاء الكتاب فأظنه أمر مدمر ويخل بقواعد اللعبة ومتعتها.