«قطر الجواز فاتك».. حكايات أثقل العبارات ألما لفتيات تأخر ارتباطهم
"حاموت موتة وحشة".. تلك كانت آخر كلمات كتبتها سيدة بلغت من العمر 35 عامًا بحلوان لذويها، وذلك قبل إقدامها على الانتحار بشنق نفسها منذ عدة أيام نظرًا لمرورها بحالة نفسية سيئة بسبب تأخرها في الزواج.
ويبدو أن هذه السيدة لم تمت فقط موتة "وحشة" ولكنها عاشت بحياة ربما هي الأسوأ، دفعتها إلى إنهائها بهذه الطريقة المحزنة.
المتهم الأول في واقعة، سيدة حلوان والذي أدى بها إلى الانتحار هو تملك الاكتئاب والإحباط منها، وذلك حسبما أكد ذويها الذين سمعوا صوت ارتطام جسدها وقت الحادث دون أن يمهلهم القدر وقتًا لينقذوها.
والتأخر في سن الزواج، كما كان سببًا في انتحار سيدة حلوان كان كذلك سببًا في انتحار غيرها، ليموتوا جميعهم موتة “وحشة”، بل و كان كذلك انتحارًا لفتيات آخريات معنويًا وهن مازالن على قيد الحياة، وذلك بما تملكهم من مشاعر الإحباط والاكتئاب وعدم القدرة على مواصلة الحياة، ظانين أن الحياة قد انتهت نتيجة عدم قدرتهم على تحقيق “هدف” الزواج، وإطلاق المجتمع عليهن نظراته القاسية وتسميتهم لفظة “العانس”، وذلك دون أن يجرمه في هذا أحد، ليصبح المجتمع هنا هو الجاني الطليق، وهناك آلاف من ضحايا هذا الجاني ينتحرون وجدانيًا قبل أن ينتحرون جسديًا.
وترصد “الدستور” في السطور التالية قصص ضحايا ما يدعى بـ"قطار الزواج الذي فات" أو ما أطلق عليهم “العوانس”.
“م.ن” فتاة تبلغ من العمر 37 عامًا، تعيش بمفردها ولم تتزوج بعد، إلى الآن، وقد توفيا عنها أبيها وأمها منذ عدة سنوات، تقول لـ"الدستور" إنها “تعيش حياة بائسة تبكي فيها أغلب أوقاتها نتيجة تأخرها في الزواج”.
وأعتبرت الفتاة حالها “إنسانة فاشلة” أو يعيبها شيئًا هو الذي جعلها إلى الآن لم تتزوج، موضحة أن المجتمع بنظراته وأقاويله هو من رسخ داخلها تلك الفكرة بين رسائل وجهها أفراده لها مباشرة أو أخرى غير مباشرة مثل “إلحقي نفسك.. القطر حايفوتك”، “مش حاتعرفي تخلفي”، “البنات الكبيرة دول ماحدش بيبص لهم”، تقول إن كل هذه العبارات مثلت لي “الخنجر” الذي يطعنني مجددًا كل ما حاولت الشفاء من آخر طعناته، وأصبحت أفضل العزلة عن جميع الناس، وأحيانًا أدعو أن يميتني الله رحمة من تلك الكلمات الجارحة.
ووجدت “س.ع” 35 عامًا أن الكثيرين من حولها يشعروها بكونها أقل منهم، وأنها عبء عليهم خاصة أسرتها التي باتت تارة تعايرها بكونها كبرت عمرًا ومازالت “عانسًا”، وتارة أخرى تبكي والدتها إحراجًا من أصدقائها لكون ابنتها هي الوحيدة في أقرانها التي ما زالت لم تتزوج، وتقول “أصبحت أعيش أيامي بلا هدف وأحيانًا كثيرًا أدعو الله أن يسامحني لأنني أحسد في كثير من الأحيان بعض صديقاتي اللاتي منّ الله عليهن بنعمة الزواج وتكوين أسرة، وأرجو ألا يكون غاضبًا علي لذا يتركني هكذا دون زواج وتكوين أسرة عقابًا لي”.
كونها لم تتزوج بعد رغم وصولها إلى عمر (38 عامًا) كان هو الأمر الذي زاد مروة أحمد خريجة كلية التجارة قوة وصبر وتحمل بل وإصرار أيضًا على إثبات الذات ونحي كلام الناس جانبًا.
