أحمد الرشيدي: بيئتي الصحراوية كانت المحفز الأول للكتابة.. وذائقة القارئ تغيرت (حوار)
يشارك الكاتب الشاب أحمد سلامة الرشيدي، في فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب، من خلال كتابه الشعري الأول "الرجال الذين حملوني وصيتهم"، والصادر حديثا عن دار العين للنشر والتوزيع.
وحول تجربة النشر الأولي، والصعوبات التي واجهها حتي يصدر ديوانه الأول، وعن الكتاب الأولي الذي جذبه لعالم الفكر والفن والثقافة كان لــ"الدستور" هذا اللقاء مع الشاعر الشاب.
قال "الرشيدي" عن تجربته الشعرية الأولي، والمعنونة بــ" الرجال الذين حملوني وصيتهم":"هو ديوان شعري وأول عمل منشور ليا، يجمع بين الشعر الحر والشعر الحكائي وقصائده مكتوبة في الفترة من 2016 و 2020، ولكوني من الواحات الداخلة والصحراء الغربية، فتيمة الصحراء تبرز في الديوان كتيمة أساسية فيه".
وإلى نص الحوار..
ــ ما هو كتابك المفضل؟ ولماذا؟
الكثير من الكتب المفضلة، ولكن ربما أستطيع تحديد كتابين لهما التفضيل الأكبر رغم اختلاف عوالمهما:
"شجرة الرتم" وهي مجموعة قصصية لإبراهيم الكوني الذي يأتي مثلي من عمق الصحراء الكبرى بأسئلتها الكبيرة وصمتها المطبق، البيئة الخصبة للحكي والميثولوچيا، والمطلق الذي يحاوطك من كل جانب، براعة الكوني في تفكيك هذه الثقافة واعادة خلق ميثولوجيا بديلة بنفس المعطيات التي تربيت فيها واختبرتها كل يوم جعل عالمه كله قريبا من قلبي، و"شجرة الرتم" ليست أهم أعماله ولا أكملها ولكنها كانت مدخلي لعالمه فاحتفظت بمكانتها عندي.
الكتاب الثاني هو رواية "اسأل الغبار" لچون فانتي، حيث الجمل الرشيقة والحياة اليومية الصاخبة. وحيث كل يوم هو اختبار وكل شيء دائما على المحكّ، تربطني علاقة إخاء بــ"آرتورو بانديني"، الذي لم يكن طائرا ولا شجرة ولا فكرة مضللة جيدة، آرتورو الذي هو "چون فانتي" نفسه، رغم مسعانا المختلف في الكتابة، إلا أن الشوارع التي مشاها أرتورو في لوس آنچلوس مشيت مثيلتها في القاهرة، حيث كل يوم هو اختبار أيضا وكل الأشياء دوما على المحك، اثتني عشرة سنة أجوب المدينة القديمة كل يوم، وبينما يصرخ بانديني: "يا لوس آنچلوس الحبيبة، أمشي إليَّ بالطريقة نفسها التي أمشي بها إليكِ" كنتُ هنا أمشي ولا أطلب شيئا لم تتعود المدن أن تمنحه لأحد.
- هل تذكر أول كتاب شجعك علي الكتابة؟
لم تكن البداية عن طريق الكتب، كانت البيئة التي نشأت فيها هي المحفز الأول، حيث ينطق رجال الصحراء بالكلام الملغز، وتتمتم النساء بلسان العرافات القديمات، ويرتجل الشبان الشعر كلما خرج الهواء من صدورهم. كانت ثقافة شفاهية بالكامل نطق بها أمّيون عرفوا كيف يأوّلون الصحراء في عقولهم ويجعلون منها مكانا قابلا للعيش.
ــ ما أغرب موقف قابلته في الوسط الثقافي؟
أنا غير محسوب على الوسط الثقافي بأي شكل، حاولت النأي بالأدب بعيدا عن أي شائبة.
ــ هل تتذكر أول شيء كتبته في حياتك؟.. وما هو؟
لا أتذكر بالتحديد ولكن كانت كتابة تقليدية كحال المحاولات الأولى غير جديرة بالتذكر. كما أن كل كتاباتي السابقة على عام 2016 تبرأت وتخلصت منها ولم أحتفظ منها بشيء.
ــ لو معك تذكرتين سينما من تدعوه من شخصيات تاريخية؟
سأحتفظ بالسينما لحبيبتي، وسأدعو آرثر رامبو لكوب شاي وربما بعض القات اليمني الطازج لعله ينعش ذاكرته ويفتح قلبه للحكاوي. كنت سأفكر بدعوة نيكانور بارا لولا أنني أتوقع الرد مسبقا.
ــهل تؤمن بالسحر أو الأعمال؟ وهل مررت بموقف شبيه؟
بالطبع لا.. لا تستهويني الميتافيزيقا إلا كحكايات مسلية، أصدق في قدرة الإنسان على الأذى لا شك، لا يحتاج الإنسان لعفريت أو جن ليقوم بذلك عنه، والتاريخ والواقع المعاش يشهدان له بذلك.
ومررت بتجارب بحكم البيئة التي نشأت فيها، وبتتبع الحكايات إلى مصدرها وجدت قفزات منطقية وميلا دائما عند الإنسان لإيجاد تفسير للأشياء ولو كان زائفا.
"المندل" كان تجربة شخصية مررت بها في سن العاشرة وهو مدخل لعالم سحري يفترض أنه عالم الجن، لا ينكشف إلا لصبي لم يبلغ الحلم، يوضع فنجانا من الماء على كفه وغطاءًا من قماش أبيض على رأسه بينما يتمتم الرجل العارف بكلمات تكشف الغشاوة. رأيت الكثير في هذه التجربة الفريدة التي ما زلت أحاول لليوم فهم أبعادها وربما سأكتب عنها ذات يوم.
ــ إذا كتب قصة من سطر واحد عن الموت كيف ستكون؟
من لا يهب قطعة من روحه للغابة المسحورة، لا يتفيّأ أبدا بظلّ شجرة خضراء.
ــ في رأيك لماذا تحجم دور النشر الخاصة عن نشر الشعر؟
دور النشر مؤسسات ربحية، وليس من وراء الشعر ربح مادي. والذائقة تحدد العرض والطلب، ويبدو أن الذائقة الآن تستسيغ أشكالا أخرى من الأدب.
ــ هل واجهتك صعوبات في النشر وما هي ؟
في الحقيقة لم أسْعَ للنشر إلا منذ شهرين تقريبا حين شعرت أن الوقت قد حان لمشاركة ما عندي. سألت الأصدقاء الشعراء أن يرشحوا لي دار ذات سمعة طيبة وتحترم الكاتب والقارئ، فرشحوا لي عدة دور ووقع الاختيار على دار العين. تواصلت مع الدكتورة فاطمة البودي وكانت إنسانة لطيفة وودودة ومهنية للغاية، وعملنا سويا مع فريق الدار على إخراج الديوان بالشكل المرجو، لأضعه بين يدي القارئ كي يخوض التجربة الحقيقة بعيدا عن معيّتي.