جريمة الإخوان فى حق داعية عظيم
يأتى هذا المقال فى سياق إشكالية طرحت خلال السنوات الماضية بإلحاح تريد إلصاق الإمام الشيخ محمد متولى الشعراوى بالإخوان، وعندما ظهر ضعف هذه الفكرة انتقلت الإشكالية إلى تطوير نفسها بالقول إنه لم يكن إخوانيًا، لكن الإخوان استغلوه، فلما رأيت الإلحاح على هذه الاتهامات خلال السنوات الماضية، مع تجدد طرحها وإثارتها خلال هذه الأيام، أردت أن أبين بعض الحقائق التاريخية الثابتة، ويبقى لى مقال أخير قادم أتمم به الكلام فى هذه الجزئية، لننتقل إلى ما هو أهم وأولى بالطرح والنقاش هذه الأيام من هموم العباد والبلاد.
١- تشويه مجلة الدعوة للشيخ الشعراوى:
كان أول ذكر للشيخ الشعراوى من مجلة الدعوة- المتحدثة باسم الإخوان- كان فى العدد التاسع من السنة السادسة والعشرين، فبراير ١٩٧٧، وجاء المانشيت الرئيس للمجلة بعنوان: «الشيخ الشعراوى وقضية الربا».
وقالت مجلة الدعوة، فى العدد الرابع عشر، السنة السابعة والعشرين، مايو ١٩٧٨م، ص ٢٢، ٢٣: «إن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية لم ينجح فى تأدية رسالته، مع أنه صاحب أعلى ميزانية من بين هيئات الدعوة فى مصر»، وطالبت أن تكون تبعيته للأزهر الشريف وليس لوزارة الأوقاف، ليكون له إنتاج أفضل، وفى نفس السياق لم تملك المجلة أن تنكر فضل الشيخ الشعراوى وجهده لأنه- كما قالت- وقف ضد الانحرافات المالية بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية.
وشنت جماعة الإخوان، عبر مجلة الدعوة، هجومًا شديدًا على الشيخ الشعراوى، حتى إن المجلة نشرت فى أحد أعدادها صورة ساخرة للشيخ وفى فمه سيجارة يدخنها، وصورة أخرى ساخرة يظهر فيها الشيخ وأمامه مؤذن والشيخ يوجهه، فى إشارة إلى أن الشيخ يوجه الناس لدين الله حسب هواه ومزاجه.
وتبدأ الأحداث حين أراد الصحفى الإخوانى الأستاذ محمد عبدالقدوس أن يجرى حوارًا مع الشيخ الشعراوى، وكان آنذاك وزيرًا للأوقاف، يريد فيه إدانته باعتبار أن الشعراوى- من وجهة نظر الإخوان- ارتكب جريمة كبرى، لأنه منع أذان الفجر فى الميكروفون.
ونترك الصحفى الإخوانى محمد عبدالقدوس ليحدثنا عن ذلك فى وثيقة مهمة نشرتها مجلة الدعوة الإخوانية، وأبرزتها فى المانشيت الرئيس تحت عنوان: «لقاء عاصف مع الشيخ الشعراوى»، حيث قال:
«أغرب لقاء صحفى دار فى حياتى هو اللقاء الذى تم بينى وبين فضيلة الشيخ محمد متولى الشعراوى، والذى لم يستغرق أكثر من خمس دقائق، والهدف من اللقاء كان إجراء حديث صحفى فى مجلة الدعوة.. استقبلنى فضيلة الشيخ بترحاب كبير، وعندما قلتُ له إن الحديث سيكون لمجلة الدعوة (الإخوانية) بُهت وكأنه فوجئ بما لم يكن فى حسبانه، واختفى الشيخ الشعراوى الداعية، وظهر معالى الوزير الشيخ متولى الشعراوى، وقال: (أنا أكتب للدعوة.. دا مستحيل)، فأردتُ أن أصحح له، فقلت لن تكتب، سأجرى معك حديثًا صحفيًا، فقال بالحرف الواحد: (لا لا.. مستحيل.. أنا أفضل التعامل مع أى أحد على التعامل مع الإخوان المسلمين ومجلة الدعوة.. أى والله). وأضاف قائلًا: (إن أعدائى هم الإخوان المسلمون والشيوعيون)».
ويعقب الأستاذ محمد عبدالقدوس متحدثًا بلسان الإخوان ومجلتهم: «ومجلة الدعوة تحب أن تخبر الشيخ الشعراوى أنه ليس هناك أى عداء شخصى بينها وبين فضيلته، رغم سيل الشتائم والإهانات التى وجهها إلى الإخوان المسلمين ومجلة (الدعوة) ومندوبها، ورغم أنه يُفضِّل التعامل مع أى أحد على التعامل مع الإخوان المسلمين، فإننا لا نبادله هذا الشعور، بل نستغفر له وندعو له بالهدى، وإن كنا لا نفهم أبدًا سر حملة فضيلته الشديدة علينا».
