«الأزهري والجماعة».. حكايات في مُواجهة إرهاب العقول
سنوات طويلة قضاها سيد سليم، بين مواجهات الأفكار المتطرفة، كان فيها طالب الثانوية الأزهرية؛ يواجه مُحاولاتهم المتكررة للتسلل إلى عقله، كما كان يحدث مع أبناء جيله في نهاية السبعينيات وما تلاها.. حكايات طويلة وقف فيها ابن الأزهر متصديًا لفتنة العقول، لكنه لم يكتفِ بنفسه، وواجههم في مُحيط قريته.
حكايات وومواجهات وحرب وجود، روى ابن عرب مطير بأسيوط؛ وقائعها في طيات روايته «الأزهري والجماعة» التي صدرت مؤخرًا عن دار «كتبنا للنشر»، وتُعرض في معرض الكتاب.
وقال الكاتب سيد سليم لـ «الدستور»، إن الرواية تدور حول الجماعة الإسلامية منذ العام 1979، وكان وقتها في الصف الأول الثانوي الأزهري بمعهد فؤاد الأول بأسيوط، مؤكدًا أن الجماعة حاولت استقطابه كما فعلت مع كثيرون ـ آنذاك ـ وهُنا بدأت الصدامات بينه وبينهم: سألتهم لماذا أنتم الجماعة الإسلامية.. وبقية الناس ماذا يكونون؟.. كُنت أناقشهم بقوة.
«أهدوني كتيبات لهم، وقرأتها، وقولت لهم إننا نُحب ديننا، ومن يُحب الجنة فعليه بصلاة فروضه، وأن يبر والديه ويُطهر قلبه، لكي يدخل الجنة.. الأمر سهل للغاية».. يقولها الكاتب مؤكدًا أنه كان يُخبرهم بأن دخول الجنة سهلًا، ولا يحتاج الانضمام لهم من أجل ضمان ذلك.. مُتابعًا: بعدها حدثت حوارات وشد وجذب، واختلفنا وانقطعت العلاقة بعدها.
وفي العام 1987، كانت نفوذ الجماعة الإسلامية قد زادت في القرى، ومن بينها قريته (عرب مطير) فوجد أن مواجهة أفكارها بات فرضًا عليه كونه أحد أبناء القرية الأزهريين، والذين يعرفون كيف يردون على ما تقوله عناصر الجماعة: حصلت صدامات في القرى بين مؤيدين ومعارضين للجماعة، فأبناء القرى لا يُحبون التكفير، والجماعة تُكفر من يقوم بأمور ثانوية لا تستحق الخلاف، كزيارة المقابر.. هم ضخموا الأمر، فالأهالي ثاروا ضدهم، وهُناك من ألقى بالكتب الخاصة بهم خارج المساجد في عرب مطير، وأحرقوها.
علم الجماعة بموقف الشاب الأزهري سيد سليم، من أفكاره التي كانت تؤرقهم كثيرًا، ففكروا في استقطابه ثانيةً، لكن محاولاتهم لم تفلح، ففكروا في التحاور معه: في إحدى المرات طالبتهم بالتوقف عن ما يقومون به في قريتي، ففزع نائب رئيس الجماعة مشبهًا الأمر بنشر الرسول للإسلام، وإنهم لا يجب أن يتوقفوا.. كان ردي بأنه يُشبهنا بالكفار، فحاول أمير الجماعة احتواء الأمر بتوبيخ نائبه، فكان ردي عليه: لا توبخه إنه يعبر عن صادق منهجكم.
مشادات وصراعات شنتها الجماعة لفرض فكرها، وكان ابن الأزهر يُواجههم في كل مرة، مؤكدًا لهم أنهم ليسوا أهل علم بشئون الدين: قولت لهم أن لدينا علم دراسة وعلم وراثة من الله.. فمن أنتم؟.
مذكرات الكاتب سيد سليم حول ما جرى بينه وبين الجماعة الإسلامية في عرب مطير وقبلها إبان دراسته، حاول بعضهم إقناعه بنشرها في التسعينيات، فرفض: وافقت في البداية.. لكن عندما حاولت كتابة المقدمة، وجدتني أكتب «كنت أحاربهم وهم طُلقاء وأقوياء، أما وقد أصبحوا ضعفاء أسرى؛ فإني أعف عن منازلة الأسرى».. وهُنا تراجعت عن الفكرة، رغم أن القائم على نشرها آنذاك أخبرني بأنها سوف تدخل ضمن جائزة الدولة التشجيعية.
المراجعات الفكرية للجماعة الإسلامية، وإعلان توبتهم عن أفكارهم، وطباعة كتب يتحدثون فيها عن ذلك، كانت السبب وراء قرار طباعة كتاب «الجماعات المتطرفة.. معايشة وحوارات» والذي روى فيه الكاتب عما مدار بينه وبين الجماعة في سنوات الإرهاب.. وعاد مؤخرًا ليحوّله إلى رواية «الأزهري والجماعة».
واعتبر «سليم» أن الأمر بات مُهمًا الآن ليعرف الناس كيف يُفكر هؤلاء، خاصة بعد أن انتشر في مصر تيار «سلخاني»، جمع شر ما عند الإخوان وهو السياسة، وشر السلفيين وهو اتهام الناس في عقيدتهم، وهذا التيار قام بأدوار عجيبة وغريبة، وجعل النفاق أصل دعوته، ولا توجد مبادئ ثابتة لديهم، فالسلفيين كانوا يحرمون السياسة والثورات، ثم شاركوا فيها.. «أردت أن أقول للناس إن الأزهر هو الصوت المعتدل، ومن باب حب نشر العلم وعدم كتمه، وهذه شهادة لله على ما حدث معي، أردت أن أُظهرها للناس» ـ يقول صاحب الرواية.
مرت سنوات طويلة، غير أن أحزان الكاتب لم تنطفئ على ما صار من صنيع أيدي أصحاب هذه الإفكار: لو اجتمع محمد حسان ومحمد حسين يعقوب وأبو بكر الحنبلي، وحيد بالي، محمد يسري، وحواريوهم، لو اجتمعوا في صحن الكعبة، وتعاطوا الخمر في نهار رمضان، لكان ذلك أهون مما صنعوه في شبابنا الذي تأثروا بأفكارهم.