وأوضحت لـ"الدستور"، أنها في بداية تأخرها في الزواج، كانت تتأثر سلبًا بكلام الناس مثل “حاتعنسي وماحدش حايبص لك”، و"إنتي كبرتي خلاص اتنازلي واتجوزي أي حد حتى ولو حاتتطلقي بعد كدة"، بسبب هذه العبارات كادت أن تقبل العديد من الأشخاص الذين لا يناسبونها على الإطلاق، كما دخلت كثيرًا في نوبات اكتئاب وإحباط.
وأكدت أن وضعها حاليًا فرق كثيرًا وتحسن تمامًا، قائلة: “بدأت أحضر بعض دروس التنمية البشرية وأتقرب إلى الله أكثر، فبدأت اختلف من داخلي كما اختلف استقبالي لكلمات الناس عن قبل”.
وتقول: "زادت ثقتي بنفسي وزاد يقيني بأن كل أمري هو مقدر بيد الله وليس لي دخل في لذا لم أعد بعد ذلك ألقي بالًا لكلام الناس الذي كان يؤثر في بالماضي"، وتابعت أنها بدأت تقوي من مهاراتها واكتشفت أنها لديها موهبة كبيرة في الكتابة فأصبحت تكتب العديد من المقالات، وترسلها إلى العديد من الصحف، ووجدت غايتها في عمل شيء مفيد يشبع رغباتها الداخلية في ترك بصمة بالحياة، وتركت أمر الزواج بيد الله وحده، وهنا أدركت أنها لها قيمة بالحياة حتى لو لم تتزوج وتنجب فالله لا يخلق شيئًا إلا وله دور في الحياه، وفي الوقت نفسه لم تكف عن الدعاء لنفسها ولكل من في حالها بصلاح الحال دائمًا".
الدكتور عبد العزيز النجار شيخ المنطقة الأزهرية بالمنوفية، أوضح لـ"الدستور"، أن التدخل في خصوصيات الأفراد يعد من الأمور التي لا تجوز على الإطلاق شرعًا، ومن الخطأ توبيخ من يتقدمن بسن الزواج، وسؤالهن المتكرر عن أسباب ذلك، لكون هذا الأمر لا يخص سوى الفتاة فقط، ولا يجب التدخل به على الإطلاق.
ووجه عبد العزيز حديثه إلى الفتيات اللاتي تقدم بهم العمر دون الزواج، أن يطمئنوا لكون الله لا يفعل شيئًا إلا خيرًا وعليهم بالدعاء الدائم بصلاح الحال وعمل الخير، مشيرًا إلى أنهن عليهن أن يكونوا على يقين بأن صبرهم على أذى الناس ببعض كلماتهم الجارحة ما هو إلا زيادة عظيمة في ميزان حسانتهن ، بالإضافة إلى المجازاة الحسنة في الدنيا كذلك على هذا الصبر.
الدكتور هشام ماجد استشاري الطب النفسي، قال لـ"الدستور"، إنه يجب ألا تلتف الفتيات اللاتي تقدمن بهم العمر دون زواج، إلى كلمات المجتمع ومشاعرهن الداخلية السلبية، بل على العكس عليهن أن ينظروا إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الشباب حاليًا، والتي جعلت سن الزواج يتأخر فأصبح متوسط عمر الزواج في الفتيات ما بين 34 و35، لذا يتقبلن الواقع ويعلمن أنهن جزءًا منه، ولا يختلفن عن المجتمع في شئ بل هم في وضع المجتمع الطبيعي، ولا ينقصهن شيء، كما يجب أن تبحث كل فتاة على ما هو بداخلها من قدرات ومواهب مميزة.
وأوضح أن الزواج في حد ذاته ليس هو الهدف الرئيسي في الحياة، ولكنه بالطبع سنة الحياة، يوهبها الله لمن يشاء، ويؤخرها لغيره، كما يمنعها عن آخرين، ولكن الهدف من الحياة هو إعمار الأرض موضحًا أن إعمارها الأرض يتم بالعمل وتنمية الحياة الإنسانية وكثير من الأمور الأخرى.
وأكد أن التأني في اختيار شريك الحياة حتى ولو استغرق ذلك وقتًا طويلًا أفضل بكثير من التسرع في ذلك، وبالتالي اختيار شريك حياة لا يصلح من أجل تحقيق"هدف" الزواج فقط ورضوخًا لكلام الناس وضغطهم، يعد أمرًا خطيرًا و سينتج عنه أطفالًا معذبون وضحايا للخوف من المجتمع دون ذنب لهم.
وبحسب أحدث إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فقد وصلت نسبة التأخر في الزواج إلى 472 ألف حالة من الإناث، و687 ألف حالة من الشباب.