مفتي مصر الأسبق يتحدث عن انقطاع الحج قديما
علي جمعة: الحج المصري انقطع بسبب انتشار الأمراض والأوبئة
قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، “لقد ذكرت في محاضرة من محاضراتي بصورة عابرة أن الحج المصري قد انقطع عبر التاريخ أكثر من ثلاثين مرة، وسُئلت عن مدى دقة هذه المعلومة وعن صحتها, فرجعت إلى كتب التاريخ التي كنت قد قرأتها من سنين طوال وارتسمت في ذهني هذه المعلومة منها, ووجدت أنه بحث ماتع تبين لي منه بعض الحقائق التي أردت أن يشاركني فيها القارئ الكريم, وأنا أدعو الله سبحانه وتعالى ألا ينقطع الحاج المصري وأن يقينا البلاء والوباء وأن يحفظ مصر وسائر بلاد العرب والمسلمين من كل سوء, بل أن يحفظ العالم كله من هذه المصائب والأمراض, إنه سميع قريب مجيب الدعاء, وباستعراض كتب التاريخ, تبين لنا الحقائق التالية”.
وأضاف "جمعة" عبر صفحته الرسمية “فيس بوك”:"الحج قد انقطع من بعض الجهات لعوارض متعددة منها: البرد الشديد, انتشار الأمراض والأوبئة, العطش, الاضطرابات السياسية, عدم الاستقرار الأمني, الغلاء الشديد والاضطراب الاقتصادي, اضطراب الجو وثوران الرياح والعواصف, وفساد الطرق".
وتابع أن “انقطاع الحج ومعرفة علماء الأمة به تؤيد اختيارنا في ترتيب المقاصد, وأن حفظ النفس مقدم, فإن التصرف العملي الذي جرى بدون نكير من العلماء, والبعيد عن النقاش النظري في المسألة, رجح حفظ النفس عند قيام المخاطر على المضي في الحج، ومن طرائف ما قرأت ما ذكره الجبرتي في كتابه (عجائب الآثار) في المجلد 3 صفحة 606 وهو يتكلم عن أحداث سنة 1235هجري حيث قال: وفي سابع عشرة وصل الحاج المصري ومات الكثير من الناس فيه بالحمى, وكذلك كثرت الحمى بأرض مصر, وكأنها تناقلت من أرض الحجاز وكأنه يشير ويقر بانتقال الأوبئة وإدراكهم لهذه الحقيقة الكونية، انقطاع الحاج المصري على قسمين: قسم انقطع معهم الحج من كل مكان, وقسم انقطع الحج منهم فقط أو منهم ومن الجهات وإن كان قد ورد الحاج من جهات أخرى, فإن هناك سنين وإن كانت قليلة انقطع الحج فيها بالمرة”.
وأوضح: “ذكر الذهبي في كتابه (تاريخ الإسلام) مجلد 23 صفحة 374 في أحداث سنة 316 هجري: ولم يحج أحد في هذه السنة خوفا من القرامطة. وقال ابن تغري بردي في كتابه (النجوم الزاهرة) مجلد 3 صفحة 227 في أحداث سنة 317 هجري: قال أبو المظفر في مرآة الزمان: والظاهر أنه لم يحج أحد من سنة سبع عشرة وثلاثمائة إلى سنة ست وعشرين وثلاثمائة خوفا من القرامطة -فهذه عشر سنين-، وذكر ابن كثير في (البداية والنهاية) مجلد 11 صفحة 265 في أحداث سنة 357 هجري: وفيها في تشرين عرض للناس داء الماشري فمات به خلق كثير وفيها مات أكثر جمال الحجيج في الطريق من العطش ولم يصل منهم إلى مكة إلا القليل بل مات أكثر من وصل منهم بعد الحج، وفي النجوم الزاهرة وتاريخ الإسلام في تلك السنة لم يحج أحد من الشام ولا من مصر, وفي سنة 390 هجري انقطع الحاج المصري في عهد العزيز بالله الفاطمي لشدة الغلاء (راجع موقع بيت المقدس للدراسات التوثيقية)”.
وأكمل: “في سنة 419 هجري لم يحج أحد من أهل المشرق ولا من أهل الديار المصرية (كما في البداية والنهاية لابن كثير مجلد 12 صفحة 25). وفي صفحة 29 في أحداث سنة 421 هجري: وفيها تعطل الحج أيضا سوى شرذمة من أهل العراق ركبوا من جمال البادية من الأعراب ففازوا بالحج. وفي صفحة 45 في أحداث سنة 430 هجري: ولم يحج أحد فيها من العراق وخراسان ولا من أهل الشام ولا مصر إلا القليل. وفي أحداث سنة 492 هجري حل بالمسلمين ارتباك وفقدان للأمن في أنحاء دولتهم الكبيرة بسبب النزاع المستشري بين ملوكهم, وقبل سقوط القدس في يد الصليبيين بخمس سنوات فقط لم يحج أحد لاختلاف السلاطين”.
وزاد جمعة: “وفي تاريخ الإسلام مجلد 39 صفحة 11 في أحداث سنة 563 هجري: لم يحج المصريون لما فيه ملكهم من الويل والاشتغال بحرب أسد الدين. وفي مجلد 47 صفحة 63 في أحداث سنة 648 هجري: لم يحج أحد من الشام ولا مصر لاضطراب الأمور (راجع أيضا كتاب النجوم الزاهرة المجلد 7 صفحة20). ومن سنة 654 هجري إلى سنة 658 هجري لم يحج أحد من سائر الجهات سوى حجاج الحجاز (حسن الصفا والابتهاك ص122). وفي كتاب (السلوك) للمقريزي المجلد الثاني صفحة 72 في وصف أحداث سنة 699 هجري ورد: ولم يحج أحد في هذا العام من مصر لا في البر ولا في البحر”.
وأكد: “كما ذهب الدكتور صبري أحمد العدل المدير السابق لوحدة البحوث الوثائقية أنه في عام 1799م (الموافق 1213هجري) توقفت رحلات الحج أثناء الحملة الفرنسية لعدم أمان الطريق. وأكد بعد ذلك (كما في الجبرتي) أن الحج انقطع من سنة 1223هجري بسبب الخلافات بين مصر والسعودية ولمدة عشر سنوات، وفي سنة 1928 ميلادي حدث ما يسمى بحادث المحمل المصري وتسبب عنه انقطاع الحج تماما من مصر. وبذلك يكون عدد ما ذكرناه من توقف الحج المصري عبر التاريخ نحو أربعين مرة ولله الأمر من قبل ومن بعد”.