وقد عقّب الشيخ الشعراوى، فى حوار له مع مجلة المصور، العدد رقم ٢٩٩٦، بتاريخ ١٢ مارس ١٩٨٢م، ١٦ جمادى الأولى ١٤٠٢هـ، على الهجوم بقوله: «يعلمون أن الذى هاجمنى جاء إلى بيتى لأسامحه، ومع ذلك سامحتُه، وكأن شيئًا لم يحدث، فأنا لست صاحب حركة أو جماعة، ولكنى رجل يحيط به بعض المحبين الذين يرتاحون إلى أسلوبى فى الدعوة إلى الله، فأوسعت الدائرة قليلًا، وثق أنه لو كنت مشغولاً بمثل هذه الأشياء ما منَّ الله علىّ بالفيض فى أى شىء من الأشياء».
وأُعقب فأقول: فهل يمكن أن يأتى اليوم مَن يزعم أن الشيخ الشعراوى كان منهجه إخوانيًا، أو أنه تم استغلاله من قبل الإخوان المسلمين؟!
٢- تشويه مرشد الإخوان للإمام الشيخ الشعراوى:
كتب الأستاذ عمر التلمسانى، المرشد الثالث لجماعة الإخوان، مقالًا عنوانه: «تصحيحٌ لوقائع» نشره بمجلة المصور، العدد ٣٠٠٠، الصادر فى ٩ أبريل سنة ١٩٨٢م، ص٣٥، يرد به على انتقاد ورفض الشيخ الشعراوى لجماعة الإخوان، والتلمسانى يثبت بلا ريب أن الشعراوى كان ثقيلًا جدًا على نفوس الإخوان، رافضًا منهجهم، وشهادته لا تترك مجالًا لقائل أن يقول إن الشعراوى كان يؤيد الإخوان أو يتعاطف معهم.
وكان مما قاله الأستاذ عمر التلمسانى، المرشد العام لجماعة الإخوان: «لو أن الأمر اقتصر فى الندوة المنشورة على صفحات مجلة المصور الصادرة يوم ١٢ مارس سنة ١٩٨٢م على ما قاله الشيخ الشعراوى عن الإخوان المسلمين لسكتُّ واحتسبتُ ذلك عند الله، فطالما قال عنا ما ليس فينا، لكن حديث فضيلته تعرض لوقائع تاريخية ليس من حق أخ أن يسكت عليها، والتاريخ حق الأمم والشعوب».
ويقول الأستاذ التلمسانى: «ولكنه لما رأى خصومتنا للوفد وولاءنا لغيره ترك الإخوان، والعجيب فى الأمر أن يترك فضيلته جماعة منهاجها كتاب الله، من أجل حزب منهاجه من وضع البشر».
ويمضى مرشد الإخوان ليتهم الإمام الشعراوى باتهامات كفيلة بإسقاط العالم الجليل ومكانته فى نفوس الناس، وهى:
١- اتهمه بأنه عرَّض أمته لمقت الله وغضبه.
٢- اتهمه بدعوة الناس إلى فعل المعاصى.
٣- اتهمه بأنه أحل ما حرمه الله، وحلل الربا.
وقد رفض الشيخ الشعراوى الرد على التلمسانى، وقال فى حواره مع سعيد أبوالعينين: «قابلتُه كثيرًا فى مناسبات، وهو حاول أن يتلافى ما وقع فيه الآخرون، وهناك بعض الناس لسه متمسكين بحكاية الحكم».
وقد عقبَّت مجلة المصور، العدد ٣٠٠٠، ٩ أبريل ١٩٨٢م، ص٣٥، على مقال التلمسانى بقولها: «لا نعرف لماذا يُعقِّب الأستاذ التلمسانى على الشيخ الشعراوى عندما يناقش أمر جماعة كان لها أثرها فى الحياة المصرية، وكان لها أخطاء ندد بها المرشد نفسه، ولا نعرف مبررًا يدعو الشيخ الشعراوى ليستر بطرف ثوبه وقائع وحقائق خاصة بجماعة الإخوان وتاريخها، لماذا يطلب الأستاذ التلمسانى باسم توحيد الصفوف أن يكتم الشعراوى شهادته ورؤيته فى جماعة اكتنفها الكثير من الغموض، إن الإخوان ليست معصومة لتبقى بعيدة عن النقاش والمراجعة والنقد والرفض والمواجهة».
وأختم هذا المقال فأقول: الشيخ الشعراوى لم يكن إخوانيًا قط، ولا استغله الإخوان ولا غيرهم من التيارات، بل تهجموا على مقامه وألصقوا به تهمًا غير صحيحة، وفى المقال الختامى المقبل أستعرض عبارات يتوهم البعض أن الإمام الشعراوى يمدح الإخوان فيها.